من هدي سلفنا الصالح في رمضان الانقطاع إلى قراءة القرآن وتدبره ، وقد كان الإمام مالك - رحمه الله - إذا دخل رمضان لم ينشغل بغير القرآن ، ولذا أحببت أن أكون ممن يسابق في الخيرات في هذه الصفحة ، ويتنافس فيما هو خير بأن أورد آية من كتاب الله توقفتُ عندها طويلا ، وهي قوله - تعالى - حكاية عن موسى - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - : ( قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى ). { لم أعرف كيف التزم برسم المصحف } طه / 18 .
فقد ذكر كثير من علماء البلاغة والتفسير - فيما أعلم - أن في الآية إطنابا ، وأن الغرض منه التلذذ بإطالة الخطاب مع الرب - جل وعلا - إلا أن في نفسي شيئا من هذا التعليل ، فالموقف والسياق لا يحتمل هذا التوجيه ، بل يدفعه - فيما أحسب - ولذا أرجو تكرما وتفضلا أن ينقل كل من له علم بما ذكرتُ واستشكلتُ ما عنده نقلا ، أو تفكرا، والذي يبدو لي - والله أعلم - أن موسى - عليه السلام - كان في موقف يقتضي منه الخوف والفزع ، وقد كان ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم عند نزول الوحي عليه ، والسياق أن موسى عليه السلام ذهب ليأتي بقبس ، فنودي : ( يا موسى # إني أنا ربك .. وأنا أخترتك فاستمع لما يوحى # إنني أنا الله لا إله إلا أنا .... ) وهذا مما لا شك فيه موقف ذو جلال لاسيما أن موسى فُجِئ به ... ، فهل هذا يتناسب مع توجيه الإطناب بالتلذذ بالخطاب ؟! في نفسي شيء من هذا ، ربما كان كان موسى في حال من استشعر الخوف من توجيه الاستفهام ( وما تلك بيمينك يا موسى ) ، مما جعله يقول - تبعا لمقتضى حاله - ( هي عصاي ) ولعلنا نلحظ الإضافة ، فتعريف الطرفين يحمل بين طياته نفي موسى - عليه السلام - عن نفسه ما قد يسبب له عقوبة ، وقد كان يكفيه أن يقول : عصا ، ثم ذَكَرَ ما بعد ذلك للسبب ذاته ، وهذا الإطناب في غاية الاتساق مع الحال التي تلبَّس بها - عليه السلام - هذا من جهة ، ومن جهة أخرى تتجلى لنا رحمة الله - عز وجل - من الاستفهام ، وقد ذكر علماء البلاغة والتفسير أن الغرض منه التقرير والإيقاض والتنبيه ، وهذا حسن جدا ، ودقيق جدا ، ولكنهم لم يولوا - فيما أعلم - حال المخاطب الخائف عناية نستنبطها من هذا الاستفهام الذي من شأنه أن يهدئ من روع موسى ، ويعيده إلى شيء محسوس في يمينه ، ومن ثم يؤهله لتلقي الخطاب الإلهي ، ورؤية المعجزة في العصا وهذا الأخير هو ما نبه إليه العلماء فيما وقفتُ عليه .
كنتُ قد كتبتُ هذه الكلمات في موضع آخر ، فلما رأيت ( قبسات من بلاغة آيات الصيام ) للفاضلة الأديبة سمو - حفظها الله - سولت لي نفسي أن أعيده هنا ، والله أسأل أن ييسر لي عودة إلى الآية الكريمة لأكتب فيها بشيء من التفصيل .
والله أعلم