[الإبداع التفاعلي في ضوء التلقي]
أدب المنتديات الثقافية
بحث مقدم في ورشة عمل
بجائزة الشارقة للإبداع العربي
د. علا حسان
كاتبة وروائية مصرية
التجريب التفاعلي
التجريب التفاعلي شكل من أشكال الإبداعية الحداثية ،أطلق عليه البعض " الفن الثامن " لأنه يقوم على توظيف التكنولوجيا الحاسوبية والوسائط المتفاعلة ،وتشكيل الثقافة المشهدية من خلال الوسائط المتعددة " الملتيميديا" ، نه تجريب مغرق في التعددية والدرامية والذاتية والجماعية ، يجمع بين الصوت الواحد وبين ملايين الأصوات .مفتوح بلا حدود ومنغلق أيضا بلا حدود .
وقد أدى ظهور " تلك الوسائط الجديدة في التواصل إلى بزوغ النشر الالكتروني في العالم العربي والإسلامي منذ التسعينيات مما خلق ثورة كبرى على مستوى نشر المعلومات والمعارف ". ( 1) مما أفاد المتلقي العربي ، ويسر له سبل المواكبة ثقافيا وفكريا وإبداعيا ، فالكتابة التفاعلية إبحار في العالم الافتراضي ، وإغراء تكنولوجي ، ووسائطها دخول في قلب معمعة العالم الداخلي .فالمبدع والمتلقي ينتجان حياة افتراضية من خلال دراما تفاعلية .يعيشان خلالها في محيط افتراضي من صنعهما معا. ويعرضان تجربتهما من خلال شبكة رقمية تتجاوز المسموح إلى اللامسموح .
وتتأصل الصلة بين النص التفاعلي والمتلقي من خلال الحاسوب فبدونه ينقطع كل شيء ، ومن خلال الشبكة ، فبدونها أيضا تنقطع الاتصالية ويفقد ثالوث الإبداع المتمثل في المتلقي والنص والمبدع حضورهم ، وهذا الانقطاع قد يكون جزئيا ، إذ الاتصال مرهون بحضورهم جميعا أمام الحاسوب وتعاملهم مع الشبكة.
إذن هي لغة رقمية في الإبداع التفاعلي، مرهونة بقدر من الثقافة المعلوماتية لابد أن يحظى به جميع الأطراف .
والنص الرقمي متفاعل مع مبدعه ، متغير ، متأجج بالحركة ، بل مبدعه هو المتفاعل دراميا معه، ولكنه مازال مفتقدا للتقنين وللإنتاجية المتعمقة، وجانحا إلى الانغلاق الذاتي ضمن إطار من الفضائية اللامتناهية .
التلقي التفاعلي
إن العلاقة بين المتلقي والنص التفاعلي هي علاقة افتراضية ، لكنها مرشحة ، بحكم التواصل ، لخلق صور من التعايش الواقعي ، والامتداد الثقافي.والأصالة الإبداعية .
والتلقي هنا هو الصورة الجمالية الأكثر هيمنة وحضورا ربما من النص ذاته ، فالمتلقي مبحر في النص مستخدما يديه وعينيه ، دونما حراك من موضعه ، مما يمنح النص التفاعلي قدرا من السهولة .. فهو نص متاح مما يفقده بريق الاشتياق ، قيمته مساوية للتلقي ، ودلالاته مطروحة ومتجددة .
ورغم تحليقه في فضاء لامحدود فهو نص مغمور ـ افتراضي ـ ورغم براعته فإنه قد لا يحظى بما يحظى به النص الورقي من حفاوة وتأصيل . ومن بعد منال وبذل واستجداء وعرش قديم .
لذا نتساءل ؟
هل الإبداع التفاعلي أشبه بلعبة يمارسها الجميع على سبيل الممارسة الإبداعية المشتركة أو على سبيل الإفصاح الفردي عن المكبوت ، ومن أجل التخلص من ربقة القيود المثقلة إبداعيا المتمثلة في الطبع والنشر وتكاليفهما الباهظة ، وذلك الجهد المضني الذي يقوم به المبدع من أجل تداول إبداعه ورقيا ؟
العلاقة بين التجريب والتلقي التفاعليين:
إن الجمع بين صوت المؤلف وصوت المتلقي في نص واحد يأتي في سياق قانون التواصل الذي يتحول فيه الأدب إلى رسالة تواصلية " تتكون من مرسل ورسالة ومتلق ، وهذه الرسالة ذات طابع فني قوامه الحواري التفاعلي الذي لا يعرف الانغلاق والسكون لأنه منفتح على سياقات متعددة ومتنوعة.
وكذلك يمثل الوقع الجمالي عنصرا مهما من عناصر هذه الرسالة بما يحدثه العمل الأدبي في المتلقي، وردود القراء وتأويلاتهم للنصوص وانفعالاتهم وكيفية تعاملهم معها أثناء التقبل وطبيعة التأثير التي تتركها نفسيا وجماليا لدى القراء عبر اختلاف السياقات .
وقد أشارت د." فاطمة البريكي "عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب في مقال لها حول " ماهية الأدب التفاعلي" إلى أن: " الأدب التفاعلي يتيح للمتلقيين / المستخدمين فرصة الحوار الحي والمباشر ، وذلك من خلال المواقع ذاتها التي تقدم النص التفاعلي ، رواية كان آو قصة أو قصيدة أو مسرحية ، إذ بإمكان هؤلاء المتلقين/ المستخدمين أن يتناقشوا حول النص وحول التطورات التي حدثت في قراءة كل منهم والتي تختلف غالبا عن قراءة الآخرين . (2)
دائما ما كان المبدع أو الكاتب خلف النص وقد تعمقت هذه الرؤية أكثر فأصبح المتلقي هنا هو النص ذاته ، المتلقي هنا يصنع عالمه الافتراضي إبداعيا ، ذلك العالم الذي يحلم به ويؤرقه ويشغله .
ومن هنا يأتي الإعلاء من شأن المتلقي الذي طالما كانت ردود أفعاله على النص غير معلنة أو معلنة في نطاق فردي ، أما ردود أفعاله هنا فتتسم بأنها مباشرة وفورية ، وبإمكانه الاختفاء والتلون والتغير والصراخ أحيانا .
أشكال الإبداع التفاعلي من خلال صور التلقي:
1ـ التفاعل النصي
أ ـ المتلقي ـ مبدعا
حيث يتحول المتلقي هنا إلى مبدع ، وبتعبير آخر يتحقق التلازم بين شخصية المبدع وشخصية المتلقي في تكوين النص التفاعلي .
لذا نستطيع القول إن المتلقي هو المبدع ، أو إن المتلقي هو النص ، هو المحرك _ الفاعل الرئيس هنا ، إنه لا يستهلك إرادته هنا في التلقي والمشاركة الوجدانية بل إنه محرك أساسي للنص ، لأنه يقدم تجربته الذاتية ، دراميا، ومن ثم يتحقق له التوازن النفسي مع العالم الواقعي ، وربما يتحقق له التطهير الدرامي الذاتي من خلال ذلك العالم الافتراضي .
لقد خلع المتلقي رداء التلقي ليرتدي رداء المبدع الافتراضي ولم تعد مشاركته الوجدانية مقصورة على رد الفعل بل انتقلت إلى الفعل ذاته ، ولعل مما يؤكد ذلك ما نجده من نصوص تفاعلية متعددة تحول فيها المتلقي إلى مبدع .
ومنها نص " أنا العرافة على " موقع منتديات اتحاد كتاب الانترنت العرب ( 3 )
إذ جاء في إطار دعوة تفاعلية : (أنا العرافة .. نص تفاعلي يحتمل التطوير )
المقطع الأول يقول:
( من يلوم الخرافة إن هي يوما صدقتني ؟؟
أنا العرافة أشهرت عتقي لعفاريت
الشوق تهدهد صغار الطائر الخرافي ) ..
فيبرز تفاعل معه :
( هو الوجود خرافة وحزن الكائن عراف
العراف هذا اللقيط الذي لا مسمى له غير حدسه )
وتفاعل آخر ( أنا الموبوء بالتفاصيل / خارج التفاصيل
من ذا الذي يقدر أن يحتويني
أو يسيل !!؟)
وتتوالي النصوص التفاعلية العديدة مع النص ، متناغمة، فتترابط هذه النتاجات فيما بينها ، في إبداعية تناصية استناسخية ، لا تراتبية ، وهنا يبرز المتلقي مبدعا تفاعليا ، يمضي متتبعا خطى النص شكلا ومضمونا ، مضيفا إليه من خلال ما يتناسب مع سياق النص الأصلي.
ب ـ إبداع الإبداع
هنا تتشكل نصوص إبداعية من أخرى ، تحولات النص من قصة إلى شعر أو من قصيدة إلى خاطرة ، ففي موقع " رابطة الواحة الثقافية " تقدم أشكال تعبيرية ثرية ومتنوعة تحت عنوان "
قصة وقصيدة " حيث يطلب القائم على تلك الدوحة د. جمال مرسي" أن ينتقي شاعر ما قصة ما أعجبته في هذه الدوحة و ينسج منها أبياتا شعرية لما استوعبه من هذه القصة ، والعكس يحدث . وممكن أن تكون خاطرة أو أي شكل فني يعجب الشاعر في هذه الدوحة . (4)
ج ـ المبدع المتفاعل والمتأثر إبداعيا
كما ينطلق المبدع من بؤرة التلقي منجذبا إلى دائرة تبادلية من الإبداع ، وربما يمكننا إدراج الكثير من النصوص وسنكتفي منها بنص " السنبلة " للشاعر الدكتور مصطفى عراقي وليلى ناسيمي " ضمن موقع " الديوان الأدبي" (5)
إذ يأتي نصهما ضمن إبداعية استلهامية، ليشكلا معا نصا تفاعليا مختلفا .
" ماذا تقول السنبلة
في غابة من قتله
ثارت أخيرا ضحكة ، دوت دوي القنبلة "
..
" ماذا تقول
لما تطاولت في ربيعها
جوفاء فرعاء أغرت المفتون "
وهنا يبرز السؤال الإشكالي عن ذلك النص ، الذي شارك في اللعب على مفرداته مختلف الرقميين ، هل سيرقى يوما ما ليصبح نصا حياً مثل نصوصنا الإبداعية التي مازالت تحيا بيننا شعريا أو قصصيا أو روائيا ؟
أم أنه سيظل مجرد نص آلي متحرك ، لعبة رقمية مختزنة داخل جهاز ، عالم افتراضي نحلم به ، كتلك العوالم المفترضة على الشبكة الرقمية ؟
ألا يتحول من الرقمية إلى الورقية باعتبار الذهنية القرائية والتداولية الملموسة ، وتحول النص من الورقية إلى الرقمية ألا يفقده ذلك البريق التراثي وتلك الحفاوة الفكرية والاسترخاء القرائي ؟
أم ستصبح لهذه الوسيلة الجديدة مشروعيتها فتصير من المصادر القرائية الحتمية للقارئ والناقد معا ؟
2ـ التفاعل النقدي
المتلقي ناقدا
يقدم الناقد التفاعلي رؤاه النقدية ضمن أفق ممتد من الحرية ، ولا تحده هنا سوى رقابته الذاتية، ورؤيته العلمية ، كما يجد صدى مباشرا لما يكتب مما يحفزه إلى المزيد من الإبداع النقدي الذي يتوازى وربما يتفوق على النص التفاعلي ذاته .
كما ينقسم الناقد أيضا ليتحول إلى مبدع تفاعلي ، يقدم أصداء النص في ذاته ، واستلهاماته لمكنونه وإشاراته .
وبهذا يتحول الإبداع التفاعلي إلى نقد ضمني كما أن النقد التفاعلي يصير بدوره إبداعا في حالة انتظار .
وينقسم المبدع بدوره ليتحول إلى ناقد تفاعلي ، دائرة تبادلية ، تضم صورا لا حصر لها من التفاعل الإبداعي على كافة المستويات .
وهذا ما لاحظته فيما قدمه العديد من الباحثين والنقاد للكثير من النصوص التفاعلية وسنحيل هنا إلى " تلك النصوص التي تفاعلت نقدا وبحثا ودراسة لنص " مع ابن تيميه في سجن القلعة " للشاعر مصطفى عراقي ، في موقع " رابطة الواحة الثقافية" (6)
"نور ، وبهاء يخترقان ظلام السجن الحالك
وهنالك
يتلو من آي القرآن
ويسبِّحُ باسْم الرحمنْ "
إذ تضمنت تلك النصوص النقدية تحليلات مختلفة للنص في سياقات لغوية ونفسية وفكرية متعددة" .
ومن الإضاءات النقدية الأخرى للنصوص التفاعلية هو انتقال الناقد الدكتور" إيهاب النجدي" ببعض نصوص ملتقى رابطة الواحة" إلى الصحافة حيث " مد الجسور بين هذا الفضاء اللامحدود والقلعة العتيدة لأدب الصحافة الورقية" "(7 ) فخرج النص من عزلته الشبكية ومن انغلاقه المنفتح ليرى ضوء الشمس ويتنقل بين قرائه كائنا حيا .
3ـ التفاعل الهامشي
المتلقي ايجابيا
تتاح للمتلقي هنا في جميع المواقع التفاعلية حرية إبداء الرأي والتعليق الفوري سلبا أو إيجابا ، فنجد أحكاما تنطلق بعفوية ، ولا تتجاوز الثناء أو المدح أو الشكر أو الاستياء . وربما يتحول المتلقي العادي بمرور الوقت إلى ناقد .
كما نجد المشاركة الجادة بآراء ذات قيمة وذات استشراف حقيقي لأبعاد النص الافتراضي، حيث يحاول المتلقي ممارسة قدراته النقدية ، واكتساب خاصية الناقد الجاد وذلك من منطلق التفاعل الإيجابي ، فهنا مسموح كل شيء ـ ضمن الإطار المتفق عليه ـ فلامصادرة على حريتك القولية فمن حقك أن تعلق وتبدي رأيك الذي تؤمن به في ظل هذا العالم الافتراضي .
وفي أحيان أخرى لا يتجاوز مفردات " نص رائع مشكور " يعطيك العافية ـ ما قصرت ، وكأنهم جلوس في ديوانية منهم المتكئ ومنهم المضطجع ، ومنهم الذي يتثاءب أو يحتسي القهوة!
انواع ترابط الابداع التفاعلي
اولا : ترابط داخلي ( المبدع )
1)ربط النص المقروء باللوحة
ونحيل على سبيل الذكر إلى نص " شراك الكرسي الأسود ... نص مشترك
لكل من : سولارا الصباح / نصار الصادق
في موقع مجلة أفق الثقافية ( 8 )
2)ربط النص المقروء بالموسيقى
نتمثل له هنا بنص ( شفاه جافة ) لـ ( أهداب الليالي )
ضمن موقع " رابطة الواحة الثقافية ".
3) ربط النص بالصورة المتحركة :
ومن أمثلة ذلك نص ( غياب يشف عن العرش ) وهو نص مشترك بين :
(الشاعر اليمني مروان الغفوري - الشاعر السعودي حامد بن عقيل ..بكاء شاعرين لقلب شاعر ) موقع " دروب " الإبداعي . (9)
ثانيا ـ ترابط خارجي
الترابط النصي 1ـ العمل الفريقي المشترك
في مجال الشعر
نحيل الى نص " هلموا للدفاع عن نبيكم بالشعر" على موقع " الساخر " (10)
فالمتلقي متفاعل هنا على مستويين ، تفاعل نصي ، وتفاعل حدثي مباشر :
عاد ريتشارد في غرور ولكن لم يعد بعد للديار : صلاحُ
فتمادوا في غيهم حين ظنوا أن نور الرسـول قد يستباحُ
فـرأوا بأسنا شديدا وذاقوا مُرَّ ما قد جنى الغباءُ ، فناحوا
فهذا مقطع من نص تفاعلي شارك في تفاعليته العديد من الشعراء والمتلقين كلٌ بثلاثة أبيات في نفس الوزن والقافية .وهي تفاعلية غير حداثية لسبق وجودها في الشعر العربي وفي النثر أيضا ، ولسنا بصدد المقارنة أو الاستطراد .
ونكتفي هنا بذكر أبيات حسان بن ثابت ، وابنه وحفيده ، وهي تفاعلية تراثية:
" كَانَ حسّان قَدْ صنع بيتاً وأُعجب بِهِ قال من الطويل:
وإنّ امرءًا يُمسِي وَيُصْبِحُ سالمِاً * من الناسِ إلاّ مَا جَنَى لَسَعيدُثُمَّ صنع ابنه عبد الرحمن كذلك فقال:
وإنَّ امْرءًا نالَ الغِنَى ثُمَّ لَمْ يَنَل * صَدِيقاً ولا ذا حاجةٍ لَزَهيدُثُمَّ صنع ابنه سعيد بن عبد الرحمن كذلك فقال:
وإنّ امرءًا لاحى الرجالَ عَلى الغِنَى * ولَمْ يَسْألِ اللهَ الغِنَى لَحَسُودُ(صلاح الدين الصفدي : الوافي بالوفيات)
مما يؤكد وجود التفاعلية الإبداعية في الشعر العربي ، والفارق هنا أنها مرتبطة بتقنية حاسوبية وبوسائط أخرى ، كما أن هناك فن قائم بذاته في هذا الإطار التفاعلي يسمى بفن " المعارضات الشعرية " ،حيث يعارض الشاعر المعاصر نصا قديما ، أو يحاوره أو يضيف إليه رؤى جديدة .
ويتميز هذا التفاعل بالتحلي بروح فريق العمل هنا ، فبعد اكتمال النص تختفي الأنا المتعددة لتظهر لنا روح الفريق الواحد ، الذين ربما لا يعرف المتلقي أسماءهم أو الإنتاج المحدد لأي منهم ، وهي تجربة متميزة في سياق التفرد الإبداعي الذي يعلي من شأن الذات متجاهلا العمل الجمعي ، لما له من أثر في إخفاء شخصية المبدع الواحد، والنص بهذا التفاعل ربما يرقى يوما إلى الملحمة ،التي يساهم في بنائها عشرات المبدعين.
التفاعلية في النثر.
قدم الكاتب محمد سناجلة ضمن موقع " منتديات اتحاد كتاب الانترنت العرب" www.arab-ewriters.com/chat صورا من الرواية الواقعية الرقمية منها " ظلال الواحد ، وشات" حيث يرى الكاتب أن النص هنا يستعمل الصورة والصوت والموسيقى والمشهد السينمائي والحركة والتشكيل الجرافيكي وكل الوسائط المتفاعلة المرتبطة بالحاسوب " على أن يقدمها جميعا ذلك المبدع التفاعلي ، أو بتعبير آخر المبدع الشامل .
ولكنا لم نجد إبداعات أخرى للنص أو صورا وأشكالا تفاعلية مع النص . فمازال المبدع العربي فيما يتعلق بالعمل الروائي أو القصصي غائبا عن ساحة العالم الافتراضي ، نائيا بنفسه عما يحدث ، لأنه غالبا ما يرفض الانخراط في مجريات الإبداع الجمعي أو في فوضى الإبداع ، ويفضل الثابت على المتغير، رغم وجود عمل رائد في التفاعلية الروائية وهو " القصر المسحور " الذي شارك في تأليفه العملاقان توفيق الحكيم وطه حسين. وعلى حد قول د. زهور كرام " فان ما يمنح لتجربة النص الرقمي شرعية التداول في المشهد الإبداعي العربي ،هو الانخراط في ممارسة هذا التعبير من طرف المبدعين العرب.(11)
وقد ظهرت للكاتب سناجله مؤخرا رواية " صقيع " التي جاءت في إطار دعوة تفاعلية تحت عنوان (صقيع في مختبر الكتابة الرقمية وتنتظر تجاربكم )
حيث يقول الكاتب الرقمي " محمد سناجلة " " أضع اليوم بين أيديكم تجربتي الرقمية الجديدة "صقيع " لتجربوا فيها وفي إعادة كتابتها وإنتاجها وإخراجها كما يحلو لكم " حيث يمكنكم إعادة كتابة العمل وإخراجه وإنتاجه وتغيير نهايته كلُ حسب رؤيته .(12)
ومن ثم نسأل :
عندما يجلس اللاعب ليتحكم في اللعبة ليسيطر عليها ويحركها كيفما شاء ـ داخل نفس أطرها المفترضة مسبقاـ بعد انتصاراته المتكررة هل في مقدوره أن يردد أنه مبدع خلاق ، وأنه ارتقى إلى التميز والتفرد الإبداعي ، وأنه صاحب رؤية متفردة إبداعيا؟
كما نتساءل: هل يتم المزج هنا بين النص والمشهد السينمائي ، وهل هو تفجير إبداعي، أم محاولة لتخليق نص هجين؟
أليس في ذلك سقوط من الخيالية المحلقة إلى الواقع المحصور والمحدد؟!
" فالكلمة المكتوبة هي إشارة ذات طابع رمزي كاسح ينشط الذهن في ترجمتها ويتباين ، إنها دال يحتمل مدلولات كثيرة ، أما الصورة السينمائية بمفرداتها السمعية البصرية الناجزة فهي دال ومدلول في آن معا .
والكلمة المكتوبة تمنح قارئها هدابا من المعاني بوصفها إشارات نصية غير مصورة ، أما الصورة السينمائية عبر بنيتها الواقعية الناجزة على المستوى السمعي البصري فهي تحد كثيرا من فعالية المخيلة ، وترهنها بمخيلة المخرج منفردا أو مجتمعا مع طاقمه الفني وتفسيراته وحلوله البصرية والصوتية الخاصة للمادة الكلامية المكتوبة في النص الروائي".(13)
ربما يجوز ذلك في النص الشعري حين تحوله إلى ملحمة عظيمة يشارك فيها مئات المبدعين ، أما في القصة والرواية فالأمر يكاد يصبح ضربا من العبث أو أشكالا من عبثية السرد وسريالية الرؤى ، ولامنطقية الدراما ،هل يتم اختيار أفضل حبكة أم النهاية الأكثر واقعية ، أم الأحداث الأكثر خيالية ، أم الشخوص المنطقية ، أم يصبح هناك نص له وجوه كثيرة ، وإذا افترضنا جدلا بخروج ذلك النص ضمن العالم الافتراضي، فهل تظل مجهولية المبدع طي الكتمان كضرب من الإيثار ، أم تتحول إلى عراك رقمي؟
وتحويل الفن الروائي إلى فنون أخرى ألا يفقده سرديته
البنائية القائمة على التخيلية الامتاعية في ذهن المتلقي ؟
أليس في هذا النقل " مصادرة لمخيلة القارئ ؟ على حد قول "جبرييل جارسيا ماركيز " الروائي الكولومبي الشهير حين رفض نقل رواياته إلى السينما وبخاصة " مائة عام من العزلة " ذلك لأنه كان يرى في ذلك مصادرة لمخيلة القارئ التي تتيح له تشكيل " اورليانو بويندياه " الخاص به " واورسولاه " الخاصة به " وهو ما سيلغيه النقل السينمائي لهذا العمل إذ يقدم شخصا واحدا محددا لكل شخصية من شخصيات هذه الرواية"(14)
ولكن هل يصبح النص التفاعلي نصا سينمائيا مشهديا في خاصيته المطروحة ، أم هو استنساخ فن من آخر ؟
في ظل مشروعية مختلف السياقات الإبداعية ، وفي عصر إطلاق القصيدة النثرية ، تصبح الإجابة العسيرة أنه لا شيء مستحيل في منظور التخيل البشري ، وان مواكبة التطور التكنولوجي تستدعي الخوارق الذهنية والاستلهامات المستعصية .
المصادر والمراجع:
1 ـ، من النص الى التص المترابط ،مدخل الى جماليات الابداع التفاعلي د. سعيد يقطين ، المركز الثقافي العربي ط1 المغرب ، سنة 2005 ص 39
2ـ دفاطمة البريكي مقال " في ماهية الأدب التفاعلي "، موقع اتحاد كتاب الانترنت العرب.
3ـ www.arab-ewriters.net / bbforums/viewtopic
4ـ www.rabitat_alwaha.net
5ـ www.hdrmut.net/gasidary
6ـ www.rabitat_alwaha.net
7ـ د.ايهاب النجدي ، جريدة الراي الكويتية ، مقال ، رؤى/ في أدب السموات المفتوحة تاريخ 4/4/2007
8 http://www.ofouq.com
/http://www.ofouq.com/today/modules.php?name=News&file=article&sid=1969
9ـ www. Doroob.net
10ـ http://www.alsakher.com/
11ـ الأدب والتكنولوجيا : أسئلة ثقافية وتأملات في المفاهيم د. زهور كرام www.middle-east-online.com
12ـ www.arab-ewriters.com/saqee3
13ـ بحث الرواية والسرود السمعية والبصرية د. جهاد عطا نعيسة ، نشر في أعمال الندوة الرئيسية لمهرجان القرين الثقافي الحادي عشر ، المجلس الوطني ببثقافة والفنون والآداب ، الكويت سنة 2004 ص 183.
14ـ المصدر السابق ص 186[/mark][/color][/mark][/mark]