اخواني واخواتي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما يلي مقال للاستاذ حافظ البرغوثي مؤسس ورئيس تحرير
جريدة الحياة الجديدة اليومية التي تصدر في فلسطين .
رأيت ان أطلعكم عليه لانه صدى ما كنا وما زلنا نردده
في مسيرتنا المباركة للحفاظ على التراث والدين من خلال محافظتنا على "الضاد"
وهذا ما يردده أخونا الاستاذ سمير منذ انطلاق الرابطة المباركة.
فاقرأوا وتأملوا أهداف الواحة ومبادئها.
مقالات
حياتنا حافظ البرغوثي
الضاد
إن الذي ملأ اللغات محاسنا جعل الجمال وسره في الضاد
تذكرت هذا البيت لأمير الشعراء أحمد شوقي وأنا أقرأ مقابلة مع مؤسس حزب مصري يدعو لانفصال مصر عن العروبة من جهة وتحطيم لغة الضاد.. ومن ثم التطاول على القرآن بتدريسه بالعامية.
الشاعر أحمد شوقي ليس عربي الجذور ولكنه تسيد الشعر بلغة الضاد وفاخر بالعروبة والإسلام حتى نفي عن مصر الى الأندلس.. وهي البلاد التي أضاعتها الفتنة بين ملوك الطوائف والنعرات العصبية بين قيس ويمن وعرب وبربر وبدو وحضر.. وهي الفتنة التي يدعو اليها مؤسس حزب مصري ويحاول بعد فشل موجة الفنيقية في لبنان إثارة فتنة في مصر، ويبدأ دعاة الفتنة عادة هجومهم على العروبة بضرب أمثلة عن الخلافات العربية بين الأنظمة فلا يضير العروبة إن اختلف بعض العرب فيما بينهم.. ولا يضير الإسلام إن اختلف المسلمون.. فهو باق رغم الخلافات.. والمدخل لضرب العروبة والإسلام معا يتلخص في النيل من لغة الضاد.. فدعاة الحزب المصري الجديد ينفون عروبتهم أولاً.. ويزعمون أن العامية المصرية هي لغة هيلوغريفية وقبطية وعربية.. بينما لو أعدنا كلماتها الى الأصل لوجدناها عربية خالصة مثلها مثل اللهجات العامية الاخرى، وما يغيظ مؤسس الحزب المصري الجديد هي كلمة «يؤوده» الواردة في آية الكرسي واتخذ منها مثلا عن صعوبة فهم القرآن.. ففي لقاءاته الصحفية يذكرها وفي مقابلة تلفزيونية هاجم «يؤوده» كأنها عدوه اللدود لأنه يعجز عن فهمها.. بينما الكلمة واضحة وتؤكد عجزه هو عن الفهم وليس عجز القرآن عن الافهام.. لأن معناها «يعجزه».. ولأن «يؤوده» استعصت عليه فهو يدعو لترجمة القرآن الى العامية والتخلص من الفصحى في التعامل، فالرجل هنا هو «العاجز». وهو ما ذهب اليه دعاة العامية اللبنانية كبديل للعربية.
الهجوم على لغة الضاد هو المدخل الثابت للهجوم على القرآن باعتبار أن القرآن هو وعاء اللغة وحافظها والذين يتخذون من صعوبة فهم القرآن مبررا للخلاص من لغة الضاد هم في الحقيقة يريدون الخلاص من الدين كله. لأن القرآن روح اللغة العربية.. وقاموسها وكتاب قواعدها وإعرابها.. ولا يضير العربية أننا بتنا جاهلين بها.. بل ذاك يضيرنا فهي أكثر لغة قابلة للتطور واثراها في المفردات قاطبة وقادرة على استيعاب مفردات من لغات أخرى ولم يأت صدفة أن تضمن القرآن الكريم مفردات من اللغات الحية آنذاك هندية واعجمية ورومية ومن اللهجات العربية ايضا. ففيها دعوة للتواصل والأخذ والعطاء مع اللغات الأخرى لأن الدين للناس كافة.
ما يثير هذه الردة عن العروبة هو تزامنها مع الحملة الغربية على الإسلام والعرب، فالمؤسس للحزب المصري عدو «يؤوده» يصف بوش بأنه مهرج ولكنه يقول أن تشابه أهدافنا مع أهدافه لا يعني أننا موجهون من الخارج. فإذا كان يصف بوش بالمهرج فإن من يدعو لأهدافه هو مهرج أيضا.
أغلب المناهج المدرسية المتداولة عربيا وضعت إبان الاستعمار ولم يجر تحديث حقيقي لها من حيث المضمون والأساليب بل زدنا على ذلك بنسخ التجارب الغربية في التدريس بسلبياتها.. مع أننا نلاحظ مثلا أن الاميركيين يعانون من جهل طلابهم وأن البريطانيين يعانون من تدني مستوى طلابهم في الانكليزية. بينما كانت مدارس الكتاتيب البدائية ترسخ اللغة في وجدان الطلبة ويخرج منها المفوهون المتمكنون من لغة الضاد. فالأصل هو العناية بأساليب تدريس اللغة لأنها مستهدفة مثلها مثل القرآن.. خاصة وأن ثمة حملة أميركية - اسرائيلية للتدخل في مناهج التدريس في العالم العربي بحجة أنها تحرض على الإرهاب.. وقد يوجه الاتهام للمعلقات بأنها تخفي أسلحة دمار شامل.. وأن الجاحظ وضع معادلات كيماوية مدمرة في البخلاء.. وأن بدر شاكر السياب دعا الى أسلحة الدمار الشامل في قصيدته المخبر حيث قال «سحقا لهذا الكون أجمع وليحل به الدمار».
ووصل الأمر بسناتور أميركي متصهين الى اقتراح حذف واضافة الى القرآن وأعلن أنه يجب اضافة فقرات من الانجيل والتوراة الى القرآن. وقد يقترح سناتور آخر اختصار القرآن والغاء الاحاديث واعتماد الاسرائيليات فقط.. وقد يتم الغاء حرف الضاد لأنه صعب على النطق عند غير العرب وتحويله الى «داد» فكل شيء جائز في زمن مثل هذا العاجز.
من يدفع عن الضاد ما يواجهها من أحقاد وتحالف الاضداد من مؤلفة قلوبهم ومنافقين وأعداء؟ إن الدفاع عنها لا يتأتى إلا باستحداث ثورة في أساليب تدريسها ووقف الزحف العامي عليها الذي بدأ يتسلل الى الكتب والشعر وأجهزة الإعلام، فالحفاظ على لغة الضاد وتمكين الألسن منها لا يقل أهمية عن الحفاظ على الأرض العربية. فكلاهما مستهدف.--------------------------------------------------------------------------------
© 2003 حقوق الطبع محفوظة