[
باب بيتنا مفتوح دائما ن فنسينا أن للبيت باب
باب بيتنا المفتوح دائما يترك بينه وبين الحائط فراغا مثاليا لإخفاء أشيائنا الصغيرة
,تلك التي كان بإمكانها أيضا الاختفاء أسفل الدرج "خلف دراجة بائع الأنابيب القاطن بالدور الأسفل أو دراجة بائع السمك القاطن بالدور العلوي".
"خلف الباب المفتوح و أسفل الدرج المظلم" كانا من الممكن أن يظلا دائما أفضل مخبأ لأشيائنا الصغيرة…لكن اختفاء شيء واحد كان كافيا لكي تتلاقى عيوننا بحثا عن مخبأ جديد… فتغوص داخل ذلك الفراغ الصغير في الحائط .
فراغ صغير مظلم تخلف عن حجر انتزع من مكانه ,ولم يعد له أبدا .
فراغ كان موجودا دائما ,دون أن نلتفت إليه.
ليس له باب مغلق لكنه كان كافيا جدا لتستقر به "البلي, أغطية الزجاجات الفارغة , وأحجار خمسة نلعب بها لعبة" المال"
_ "تلك اللعبة تجلب الفقر"
هكذا قال آباؤنا؛ فأخفينا عنهم أحجارنا الصغيرة في مخبئنا الصغير.
كانت هناك تلك المرة الأخيرة التي أخفينا فيها أشياءنا الصغيرة في فراغنا الصغير المظلم لننساهما معا……….." الأشياء " و" الفراغ".
في مرة أخرى أدركنا أن الفراغات الصغيرة المظلمة تصلح لإخفاء علب التبغ و أعواد الثقاب ,يخفيها أخي الأصغر عن عيني والديّ.
ووالدي يمنحه الآن علب التبغ الأجنبية,التي يجدها على المراكب الآتية من الجانب الآخر للبحر - ليس لأن أبي لا يدخن -و لكن لأن أبي لا يدخن سوى التبغ المحلي.
أما الفراغ الصغير المظلم فقد أفسح مكانا جديدا لأصابع تلوين الشفاه أخفيها عن عيون أخي الأكبر .
ترى لم منع أخي الأكبر أصحابه الحضور لاصطحابه من أمام باب البيت المفتوح ,هل كان ذلك حين التقط له أحدهم صورة وهو واقف أمام البيت فبدا كمن يقف أمام باب مغارة ؟! لعل الصورة أظهرت تلك الشقوق والفتحات والطلاء البالي للجدران ,أظهرت تلك التفاصيل التي لم ننتبه لها من قبل.
ربما لأننا لم نحاول ولو لمرة إلقاء نظرة على البيت من الخارج.
[ 24شارع البقلي
24) هو الرقم المكتوب على باب بيتنا و على صندوق المهملات الجديد القائم أمامه، بلون رمادي وغطاء أزرق ، منتصب كعساكر الأمن المركزي أو البواب الذي لم يكن لدينا أبدا. أسرعت أمي فجمعت بعض فضلات الطعام,وضعتها في كيس محكم الغلق "عمّرت" به الصندوق الجديد .تلك الصناديق الجديدة أظهرت مدى ضيق شارعنا واقتراب أبواب بيوته من بعضها البعض ,أضفت أيضا جوا غريبا على الشارع و الناس، فالشارع أزال عنه الكنس المستمر ترابه القديم ,فأظهر الحفر و الشقوق و الأرض المتعرجة ,أما الناس فقد قام كل منهم بوضع رقم بيته على الصندوق الذي أمام الباب تأكيدا للملكية ؛ وتأكيدا لتلك الملكية أخذوا يتفننون في إضافة الكلمات والرسوم والألقاب الغريبة على الصناديق ,كان كل رسم جديد صكا من صكوك الملكية ,وإعلانا بالحرب على كل من يتعدى عليها . فالجزار القاطن بآخر الشارع طبع كف الدم الشهير على صندوقه ,أما بائع الدراجات ,فربط الصندوق بجنزير حديدي في باب بيته .
في الأيام التالية ,تغير شكل الصناديق تماما ,لم تعد ترتدي الزي الرمادي ....... أصبح هناك مهرجان حقيقي للرسوم والألوان.
في أحد الصباحات استيقظ أهل الشارع على أصوات عالية ، كانت قد بدأت بصراخ امرأة وجدت متسولا نائما في الصندوق حين فتحته في الصباح .
ربما يعني هذا أن الصناديق المصفوفة أمام أبواب البيوت , من الممكن أن تسكن في المساء بشخوص حقيقية .
[ 23 شارع "البقلي":
ذلك هو اسم شارعنا,تراه مكتوبا على لافتة خضراء مصلوبة في أوله أو آخره _ يتوقف ذلك على الجهة التي تختارها للولوج إليه أو الخروج منه _ مكتوب أيضا في البطاقة الشخصية ,في الاستمارات التي نملؤها , والفواتير التي ندفعها على مظاريف الخطابات التي نرسلها أو نستقبلها …يخطئ في كتابته أولئك الذين لا يعرفونه ، أما نحن من نعرفه جيدا فلن نستطيع إخبارك عن معناه ؛لأننا نجهله.
[ 4
الأبواب المغلقة ,..والخزائن ذات الأقفال …..أماكن تصلح لإخفاء الأشياء الكبيرة ,تصلح أكثر للإغواء بفتحها,وكشف كل ما فيها…
هكذا خطر ببالنا.
لذا……حين كبرت أشياؤنا,قررنا أن نظل صغارا؛ ربما لأن الكبار وحدهم يجرؤون على كسر جميع الأقفال,وفتح كل الأبواب المغلقة,لكنهم لا يجرؤون أبدا على مد أيديهم داخل فراغ صغير مظلم…
مفتوح دائما.
--------------------------------------------------------------------------------
جيهان عبد العزيز
الإسكندرية,يونيو,2..[/[/b]color][/size]