|
لو أستطيعُ صَمَتُّ يا إخواني |
و كتمتُ في جوفي لظى أحزاني |
و حبستُ دمعي في العيونِ مُكبَّلاً |
كيَدِيَّ في قيدٍ من النيرانِ |
لكنَّه قد ثار حين حبستُهُ |
بين الجفونِ كثورةِ البركانِ |
ما كنتُ صخريَّ المشاعرِ حينما |
هجم الأسى بجيوشهِ فغزاني |
و كأنَّهُ يدري بأنِّي مُوهنٌ |
مِمّا دها كلَّ الورى ، و دهاني |
خطبٌ ألمَّ بأُمَّتي ، فتزلزلتْ |
من هولِهِ منظومةُ الأكوانِ |
خطبٌ ، و كم أعيت خطوبٌ قبلهُ |
هجر الكرى جرَّاءها أجفاني |
خطبٌ ، و هل بعد ارتحالك شيخنا |
و إمامنا (ياسينُ) خطبٌ ثانِ |
إني نظرتُ إلى الصباحِ رأيتُهُ |
مُتوشِّحاً ثوبَ الظلام الجاني |
و نظرتُ مُرتقِباً إلى شمس الضُّحى |
غابت ، و حلَّ مكانها ليلانِ |
و إذا النجومُ بكلِّ ليلٍ صخرةٌ |
شُدَّتْ إلى الأوتادِ بالأرسانِ |
و رأيتُ عينَ البدرِ تذرفُ دمعها |
و الغيمُ جاد بمائهِ الهتَّانِ |
و الطير تأبى أن تبُثَّ غناءها |
أو أنْ تجودَ بأعذبِ الألحانِ |
فسألتُ:ماذا ؟ هل أنا ذات الأنا |
و هل الزمان أيا رفاقُ زماني |
و هل البسيطةُ لم تزل بمدارها |
أم أنها كفَّتْ عن الدورانِ |
و سألتُ مَنْ حولي : إصدقٌ ما نما |
لمسامعي ، فأصمَّ لي آذاني ؟ |
باللهِ قولوا أنَّ ما أبصرتُهُ |
ضربٌ من التزييفِ و البُهتانِ |
بالله قولوا أن أخباراً أتتْ |
عبر الأثيرِ تموجُ بالهذيانِ |
باللهِ قولوا أنَّ سمعي خانني |
ومن الأسى لم تُبصرِ العينانِ |
أَوَ ذاكَ ( ياسينُ ) الذي أشلاؤُهُ |
كشذورِ دُرٍّ بُعثِرَتْ و جُمانِ |
هذي الدماءُ الطاهراتُ عرفتها |
أزكى من النسرينِ و الريْحانِ |
و الرأسُ مُنتصبٌ كبندٍ شامخٍ |
رَكَزَتْهُ فوق الشامخاتِ يدانِ |
و العينُ تنظرُ للسماءِ ، كأنّها |
ترنو لمقعدها لدى الرحمنِ |
و جبينُهُ الوضّاءُ نهرٌ سائبٌ |
تجري بِهِ سُفُنُ الرُّؤى بأمانِ |
و اللحيةُ البيضاءُ صبحٌ مُسفِرٌ |
بثَّ الضيا بضّاً بكلِّ مكانِ |
و القلبُ يحتضنُ (السليبَ) ، و نبضُهُ |
سمِعتْهُ حين ترنَّمَ الثقلانِ |
أرأيتَ غُثرَتَهُ هناك تحرَّقَتْ |
شوقاً ، و قد تركتهُ منذ ثوانِ |
أرأيتَ مقعدهُ الأبيَّ كمثلِهِ |
ليس الأذلَّ كمقعد السلطانِ |
يا كم تلازمَ و الشهيدَ أحبّةً |
و اليومَ أعجبُ كيف يفترقانِ |
كيف استطاع الخِلُّ تركَ خليلهِ |
فرداً ، و كان المخلص المتفاني |
قولوا بأنِّي واهمٌ و مضلّّلٌ |
فيهِ العمى و الجهلُ يصطرعانِ |
قولوا بأني مثل سائرِ أمتي |
أعمى يسيرُ بموكبِ العميانِ |
ما عاد يشغلنا سوى أقواتِنا |
و الرقصِ عند معازفٍ و قيانِ |
آمنتُ باللهِ العظيمِ حسيبِنا |
ما خاب مُلتجِئٌ إلى الديّانِ |
هولُ المفاجأةِ العظيمةِ راعني |
و صدى الفجيعةِ داخلي أنساني |
(ياسينُ) لم يكُ خالداً و مُخلَّداً |
إلا بدارِ كرامةٍ و جِنانِ |
ملكَ القلوبَ بعطفِهِ فثوى بها |
متأنِّقاً كالزهر في البستانِ |
يا (أحمدُ الياسين) لستَ بميِّتٍ |
بل نحنُ ، لكنْ دونما أكفانِ |
أنت الشهيدُ ، و إننا يا للأسى |
غرقى ببحرِ مذلّةٍ و هوانِ |
ما عاد فينا غيرُ صوتِ حناجرٍ |
واهٍ برغمِ ضخامةِ الأبدانِ |
سقط القناعُ عن الوجوهِ ، فكلُّنا |
يا شيخُ نحملُ سحنةَ الإنسانِ |
لكنْ إذا حدَّقتَ في قسماتِنا |
عربيَّةً في ثوبِ أمريكاني |
إنّا غدوْنا كالنعامةِ ، رأسُها |
في الطينِ من خزيٍ و من خذلانِ |
نجري وراء الغربِ نبغي منهجاً |
و أمامنا المنهاجُ في القرآنِ |
أخذوا الحضارةَ من معينِ كتابنا |
و نروم مجداً في حِمى الرومانِ |
السُنَّةُ الغرّاءُ غصنٌ وارِفٌ |
و نريدُ ظِلَّ المنهجِ العَلْماني |
يا للأسى يا شيخُ من ساساتنا |
لاذوا بصمتِ الخانِعِ المتواني |
في حِضنِ أمريكا أراهم هُجَّعاً |
مستمتعين بلذةِ الأحضانِ |
أسيافُهُمْ أضحت دُمَىً أثريّةً |
نُقِشَتْ بإتقانٍ علىالجدرانِ |
ظَمِئَتْ فما شرِبَتْ دماء عدوها |
جاعت فما مُدَّتْ يدٌ بحنانِ |
من ليْ بسيفِ اْبنِ الوليدِ أضُمُّهُ |
و أجذُّ رأس مُخادعٍ شيطانِ |
من لي بجيشِكَ يا (رشيدُ) أقودُهُ |
لأَدكَّ حِصنَ مُخنَّثٍ و جبانِ |
مَنْ لي برمحٍ سمهريٍّ شامخٍ |
من لي بسيفٍ مُصلَتٍ و حِصانِ |
سأُعلّم اْبني ، رُبَّما من صُلبِهِ |
يأتي (صلاحُ) محطِّم الصُّلبانِ |
سأعلمُ ابني أنْ يكونَ مُجاهِداً |
بالنفسِ ، لا بمشاعرِ و لسانِ |
و أقولُ يا ولدي أبوكَ و جيلُهُ |
عجزوا ، فخُذْ ثاراتِ جيلٍ فانِ |
قتلتك إسرائيلُ ، لا بل ضعفُنا |
و كلاهما يا شيخنا سيّانِ |
النار تحرقُ و السكوتُ كذالكم |
فاعجبْ لصمتٍ حارقٍ أعياني |
و اعجب لصاروخٍ يواجهُ مقعداً |
يا لاختلال العدلِ و الميزانِ |
شارونُ يبني جيشَهُ و عتادَهُ |
و نغطُّ في نومٍ لذيذٍ هاني |
هم من دمانا أبرياءُ ، و إننا |
صُنّاعُ إرهابٍ بكلِّ مكانِ ! |
إن دُكَّ بُرجٌ، دُمِّرَتْ بغدادُنا |
أو مات هِرُّ جِيئَ بالأفغاني |
و إذا تعثَّرَ كلبُهُمْ في خطوِهِ |
فالعُربُ و الإسلامُ مُتَّهَمانِ |
لهم السلاحُ قديمُهُ و حديثُهُ |
و لنا الردى أو قبضةُ السجّانِ |
خسِئوا ، فإنَّ دماءنا موتٌ لهم |
سيروْنَهُ يا شيخُ كلَّ أوانِ |
أجسادنا متفجراتٌ أُقِّتَتْ |
لتدكَّ حِصن البغي و الطغيانِ |
و لسوف نأخذُ ثأرَ كلِّ مجاهِدٍ |
بذلَ الدماءَ لنُصرةِ الأوطانِ |
يا من عبرت بنا حدود خنوعنا |
و أضأْتَ قِنديلاً بكلِّ جَنانِ |
و زرعتَ في كلِّ القلوبِ محبَّةً |
و غرستَ فيها من عظيمِ معانِ |
علّمتنا أن الشهادةَ مطلبٌ |
ليست تُنالُ براحةٍ و أماني |
و بأنّ من رام الخلودَ مضى لهُ |
مُتوثِّباً بعزيمةِ الشجعانِ |
صليتَ فجركَ ثُمَّ جاوزت المدى |
نحو الخلودِ و جنة الرضوانِ |
فانعم بصحبةِ أحمدٍ خيرِ الورى |
واحصد جزاء البرِّ و الإحسانِ |
إن كنت قد فارقتنا في لحظةٍ |
فلعلَّ فيها نقطة الغليانِ |