بسم الله الرحمن الرحيم .
السلام عليكم .
قرأت كتباً في المقامات لبيرم التُونسي . أعجبني
فأحببت أن أطلعكم عليه .
_________________________________________
المقامة الفنوغرافّية
قال: بَعْجرُ بن قحطان :
جمعتني حديقةُ الأسماك..... بشاب من أبناء ذوي الأملاك.
يلوحُ علي وجهه الخير ويدرس في مدرسة يقال لها الفُريْر ..
وبالرغم من طربوشه, وعمتي
وبدلتهُ وجبتي ..
فقد تعاهدنا علي المزاملة .
ودوام المُقابلةُ ..
ليعلمني الفرنسية ..
وأعلمهُ العربية ..
وقد انتقل الدرس من الحديقة..إلى منزلهم في الجزيرة .
حيث يوجد أمام السلاملك جناحْ .
تخفقُ فيه الرياح ..
وفيه حجرتان ..
مفروشتان ..
وأخريان ..فارغتان ..
ولا ينام فيه أي إنسان .
هذا , عدا مسكن البواب والطباخ ..
ومكان الأرانب والفراخ .
وفي كل مرة أدخل فيها عند هؤلاء القوم ..
أشم روائع التقلية والثوم ..
والطواجن تفوح ..
والخدم بالآنية تغدو وتروح ..
أو اسمع الضحكات تتعالى ..
أو الفنوغراف شغالا .
ولن أنس أختيه اللتين تبدتا **** نهار قـــدومي تـــقذفان الصوالجا .
تعمدتا إرسالها فوق عمتي **** (كويتشاً ) إذا جُست تثيرُ اللواعجا .
وقد كان هذا الجناح حَدّنا ..
ونجلس فيه وحدنا ..
ولا يأتي أحدُ عندنا ..
وبعد الفراغ من الدرس ..
يدخل هو السلاملك ..
وأذهب أنا إلي حالي وما أملك ..
حيث أسكن درب المقشات ..
والمسافة كليوا مترات .
وكنت أقول ُ لا بأس ..
فالناس خُلقت للناس ..
وفي ذات يوم ..
أرسل لي عمي من الفيوم ..
قفصاً من تين البر شوم ..
وزنه ثلاثون أٌُقة ..
ولا يقدر غير العارفين حقه ..
هذا القفص يأتي كل عام في هذا الميعاد ..
وينتظره الكثيرون من إخواني الأمجاد ..
مثل سكرتير الأزهر ..
وابن الشيخ الأصغر ..
والكل يقول : أين التين يا بعجر ؟.
ولكني حملت القفص إلي دار هذه الصاحب ..
لأقوم نحوه ببعض الواجب ..
وتالله ما ذقت منه تينه واحدة ..
وتا لله ما رأيت مثله علي الصماء ..
وكان الوقت عندئذ وقت غذاء ..
والشمس تُذيب الصخرة الصماء ..
فأخذه مني البواب ..
وأغلق في وجهي الباب..
فقلتُ لعلي جئتهم علي غير ميعاد.
وبدون استعداد ..
ورجعت وأنا أقول ..
لقد حازَ هذا التين القبول :
يا تين بعجر قد ظفرت ...........بلثم هاتيك الشفاها .
وضُممتَ بين أنامل ٍ .............ألماس مشتعلا ً حٌلاها .
ياتين بعجر كن علي ...........الأفواه أحلي من لماها .
وبعدها . اجتمعنا للمذاكرة كعادتنا صامتين ..
ولم نذكر قفص التين ..
وفي يوم أخر ..
جاءني من قريب في المنزلة ..
طرد فسيخ لا مثيل له ..
فقلت : والله لا يأكله سواهم ,
فمثل هذه الأطايب لا تصلح لمن عداهم ..
وماذا يُفيدوني من السكرتير الذي يأخذ نصفه ..
ويفتح به نفس زوجته ونفسه ..
هؤلاء أوجب حقاً ..
وخير وأبقي .
وليعلموا أن نجلهم ..
يصاحب ابن ناس ٍ مثلهم ..
وأعطيت الطرد للبواب ..
فآخذه أيضا ً وأغلق الباب ..
وغاب ..
وعُدنا للدرس كالعادة صامتين ..
وسكتنا علي الفسيخ كما سكتنا علي التين .
فمن عادة الأرستقراطية ..
ألا تذكر الهدية ..
وبعد شهر جاءني خطاب من العينية يُنبئ ,
برجوع أخي من الجهادية ..
ويقول إنه في اشتياق ..
ينتظر اللقاء والعناق ..
هذا أخي الذي لم أرهُ منذ عامين ..
وهو مني بمنزلة العين ..
ولهذا أعددت للسفر العدة ..
وأخبرت صاحبي قبل السفر بمدة ..
وقصصتُ عليه المسألة ..
وأحوال العائلة ..
وأن أخي جاء من السودان إلي الأرياف ..
أي من جفاف إلي جفاف ..
وطلبتٌ منه أن يُعيرني الفونوغراف ..
لأ خفف به كربة ..
وما عناه من الغربة ..
فنظر إليّ بحذر ..
وقال : ستأخذه يوم السفر ..
ويوم السفر . اشتريت أقتين من التفاح ..
ودستين من الجوارب والمناديل الملاح ..
ولفة قمر الدين ..
وقطعة من الصوف الثمين ..
وعُدة حلاقةٍ ألمانية ..
وعصاً يابانية ..
وحملتُ الجميع في الشنطه ..
وذهبت إلي بيتهم لاأخذ الفنو غراف و أنطلق إلي المحطة ..
فخرجت لي خادم تنظر لي باستخفاف وفتور ..
وتقول : يقولون إن الفنو غراف مكسور ..
قلت أين سيدك أيتها الخادم ..
قالت نائم .
فوقفت أمام السلاملك ..
وأنا في ذهول :,
فنوغرافكم . أو بيتكم ,أو جراحكم .
وما يرتجي منكم حقير مذموم .
لقد حسبوكم _ غالطين _ ذواتها .
وأنتم من السُفلي أخس وألأمُ .
والله إن الجلف في كِسر كوخه .
لأكرم منكم آلف ضعفٍ وأعظمُ .
وما مثلكم – أهل الدناءة _ من يُري .
علي بابهم شهم كريم مُعممُ .
أنتم قوم بالتـــــــأنيب أحــــــرى .
ومعرفتكم ,هي الأولي والأخرى .
تحقيق / طاهر أبو فاشا .