المبحث الرابع
الصوفية
إذا كانت الصوفية تعني الزهد في الدنيا، والإنصراف إلى الآخرة، وتهذيب النفس، ، فإن هذا المعنى جميل ومحبوب بشرط أن لا يفضي ذلك إلى تحريم حلال ورهبانية ما أنزل الله بها من سلطان.
نعم لقد دخل إلى الزهد في العصور المتأخرة ما ليس فيه من بدع ومنكرات وغيرها، واختلف الناس في الصوفية لكن شيخ الإسلام ابن القيم اوضح ذلك في كتابه القيم "مدارج السالكين" حيث قال رحمه الله :( وهذه الشطحات أوجبت فتنة على طائفتين من الناس :-
إحداهما:حجبت بها عن محاسن هذه الطائفة ولطف نفوسهم وصدق معاملاتهم، فأهدروها لأجل هذه الشطحات، وأنكروها غاية الإنكار،وأساءوا الظن بهم مطلقاً وهذا عدوان وإسراف فلو كان كل من أخطأ أو غلط ترك جملة وأهدرت محاسنه لفسدت العلوم والصناعات والحكم وتعطلت معالمها.
والطائفة الثانية : حجبوا بما رأوه من محاسن القوم وصفاء قلوبهم وصحة عزائمهم وحسن معاملاتهم عن رؤية عيوب شطحاتهم ونقصانها فسحبوا عليها ذيل المحاسن وأجروا عليها حكم
القبول والإنتصار لها واستظهروا بها في سلوكهم وهؤلاء أيضاً معتدون مفرطون.
والطائفة الثالثة وهم أهل العدل والإنصاف الذين أعطوا كل ذي حق حقه وأنزلوا كل ذي منزلة منزلته فلم يحكموا للصحيح بحكم السقيم المعلول ولا للمعلول بحكم الصحيح بل قبلوا ما يُقبل وردوا ما يُرد) (1)
وتأكيداً لهذا المنهج القويم الذي سلكه ابن القيم رحمه الله سنذكر طائفة من كبار الصوفية وقول العلماء فيهم حتى يتبين لنا أنه ليس كل من نُسب إلى الصوفية متروك وفاسد العقيدة كما يتوهم البعض وهؤلاء هم :
1_إبراهيم بن أدهم: الذي أطلق عليه "شيخ الصوفية" قال عنه يحيى ابن معين :( عابد ثقة)(2)
وقال عنه ابن تيمية :( أما المستقيمون من السالكين كجمهور مشايخ السلف مثل الفضيل بن عياض وابراهيم بن أدهم.....)(3)
2_الفضيل بن عياض: قال عنه ابن تيمية رحمه الله :( سيد المسلمين في وقته )(4) وقد أكثر في مدحه في اكثر من موضع.
3_بشر بن الحارث الحافي الملقب "معلم الزهد" قال عنه أبو حاتم مع تشدده البالغ :( ثقة مرضي)(5)
كما أنه ورد عنه وقفته مع الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله خلال محنة خلق القرآن ذكر ذلك ابن الجوزي في حديثه عن مناقب الإمام أحمد بن حنبل
4_الجنيد: قال عنه ابن تيمية رحمه الله : ( والجنيد وأمثاله أئمة هدى )(6) وأكثر ابن تيمية في مدحه في أكثر من موضع من كتبه
(1)مدراج السالكين 2\39\370
(2)تهذيب التهذيب 1\102
(3)مجموع فتاوى ابن تيمية 10\516
(4)سماع الصوفية مطبوع ضمن مجموعة رسائل بعنوان الجامع الفرية ص 677
(5) الجرح والتعديل لإبن أبي حاتم ج 1 ق 1 ص 356
(6)مجموع فتاوى ابن تيمية 5\4941
[line]
_عبد القادر الكيلاني :قال عنه ابن تيمية رحمه الله :( من أعظم مشايخ زمانهم أمراً بالتزام الشرع والامر والنهي وتقديمه على الذوق،والقدر ومن أعظم المشايخ أمراً بترك الهوى والإرادة النفسية ) (1)
وقال عنه ابن القيم :( الشيخ العارف القدوة)(2)
أما الحلاج وابن عربي وابن الفارض فهم أئمة ضلالة وإن نُسبوا إلى الصوفية والزهد فالإسلام والزهد منهم براء،فهاهم أئمة هدى نُسبوا إلى الصوفية وهاهم أئمة ضلالة قد نُسبوا إلى الصوفية فكيف السبيل لمعرفة من هو على خير من الصوفية ومن هو مبتدع ضال؟
خاصة أن لفظ الصوفية لا يستطاع اليوم محوه وإزالته.
لنا في تصنيف شيخ الإسلام ابن تيمية لهم إجابة شافية وقد قسمهم رحمه الله إلى ثلاثة أنواع:
الأولى ـ صوفية الحقائق : وهم ثلاثة أنواع:
1 ـ وهم قوم مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم فمنهم السابق المقرب بحسب اجتهاده ومنهم من هو دون ذلك _وهم صوفية أهل السنة والجماعة_.
2 ـ قوم تكلموا في خصائص الإيمان والدين خلطوا بعض الحق بشركيات وبدع وروايات باطلة وسلوك مخالف للسنة¬_ وهم صوفية المبتدعة_.
3 ـ أصحاب الحلول والاتحاد على شاكلة الحلاج وابن عربي وابن الفارض وهؤلاء أكفر من اليهود والنصارى._وهم الخارجين عن الملة_
الثانية ـ صوفية الأرزاق : وهم الذين يستفدون من دخل الأوقاف الموقوفة على الصوفية فحسب فلا يشترط في هؤلاء أن يكونوا من أهل الحقائق_وهم التاركون للسعي على الرزق وقد يقعوا في بعض المبتدعات.
الثالثة ـ صوفية الرسم : وهم المقتصرون على النسبة إلى الصوفية فاهتمامهم منحصر في اللباس والآداب الوضعية ونحو ذلك.أ.هـ بقليل من الإيضاح
فلا حرج من الزهد والتقرب إلى الله تعالى والعمل على تهذيب النفس وتنقيتها من شوائبها، وإنما أوردت هذه الكلمات حتى نستبين سبيل الرشاد ولا نقع فيما وقع به بعض أهل الضلال والفساد، ونجعل زهدنا وفق كلام الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية 10\488
(2) مدارج السالكين 1\197