نص سردي
عبده حقي
أراجيف الوسادة
قد يكون هذا الوقت الذي يغمرني بدفاقه الشفيف ..الازلي وأنا اسهو بين رقصة القلب وتطواف الشمس اللانهائي.. قد يكون هذا الوقت اعظم لعبة لا تليق بالمراهنة لروح وجسد يساوعها ويكدس حقيبة العمر بجمرالدقائق.
ها انا أضبط الساعة مرة آخرى على فجر زائف ، ثم في لحظة ما من الغلس أمد يدا جذلانة بالسبات لاخرس الرنات المقرفة التي تواطأ الزمن معها في حياكة معزوفة الديك الرابض في رحى الساعة الصينية ...
أقطع مرغماغواية جسد مسافر في حكاية حلم بابلي لا أفتقد فتنته إلا بعد أن اشرع رتاج النافذة كي انبش في رفوف الوهم الغبر وارتب صور عالمه الأسطوري المنقوع في الدويات...
أدشن الآن فجرا آخر.. افتح عيناي على علبة مهدئات ... وأتلو ما تيسر من آي التفسير في نفسي لعلي افكك أراجيف الليل وذخائرها الممهورة بأصباغ الوهم...
أجدني اللحظة مثخنا بالالوان والاشكال الهولامية وأشياء أخرى منسية لازمتني مدى التسفار الليلي.
لحظة استذكار وإمعان فيما كان ظلي قد دونه من مداخر الروح على كراس الحلم وكان يرشني بطلعات نساء مدججات بالرواء تتمسحن كالقطط المدللة بصدري وتجعلنني مختالا كالهدهد بين معابر الحدائق وتقلن لي : "عم مساءا أيها الحالم
ألهذا فقدت طعم المعنى في انوجادي النهاري حين انفضحت أمامي لعبة الاغماضات .
فجأة وجدت الحدقتين مفتوحتين .. على حافة المهاد كانت سيدتي تخلل دؤابتي بمرشة الورد. قالت : " باسم الله عليك ... أفق ، أفق ، فأنات هذيانك تمتد وترا من رباب منشدخ وجسدك يهتز كما لو أنك في غمار ارتجاج."
خاتلتني يدها في اوج الكابوس.. انتشلتني من بنج غريب .. كنت مرتبقا في شراك خيوط عنكبوت خرافي ، كلما انعتق عضو من اطرافي ، اشتبكت الاعضاء الاخرى بخيوطه.
كان نداء امراءة يأتيني من غرفة ما.. ادراجها مشوبة بذبال خافت يرشح من قنديل سقف عتيق.. يتردد النداء وأنا في غمرة الشراك العنكبوتي ارد على النداء بالرعاش المتواتر.. وامرأة ثانية من ضفة الليل الأخرى ... امرأة تستعير وجه امي، رأيتها تستفل الادراج وتتعثر في تلابيب فستانها المشجر بعراجين التمر.. ثم تمد لي مهدا من يدين كبيرتين.
ـ هي لم تكن غير سيدتي التي تلاطفني على جنب المهاد وتضمخ ذؤابتي بماء الصحو...ـ
همست لها أن دعيني استرد انفاسي واسترجع جسدي المفقود وارتب ايقاع القلب على عزفه المألوف.
كنت ممددا في باحة ممهورة بطلاوة الاضرحة الخضراء .. تحت مسقط نورالقنديل العتيق ، جسدي خامد وشيء ما بهيأة الدنق يطبق على اتلام الصدر... لم أتخلص منه إلا عندما نزلت المرأة التي تستعير وجه أمي لتهش عليه بشربيلها.
لم يبق من ذلك التواطؤ الملغز غير خفقان حثيث وتعاويد هربتها الذاكرة من أغوارالوسن.
وقفت ، قصدت المغسلة .. لطمت وجهي بحفنة ما ، فألفيت الاراجيف تتطاير كالخفافيش الهلوعة وتحوم في قيامة حول رأسي.. فتحت الكوة فخرجت جميعها، وفي حقيقة الامر لم يخرج شيئ ولم تكن هناك عنكبوت خرافي وأنا لم أبرح مهادي حتى والسيدة التي كانت على حافة السرير ما تزال تراقبني بحنو وافر وتؤنبني على تسفاري السندبادي في براري الليل وحيدا .
هكذا.. بلا جسد كنت .. وجدتني اعبر مدنا لم تحلم بها خارطة.. اعثر فيها على بعض من بعضي.. أشياء حقنتها بدم المعاكفة.(. ما بالها تلاحقني في ارخبيلات الحلم وتوثر فوضى مدن وأحبة بلا أسماء...؟ أ لهذه الدرجة يصير بمقدور الوسائد أن تدس كل هذا العالم المتماوج تحت رأسي ... يكفيها أن أسدل الاحداق وأقطع شريان الاضواء كي يندعي العالم مصفدا تحت نهار الحقيقة كي تشاغب اهازيجه المخبولة بنوبات الركض...
يجوز لنا إذن أن ننسج في الرحيل الوسني أجمل الفداحات .. أن نعبث بنواميس الكون ونسخر من قيافة الماء للماء ونمسخ لون اللون باستيهامات الهزيع .
ما تزال الرؤى تزدحم في الرأس.. والعنكبوت أما زال خلف الوسادة ؟
قلت سأسرد اراجيفي فلربما منحتني السيدة التي تستعير وجه أمي ملاذا يريحني من ثقل الدنق.
كان بصيص يوم آخر يخترق خصاص الباب والعالم الذي غادرنا بالامس يضع حقائبه جانبا .. يدعك عينيه وينبؤني عن حكايا رائقة تشرع ذراعيها لظلي الحائم حول نجمة الحلم المتخضبة بلون الالتباس.
لست ادري كيف تخصبت رؤى الاراجبف الليلية في رحم النهار، و كيف اجترت العين عالمها في غفلة مني.
يقينا انني كنت انحت على جدار الحلم مطافات اخرى سوف تتسع مثل الدوائر المائية وتغريني بالايغال في غرائب الاحلام.
لعبة جميلة إذن ... استغراق شهي بطعم الانخطاف الى المسارح المنداحة حيث أمشي ولا أمشي ثم اعود مثل فارس اسطوري محملا بزوادات البلور والياقوت واللازورد البراق أومتفصدا بعرق الخسارات.
حين زارتني أمي، حكيت لها عن العنكبوت الليلي ... اسندت رأسي على كتفها الوارف.. شملتني بأمان رهيف وبددت عن ناظري غلالة التوجس بلمسة الهناءة والتأويل المبسام.