(1)
في المرآة إمرأة
تنظر في المرآة تداعب شعرها في مرح وبهجة تهمس أملها :"في المرآة امرأة ..في المرآة امرأة ،هل يأتي اليوم الذي يقدر فيه شخص جمالك هل يصبح ذلك الشعر ملكاً له هو فقط يحنو ويقسو عليه يحلو له مايشاء فانا ملكه )تصمت متأملة شيئاً يلوح في أفق عقلها..ثم تستدرك حديث نفسها)..الكل من حولي قبيحهم وجميلهم جمعهم الحب دون اي مقاييس يسير ويبنى عليها ..اذن الحب ارادة تكسر الموانع مهما بدت وهل فوق ارادة الحب ارادة ".إلا أن سؤالها التواق ليقين الاجابة.. معلقاً تائهاً بين اجابات كثيرة ."لماذا لم يأت الحب بعد فأنا اولى به من كثير من البنات ؟".
تنظر للمرآة..عيناها الجميلتان تلمع وتردد :في المرآة امرأة ،وجوم تام هبط عليها ..تدور برأسها حول نفسها كما البومة باحثة عما تصيده الا انها لم تعثر على شيء ،تصمت قبل ان تحدث نفسها :
آآآه ..اين انتِ ياأمي ؟ هل في المطبخ تصنعين مايدغدغ شهية ابي ويسد افواهنا الجائعة المفتوحة عن آخرها ؟ام انك ترتبين المنزل وتنظميه ليصير منظره يضرب به ذوي قربى وكل زائر لنا كل مثل ومثل ؟ لو تعلمين كم هي الحاجة اليك ياأمي لو تدرين ان الصمت تجاهك يكاد يضاهي حب الاله ومنزلة الخالق ،هل تحتاجين ان اجعل سري نحوك علناً ..لاياامي ومليون لا تتبعها رافضة البوح لك انا لااستجدي حنانك او استثيره .ان لم تحسِ بما يدور في خلد احزاني وأساي من يحس .الاتعلمي ياأمي ان الصمت بين الام وولدها أبلغ من كل البلاغات التي في كتب الأدب .استجدي عطف وحنو اي شخص في العالم الا انتِ ياأمي .
وراحت ترتب سريرها غير المهندم ملاءته يبدو صاحبه كان قاسياً في نومه فراح يضربه بقدميه ويديه ويتلوى فوقه حتى تلوى هو.. ليس شفقة ولا تبعية بل تأثراً بصاحبه ،وبينما ترتب الملاءة وترفعها أعلى وتنزل بها في هدوء ممل غير متعجل الامر ترى المرآة البعيدة وتتأملها والملاءة تتكسر من جديد وتنثني فوق بعضها في عشوائية واضحة ،في سرور بلغ منتهاه تحدث نفسها في صوت يكاد يغني ويطرب :
في المرآة امرأة !
....
الام تنتظر على المائدة والاب يأكل مسرعاً يرمي في جوفه قطعة من كل نوع من الطعام المفروش امامه والابن الاكبر لايزال يغط في نوم عميق في انتظار توسلات اعنف من الاب والام ،تخرج سوسن عليهم حاملة كتابين وكشكول ممسكة بهم بحيث تغطي صدرها بالكامل غارزة اطرافهم السفلى في بطنها ..تبتسم الام ابتسامة حثيثة سرعان ماتكب راسها ناحية الطعام تصطنع ترتيب الاطباق والطعام والاب يعلو صوته مرة اخرى :ياااااااااااعمرو شغلك ياابن الكلب ،صوت عمرو يأتي متثائباً ضعيفاً :يووووووووووووووه ،ثم يوقظ صوته من نومه ويقول في أدب :حاضر يابابا
سوسن قطمت قطعتين من سندوتش الحلاوة بالقشدة التي تعشقها ..تدلف ناحية الباب وتلتف برأسها ناحيتهم :باي باي
ما ان خرجت أحست بشيء غريب لم تعرف كنهه ومصدره لماذا انقبض قلبها هذه القبضة الشديدة.. كأن الارض بما عليها فوق صدرها تكاد تفتك بها وزفيرها يمنع شوقها للشهيق والعرق يزيد والقلق يلد توترا واضحاً على وجهها : تباً لقد نسيت مرآتي !
تجري تجاه غرفتها والشوق دافعها فهي تجري ناحية نفسها ..لاوجود لها الا داخل مرآتها تعيش بين الناس طيفاً بينما في الحقيقة هي شاخصة في مرآتها بكل عنفوانها وحيويتها وانثويتها،تصطدم بعمرو وهو يحك رأسه بالفوطة مستخلصاً من الماء الزائد يوبخها لكنها لم تسمع ..صوت مرآتها يناديها مئات المرات لا بل سوسن الحقيقية في المرآة تنادي طيفها ..روحها تصرخ منادية جسدها أن تعال فحياتك هنا،تمسك بالمرآة تشهق هواءً يحوي اكسير السعادة والطمأنينة والراحة ..ساعة الحائط معكوسة في المرآة تشير للسابعة والنصف ..تصرخ وهي تلملم حاجياتها بسرعة التي وقعت عندما امسكت بالمرآة :
أووووووووووووه .. لقد تأخرت ثانية !
يتبع