الردة والمرتد في الشريعة الإسلامية
القاهرة- آفاق
انتقد استاذ الفقه المقارن المساعد بجامعة الأزهر بشدة دعاوي المطالبين بإلغاء عقوبات الردة على من يخرج من الإسلام وتعليلهم ذلك بـ"حرية الفكر" أو "إظهار سماحة الإسلام" واعتبر الردة من "اعلى الجرائم" وأن الإسلام يجرم الخروج على "الدين الحق" كما أكد بأن حكم الردة من الأحكام "الشرعية الثابتة المستقرة التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان".
وقال الدكتور أحمد محمود كريمة إن "التعلل بإلغاء عقوبات المرتد تحت زعم اظهار سماحة الإسلام ومرونته تعلل مهترئ، لأنه يؤدي الى القول بأن الإسلام منذ فجره حتى عام (1428 هـ/2007 م) لم يكن سمحا، بل صاحب سمعة ملوثة، وآن الاوان لتصحيح المسار، أو ثورة تصحيح على احكامه وأصوله، وقواعده، حتى يبدو للناظرين سمحا عفيفا!!!".
وأكد كريمة بحسب صحيفة "الأهرام" المصرية في صحفة الكتاب وتحت عنوان مفاهيم: الردة والمرتد في الشريعة الإسلامية بأن من أهم خصائص التشريع الإسلامي الجمع بين "الثبات والمرونة".
وقال بأن الثبات يعني "قيام التشريع على أصول لا يمكن بحال من الاحوال أن تقبل التبديل، والتغيير، أو الإلغاء ... والأحكام الشرعية الثابتة المستقرة لا تتغير بتغير الزمان والمكان، فحرامها وحلالها ومباحها كذلك في الماضي والحاضر والمستقبل، وصارت بهذا الوصف مسلمات شرعية، لا تقل قوة عن المسلمات العقلية، وهذه المسلمات الشرعية لا تقبل ابدا ان يحتال عليها، فتغير تحت أي مبرر من المبررات كإرضاء التيار العلماني أو مسايرة الحضارة الجديدة، وغير ذلك من مبررات تبعث على الغرابة والنكارة معا!".
وقال كريمة "إن اخواننا أهل الكتاب ـ اليهود والنصارى ـ لم يجرؤ عالم فيهم على تغيير أي حكم لديهم، والأمثلة عند القوم معروفة خاصة الاحوال الشخصية والإرث وغير ذلك، فلماذا العبث في مسلمات شرعية إسلامية من قبل مسلمين؟!".
وشرح كريمة أوصاف الردة وعقوباتها وكيفييتها وقال "الردة لها تكييف ووصف وعقوبات فهي بإيجاز من حيث الجملة: الرجوع عن الإسلام، ويكون هذا بأحد مظاهر ثلاثة:ـ القول والفعل والامتناع عن الفعل. والقول: صدور قول عن المسلم هو كفر بطبيعته، أو نقيض الكفر. والفعل: أن يأتي المسلم فعلا يحرمه الإسلام تعمدا واستخفافا به أو عنادا أو مكابرة. الامتناع عن الفعل:ـ أي الامتناع عن إتيان فعل يوجبه الإسلام، مما علم من الدين بالضرورة إنكارا أو جحودا".
وأضاف "أما حكم الردة، فهي من اعلى الجرائم لعداونها على الدين، فالإسلام يحرم، ويجرم الخروج على (الدين الحق. والنظام العام للمجتمع) وعليه فالردة جريمة، والمستقر شرعا وقانونا أنه لا توجد جريمة دون عقوبة دنيوية"
وعدد كريمة أهم عقوبات الردة الدنيوية وذكر منها:
1ـ القتل: وهو ثابت بالسنة النبوية الصحيحة، ومنها حديث "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب بالزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة من بدل دينه فاقتلوه.. وبآثار الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ والإجماع".
2ـ التفريق بين المرتد وزوجه.
3ـ سلب ولاية المرتد.
4ـ تحريم ذبيحة المرتد.
5ـ إحباط العمل.
وأضاف "وإذا علم هذا فأي العقوبات يسعى الساعون لإلغائها؟ هل كلها أم بعضها؟ إن كان الكل فإن كانت الردة جريمة فهل يوجد في أي تشريع سماوي أو وضعي جريمة دون عقوبة دنيوية؟ وإن لم تكن الردة جريمة، فماذا تكون من الناحية التشريعية؟".
وتابع "وإن كان البعض، فلابد من التفصيل. هل إلغاء القتل؟ هل لزعم عدم ملاءمته؟ إذن على هذا الزعم تلغى عقوبة القتل في الجرائم الأخرى المسببة له، وإن كان بسبب أنه ثبت بالسنة النبوية، ولم يثبت بالقرآن الكريم، فعلى هذا الوهم، تلغي عقوبة تعاطي المسكرات والجناية على ما دون النفس خطأ، والخروج على الحاكم، لأن هذه الجرائم مجرمة بنصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية، وشرعت السنة النبوية عقوباتها".
وانتقد كريمة المطالبين بإلغاء عقوبة التفريق بين المرتد وزوجته وقال "لو بقيت مسلمة في عصمة كافر لخالفنا القرآن الكريم في حكم شرعي قطعي الورود، والدلالة (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) ولفتح باب زواج المسلمة من غير مسلم حاضرا ومستقبلا.
وتساءل "هل يراد إلغاء باقي العقوبات؟ أظن ان قومنا لا يعرفونها، لأن الظاهر لغير المتخصصين في الشريعة الإسلامية أن عقوبة الردة:ـ القتل والتفريق فقط، وهذا قصور لا يحتاج إلى تعليق".
كما انتقد ما قال به بعض أهل العلم من إطلاق استتابة المرتد وعدم تحديدها وقال "هو قول نسب لبعض أهل العلم وهو ضعيف محجوج عليه بالنصوص".
واختتم كريمة بقوله "إن الردة جريمة لها عقوبات دنيوية ثابتة ومستقرة، وهي جزء من تشريع سماوي ثابت مستقر واستتابة المرتد مؤقتة بميقات، وإلا صار الأمر فوضى وحرية كفر، لا حرية فكر".