تلوذُ الشمسُ بالعتمةْ
و يستلقيْ ظلامُ الليلِ في أعتابِ حارتنا
فيذبلُ كلّ ما فيها
و لا تبقى
سوى أصداءِ جُندبةٍ
و أنسامٍ خريفيّة
***
خلاءُ الشارعِ المنسيّ يستسقي نزيف الصمتِ من أشلاءِ شبّاكيْ
و شبّاكيْ
حزينٌ مثل عادتهِ
يفتّشُ عن بقايا النور في مصباحيَ الباكيْ
و يسدلُ من ظلالِ اليأسِ أستاراً رماديّةْ
***
أنا وحديْ
و صورتها
و وردةُ موعدِ الأمسِ
و كأسٌ دائخٌ ثملٌ
أهاجرُ فيه من نفسيْ
و مشتاقٌ
و إن مرّتْ على عينيْ
سحابةُ دمعةٍ أحيتْ عجوزَ الشعرِ في قلبيْ
فينهضُ منْ حضيضِ الرّوحِ
يفتحُ دفترَ الماضي و يقرأ لي
هنا قابيلُ شقّ اللّحدَ
خطَّ بدايةَ التاريخِ للعشاقِ بالدمِّ
و ما ألفى بقيّةَ عمرهِ لحداً يواريْ سوءةَ الهمِّ
هنا أمسى بلا قبسٍ يضاجعُ سكرةَ الموتِ
فبين دفاتر العشّاقِ أين أنا ....و من أنتِ
***
و يفتحُ صفحةً أخرى
قفا نبكي.....
و توغلُ في شحوبِ الدهرِ أنّاتٌ على أطلالِ فاطمةٍ
جميلُ بثينةٍ يبكي زمانَ الوصلِ في صمتِ
و عبلةُ تسألُ الركبانَ عن أخبارِ عنترةٍ
متى يأتي
و عنترةٌ يَسُلُّ الدمعةَ الأولى
فبين دفاتر العشّاقِ أينَ أنا ..... و من أنتِ
***
و يفتحُ صفحةً أخرى
ألستَ وعدتني يا قلبْ
يمرُّ العمرُ في سأمٍ و قيسٌ ينزفُ الذكرى
و ليلى خضّبتْ بالدمعِ كفّيها
و ذابتْ مرّةً أخرى
و فاطمةٌ..
و بلقيسٌ...
و عائشةٌ كذا دارت بها الدنيا و لم تأتي
فبين دفاتر العشّاق أين أنا ... و من أنتِ
***
و يطويْ دفترَ الأحزانِ و الكأسُ التي بيدي
تفتّشُ عن ثمالتها لتحرقني
فأذوي مثلما يذوي اللهيبُ بقاعِ مصباحي
***
أنيناً تنضحُ الجدرانُ و الذكرى تعانقنيْ
كأنّ عيونَ من ماتوا من العشّاق ترمقنيْ
سكونٌ موغلٌ في اليأس يشربُ من شرايينيْ
فأصرخُ ملء أوردتي :
تناسيني......تناسيني
أنا أعمى و لا عكّاز ترشدني
أنا قبري يلوّحُ لي و خاتمتي تنادينيْ
فترجعُ صرختي ثكلى
تناسيني..... تـ نـ ا سـ يـ نـ ي
***
تدور الساعة الجذلى و أتبعها
و يتبعنا ظلام الليل سكراناً على مهلِ
نسيمٌ دائخٌ كالصمتِ يعبثُ بين أوراقي
فتملأ كلّ ما في البيتِ رعشةُ مطلعِ الفجرِ
خطىً في الدربِ مسرعةٌ
و حارتنا
تداعبها خيوط النور ناعسةً
و همسُ دعاءِ والدتي على بابي
و أغنيةٌ علتْ تنّورَ جارتنا
فتبسمُ روحيَ الجذلى
لعصفورينِ يلتقيان بين ضلوع نافذتي
و أهمسُ قبل أن أغفو :
.... سـ ألقـ اها..