إلى عشقي الغافي تحت الثرى
أيا فبر الحبيبِ وددتُ أنّي=حملتُ و لوْ على عيني ثراكا
شعورٌ بالهزيمة ينتاب جوارحي, أتّكئُ على جدران الهموم لألمح صورةً منسيّةً خلف تفاصيل الألوان, يا لتلك الصورةِ كيف تصرّ على استقرار ألبوم ذكرياتي, و كيف تقارع كلّ الألوان فيها رغم أن الدهر قد أكل عليها وشرب, و رغم أنْ ليس فيها سوى الأبيض و الأسود, هناك كانت لعبتي, على قارعة الأوجاع, تحاصر وجنتيها خيوطُ الدمعِ المنزلقة مع هجوع الشمس, أطرقتُ أُصغي إلى نحيبها الذي كنتُ أعتدّهُ ضرباُ من الجنون و العبث, و كلّ ما فيّ يقول لها مستهتراً:
هيّا, تابعي, أذبِلي ما بقي يانعاً من عينيكِ, و أغرقي محيّاكِ في ملامح الغباء,هيّا, علّ الدموع تعيد إليكِ ما سلبت منكِ الأيّام, لأسمع تلك الموجة العالقة في حنجرتها تُجيب:
كيف لا؟
كيف لا و قد كان آيةً في الجمال,و مضرب مثلٍ في الأبّهة, فتحتُ على الدنيا عيوني –ورغم كثرة المارّين في دربي -لم أرَ إلاه, و لم أكن أعلم أن الردى ينسج في قلبه أثواب الفناء,ما زلت أذكر كفاحه من أجل الحياة, ما زلتُ أذكر لقاءات أعيننا, و يوم ساءلتُ نفسي: ما بالي إذا نأى النظر عنه أحسستُ بخافقي يزداد اقتراباً منه,
و يوم قلتُ له: سأموت إن أصابك مكروه, فأدلى بضحكةٍ تعانق سلاسل السماء و قال: لا, لن تموتي, سيكون في قلبك متّسعٌ لآخر.
ما زلتُ أذكرُ أنينه المرّ, و صراعه مع الأقدار,و رنين آخر صرخةٍ مبللةٍ بقيظ أوجاعه.
و اليوم, جاءت أقاحي الشؤم لتحمل إليّ خبر زفافه إلى السماء, و التصاق جسده بذرّات التراب.
رحل و أعقبني غصةً في حلقي, و حرقةً في فؤادي, حتى قهقهاتي امتزجتْ بذبذبات القهر,
ولّى طيفه قبل أن أهنأ منه بدفء ردائه, قبل أن تكتحل عيني باكتمال البدر في ملامحه,
اليوم... شيّع الأهل جثمانه, و مرّ موكبه أمامي ليحفر في الحشا معالم الفشل.
فاشــــــــلةٌ أنا... أراني مثل أرملةٍ سمراء تندب حظّها, تناجي أطلال جثّةٍ متعفّنة, و تبني من الحيرة مأواها الضيّق.
فاشـــــلةٌ أنا...أعلم أنني لم أكن أهواه, فلماذا لا تزال ذيول أشباحه عالقةً بذاكرتي؟ و لمَ أردّدُهُ إذاً؟؟ و لماذا أجدني أهتف باسمه كالببغاء كلّما تعانَقتْ النظرات, و تلامستْ الكفوف, و مُزِجَ الأحبّة, حتى إذا وضعت السُحبُ أوزارها توهّمتُه رذاذ دمعه...
فاشـــــلةٌ أناأبحث عن المتاعب في كل صوب, رغم علمي أنها منحوتةٌ بماء النار على الجَنان " حرامٌ عليك السرور" فلماذا أغزل من خيوط فشلي المحاولات؟
مغامرةٌ, لست أدري, أكانت قصة حبيبين, أم قصّة جريحين يبحث كلٌ منهما عن خيوط الشمس في أفق الآخر.
ضجرتُ من تلك الدمية البلهاء, و خرير دمعها جلب لرأسي الصداع, سئمتُ تضاريس وجهها الشاحب, و عينيها الذابلتين, و لونيها الكئيبين, سئمتُ تلك الصورة الباهتة التي ترافق خيالي لأستحضرها كلّما أحسست بوَكَسات الدهر, نعم, إنّه أوان تمزيقها, و لتكن حياتي مليئة بالألوان..