|
قالت : أتهجر هكذا يا شاعرُ |
و إلى النجومِ النائياتِ تسافرُ |
يسبيك حُسنُ البدرِ في عليائِهِ |
فتهيم فيهِ مغازلاً و تسامِرُ |
أوَ لا تروقكَ هذه الأرضُ التي |
دَبَّتْ خطاكَ بها و هامَ الناظِرُ |
و تمتّعت عيناكَ فيها بالضحى |
لمّا دعاهُ إليهِ حقلٌ ساحرُ |
يشدو الهَزارُ مُداعباً أزهارَهُ |
فَيَرِقُّ ماشٍ في رُباهُ و طائرُ |
تُغريكَ في السفرِ البعيدِ زواهرٌ |
و أمام عينِكَ إنْ أردتَ أزاهرُ |
فاقطِفْ إذا ما شِئتَ و انعم بالشذى |
إنَّ الجمالَ بكلِّ ركنٍ ظاهِرُ |
بُقَعُ السوادِ و إن بدت منثورةً |
فوق الأديمِ ، فوجهُ أرضِكَ ناضرُ |
و عروقها حتى و إن نزفت دماً |
فبنانُها .. للهِ دركَ .. طاهرُ |
لا يُزعِجنَّكَ إن رأيتَ فظائعاً |
فيها ، و سالت بالدموعِ محاجرُ |
هيَ من فظائِعِهم براءٌ ، إنَّما |
همْ أهلُها ، تزهو بهم و تفاخرُ |
تعفو برغم جحودهم و شرورهم |
عنهم ، كما يعفو قويٌّ قادرُ |
للأرضِ وجهٌ غير ما صوَّرته |
بمدادِ يأسِكَ ، و احتوتهُ دفاترُ |
انظرْ إلى طفلٍ تبسَّم ضاحكاً |
كي تستفيقَ من السُّباتِ مشاعرُ |
و إلى فقيرٍ قد يبيتُ على الطِّوى |
لكنَّهُ للهِ دوماً شاكرُ |
و إلى شريدٍ أرهقتهُ مسالكٌ |
و رماه .. دون الناسِ .. حظٌّ عاثرُ |
ما فارقَتْ عينيهِ بسمةُ آملٍ |
كلا و لم تهجر سماهُ بشائرُ |
يا شاعري:هذا الهروبُ إلى متى |
و الأرض بركانٌ لعمرِكَ ثائرُ |
كلُّ التناقضِ قد تراهُ بساحِها |
سِفْرُ الحياةِ بكلِّ ضِدٍّ عامرُ |
لا تحسبنَّ البدرَ رغم جمالِهِ |
يُثري خيالَكَ أيهذا الشاعرُ |
إنَّ الخيالَ يظلُّ صخراً جامداً |
ما لم يحرِّكْهُ الصراعُ الدائِرُ |