نزوةدكتور محمد فؤاد منصور
-----
الأسكندرية----------
--------------------------------------
مرة ثانية تذهبين..! هذه المرة طواعية على مايبدو،أخيراً نجح الأوغاد فى إستدراجك إلى حيث يريدون، نزلت من عليائك بمحض الإختيار وأسلمت قيادك لأولئك الأوباش ..هل كنت تبحثين عن اللذة؟! ماذا كان عليك لوأنتظرت قليلاً، حقاً وعدتك فأبطأت لكننى لم أنس أبداً أن لعالمكم حسابات أخرى ، كيف طاوعتك نفسك على مغادرة الفردوس الذى تتوفر فيه كل المتع إلى حياة التشرد والصعلكة، الحب والرغبة هما السبب ،أعرف ذلك ، ملعون ذلك الحب الذى يفضى إلى الجنون المطبق..هل قصّرت فى حقك يوماً ؟! انا من وقفت نفسى عليك منذ غادرت الأخرى إلى غير رجعة، أجهز فراشك وطعامك ،أذهب بك إلى الطبيب ،أعد لك حمام الشامبو المعطر ، أزيّن جيدك بالشرائط الملونة وأراقبك طول الوقت وأنت تتقافزين وتخطرين حولى وأقول لنفسى هكذا يكون الإخلاص والوفاء وإلا فلا ، قارنت بين إستقبالك لى بالتقافز والفرح والتشقلب ذات اليمين وذات الشمال وإستقبال الأخرى بالشكايات والنواح والمطالبات التى لاتنتهى حتى غادرتنى غير مأسوف عليها، من يومها أدركت انك ستصيرين سيدة البيت بلامنازع ثم هاأنت تذهبين تماماً كما فعلت الأخرى ذات صباح، خدعت نفسى طويلاً، تشاغلت عما أراه من مظاهر التمرد والرغبة وأقنعت نفسى بأن ماأراه من مغازلات ومداعبات على البعد لم يكن مقدمة لما سيأتى بعد.
هل أخطأت بتركك تتسكعين كل صباح خارج البيت؟ ،هل أفسدتك الحرية إلى حد مغادرتى للمرة الثانية بقصد وسبق إصرار؟ فى المرة الأولى ضممتك بين أحضانى ،كنت خائفة،لا بل مذعورة،جسمك الصغير لم يكف عن الإنتفاض، برقت عيناك بغلالة رقيقة كحبات اللؤلؤ وأنت تنظرين إلىّ فى عتاب.كيف أغلقت الباب دونك وتركتك لذلك المصير، راحت يداى تتحسسان شعرك الناعم وتربتان على ظهرك فى حنان المقصّر العارف بخطأه..بينما كان صوتك المشحون بالأسى يبعث إلىّ برسالة لم أدر ماهى..أفهمتك أننى لم أقصد غلق الباب ، ألتقطت صحف الصباح وكان ذهنى مشغولاً بأخبار المؤسسة التى توشك على الإنهيار فلم أفطن إلى أنك تسللت من بين أقدامى إلى الخارج..أنا المخطئ، أنشغلت فى متابعة الأخبار على حين كنت أنت بالخارج تتسكعين كعادتك ، تخرجين ثم تدخلين مسرعة قبل أن أغلق الباب وأستغرق فى قراءة الصحف، ماالذى جذبك هذه المرة إلى الخارج؟. ذلك عالم غريب عنك لايمكنك إحتماله..أنت من طبقة النبلاء فماذا يغريك لتختلطى بأولئك الأوباش ممن لاأصل لهم ولافصل؟ إنهم يحسدونك ، يتمنى الواحد منهم لويقضى ساعة واحدة فى فراشك المخملى، يتمنى أن يلعق لعقة واحدة من حليبك المصفى، فماذا دهاك ؟ إنهم يحومون حول البيت فى نزق، يرفعون أصواتهم بالنداء عليك طالما حذرتك ألا تقفزى ناحية النافذة، لاتغذى أحلامهم بالإنتماء إلى طبقتك ، نحن نعيش معاً فى أمان فما حاجتك إلى ذلك العالم الملئ بالأشرار..لقد سرقوا شريكتى يوماً، أغروها بالمال والمتع ففرت ولم تعد ومنذ ذلك اليوم قررت أن تكونى شريكتى الوحيدة ،أرأيت كيف حين أفتقدتك وفطنت إلى عدم وجودك أصابنى الرعب من عيش حالة الفقد من جديد، خرجت لأجدك تصرخين فى فزع ومياه الأمطار تغطى شعرك الجميل وذلك القط كبير الرأس قد حاصرك وحاول الأعتداء عليك ، ذلك الشريد طريد البيوت ونزيل صناديق القمامة يحاول أن يعتدى على بنات الأصول ..ماذا جرى للدنيا حتى فى عالمكم تحدث هذه الأمور ويستبد بكم الطمع فى إقتناص مافى يد الآخرين ، من حسن حظك وقتها أننى عاجلته بحجر ضخم قبل أن ينال منك لكنه مرّ قريباً من رأسه الضخم ففرّ هارباً يلعق لعاب خيبة الأمل كان يظن أنه وجد فريسة مكتملة الأنوثة والبهاء فراح يراودها عن نفسها..قلت لك إننى أبحث عن قط سيامى من أولاد الأصول يليق بك وبأصلك الكريم ، أصبحت تموئين كل صباح أمام الباب وذلك الأفاق كبير الرأس يزوم خلفه فى شبق، هل نسيت ماقلته يوم أنقذتك من بين براثنه ، ألم أحذرك من سفلة الشوارع هؤلاء الذين يلتقطون غذاءهم من المزابل ،دفنت رأسك الصغير فى سترتى وكأنك تقدمين الإعتذار فماذا دهاك حتى فررت معه وتركت فراشك الحريرى وحليبك الدافئ ، هل قُدّر لى أن ينتصر علىّ حتى الحيوان الأعجم ..ترى فى أى صندوق للقمامة قذف بك ذلك الأفاق الشرس بعد أن قضى منك وطره؟..كيف هان عليك رغد العيش أمام نزوة طارئة ورغبة سرعان ماينطفئ أوارها؟.. لكن هكذا هى النزوات على مايبدو لاتفرق بين عالم البشر وعالم الحيوان.
------------
دكتور/ محمد فؤاد منصور
الأسكندرية