أبا الميساء *
لماذا غادرتنا قبل أن يتجسد الحلم
بقلم : د . محمد أيوب
أبا الميساء لماذا تعجلت الرحيل في هذه الوقت العصيب، في زمن الانقسام الفلسطيني المخجل؟ لماذا يا أبا الميساء والوطن في أمس الحاجة إليك، الوطن يحتاجك اليوم أكثر من أي وقت مضى يا حكيم الثورة ويا من رفضت أن تطأطئ الرأس وامتنعت عن العودة إلى الوطن من بوابات الاحتلال، وإن كنت قد غادرتنا بجسدك فإن روحك باقية ترفرف فوق رءوسنا وأفكارك تنزرع في عقول رفاقك وأبنائك في طول الوطن وعرضه.
كنت رائدا في حياتك وستظل رائدا بعد رحيلك إلى جوار الرفيق الأعلى، فقد أسست حزب الأوائل، الحزب الذي رفع راية الوحدة والقومية العربية وكرست الجهود من أجل تحقيق هذه الوحدة والدفاع عنها إيمانا منك بأن الوحدة العربية هي طريق تحرير فلسطين، وجعلت شعار الوحدة أول الشعارات التي تسعى حركة القوميين العرب لتحقيقها، كنت أيها الحكيم أول قائد يتخلى عن منصبه القيادي بمحض إرادتك لتتفرغ للعمل الفكري وكانت الجبهة الشعبية تنظيم الأوائل بحق ودون مبالغة، فهي التنظيم الذي يعتز بأن قائده أول قائد يضرب المثل في تجديد شباب الحزب حين أفسحت المجال أمام قيادة جديدة للجبهة بعد أن عجمت عودهم، كما كانت الجبهة الشعبية أول تنظيم يتعرض أمينه العام للاغتيال لأنه أصر على أنه عاد ليقاوم ولم يعد ليساوم، وهي أول تنظيم يتعرض أمينه العام ونائب أمينه العام للاعتقال، ومع ذلك استمر الفعل الثوري والوطني الوحدوي ولم تنكسر إرادة هذا الحزب الطليعي على الرغم من كل محاولات الحصار والتضييق وتكالب القوى الرجعية ضد الجبهة الشعبية.
ما زلنا نذكر كيف سطع نجم الجبهة الشعبية ذات ليلة من شهر ديسمبر " كانون الأول " من خلال بيان ما زلت أذكره لأنه ما زال يعيش في الذاكرة والوجدان.
أبا الميساء
ستظل خالدا في وجداننا وفي عقولنا، وستظل ذكراك نبراسا ينير لنا الطريق بدفاعك عن الفقراء والكادحين وبتواضعك ورعايتك للشباب من أعضاء الحزب، وما زلت أذكر ذلك اليوم الذي حاولت فيه يد الغدر اختطافك ولكنك كنت أكبر من صغائرهم وتآمرهم، فقد بقيت جبلا شامخا وخصما عنيدا لكل محاولات شق الصف الوطني، لم تقدم المصلحة الخاصة أو المصلحة الحزبية على مصلحة الوطن، فقد كان الوطن والشعب محور اهتماماتك، كنا نتمنى أن تعيش حتى ترى نهاية الانقسام بين شطري الوطن وأن ترى التحرير الحقيقي لهذا الوطن ولكنك تعجلت الرحيل وكأنك لم تحتمل رؤية ما آل إليه حال الوطن وما تفجر في ربوعه من صراع الأخوة .
أيها الرفيق
لا نملك إلا أن نتسلح بالصبر وأن نتمسك بالأمل الذي لن يذبل على الرغم من مغادرة الكثير من الرجال الرجال لدنيانا ، فقد غادرنا رجال نجلهم ونقدرهم، غادرنا غسان كنفاني والرفيق وديع حداد و أبو على مصطفى والرفيق محمد المسلمي وغيرهم من الفرسان الذين ترجلوا قبل الأوان ولكن أفكارهم ما زالت تمتطي صهوة عقولنا وتعيش في وجداننا.
خسارتنا كبيرة بفقدك يا أبا الميساء ومصابنا جلل ولكن عزاءنا أنك ستظل باقيا فينا ما دام فينا عرق ينبض بالحياة وما دامت هناك حياة على الأرض وما دام هناك وطن يحتاج إلى المزيد من تضحيات الرجال.
* الدكتور جورج حبش حكيم الثورة .