يا ليل سأبث سكونك جلبة تصك حنايا صدري يرجف منها فؤادي الواهن النبضات جئتك خائفا أترقب ما ستُجلِّيه الشمس غدا ، وضائقا أتضجر مما كان في أمسي المنصرم في فؤادي لوعة ، وفي فكري حيرة ، وفي عينيَّ دمع معتق ...
يا ليل ما أرى نجومك إلا دموع صدق ذرفتها عيون ألم تسللت لواذا من جلبة قهقهات السمار وصيحاتهم ، واندست في أحشائك ، فأنْبَتَتْ على صفحة الخوف واليأس والضياع مشاعلَ أمن و أمل وهداية ، لا أصدق من دمع يذرف في خلوة ، ولا أعذب من مناجاة الطبيعة التي لا تتبدل ولا تتحول ، أنتِ أحبتي إذا الحبيب الوفي تعذر، وأصدقائي إذا الصديق الصدوق تنكر، جئتك - كما خُلقت - شارد الفكر متفطر الفؤاد دامع العين ، فاحتضنيني احتضان الأم رضيعها ، وبثيني الشكوى بشكوى ، ما خبر كل دمعة أيها الليل ؟ على أي شيء سالت مقل الصادقين ؟
تريث لا تتحدث أنتَ .. أنا سأحرز ، هل أخبرك البدر دموع مَنْ ؟ دموعُ أكرمِ الخلق عند من خَلَقكَ هَمَتْ من عينيه – بأبي وأمي هما – حين ألجأه سفهاء الطائف إلى حائط عتبة وشيبة ابني ربيعة ، وهو يقول : " اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس .... ، والثريا دموع الأنبياء والمرسلين ، والتوأمان دموع يعقوب على يوسف ، وسهيل دمع أمٍّ فقدت بصرها حين وضعت وليدها ، وعندما بلغ أشده جاءها يستأذنها للسفر ، فلما حان وقت قفوله أعاد الله عليها بصرها ، وبينما هي تترقب اطلالته إذا هو يأتيها جثة محمولة على أكتاف الرجال ...
وكوكبة العذراء دموع النساء : نجمُ العواء دمعُ فتاةٍ مَكَر بها ذئب ، والسماك الأعزل دموع نساء عُزَّل أرامل فُجِعْن بكرام ، ومطلقاتٍ فُجِئْن بلئام ، ونجم الغفر أيامى يطوي الزمان شبابهن لا الأكفاء تقدموا ولا الأراذل رضوا ؟! والجدي دموع اليتامى : صغير لم ير والديه ، وكبير لم يذق من حنانهما شيئا، وهما بين يديه... ، ونجم الرشاء دموع خيبة امتاحها عاق من عيني عجوز وشيخ ...
يا ليل أليست هذه دموع أخت وفية ما زالت تبكي أخاها ، وتلك دموع بنت بارة مازالت تبكي أمها ، وهاتيك دموع كريمة حرة باعها لئيم وجرعها من الألم ما جرعها حتى غدت جفلة شديدة الحذر من الرجال ..
وهنا دموع أحرار الرجال لهم قلوب ملوك تجرعوا الذل من ملوك لهم قلوب عبيد ، وهناك دموع فقر وعوز وفاقة ، وهنالك دموع خشية ذرفت في الأسحار رغبة ورهبة .. ، وأما الشمس فهي حدقة كبيرة كلما سكبت دمعة ازدادت احمرارا حتى تتفجر ذات يوم ..
يا ليل لقد تعبت ، فقل شيئا يريحني ، فلطالما سمعتَ ورأيتَ ووعيتَ :
- إذا هل هلال هذا الشهر فصم عن القول لا تكتب حرفا وعوضا عن ذلك - يا بني اقرأ بعقلك ..اقرأ بقلبك .. اقرأ بروحك ... اقرأ كل شيء ، فإذا انقضى الشهر اكتب ، ولكن إياك أن تكتب أي شيء .
- سأصوم شهرا فرضا ، وربما أتبعته دهرا نافلة .