الدنيا شتاء، شتاء هذا العام قارس جدا. كل آوى إلى مخبئه إلا ذاك الذي يسير هائما حافيا مهلهل الملابس، عمره يُعد ببضع سنوات، يسقط إثر إنزلاقة على الصقيع ثم يتناهض ليسقط من جديد، ينفخ في راحتيه بين الحين و الآخر.
بقيت أتابع المشهد من خلف زجاج النافذة و هو يعبر شارعا طويلا مبيضا بثلوج باتت و مازالت تعمر الأرض.
صادف في طريقه شيئا مرميا على الجانب انحنى عليه ليلتقطه، قضم منه قطعة لاكها لكن سرعان ما بصقها ...سار خطوات ثم عاد إليه و تناوله ثانية لاكه، هذه المرة احتفظ به في فمه . ذكرني باولئك المضربين عن الطعام و صراعهم مع حراسهم الذين يدفعون الطعام في افواههم دفعا ليحرموهم من الموت الذي بات آخر ملاذهم.
بقيت عيناي تقتفي آثاره فضولا مني لمعرفة إلى أين كان يتجه لأن في الأفق لا منازل، الشارع طويل طويل لا نهاية له خلى من كل شيء إلا من شجيرات ذات أغصان عارية متشابكة كثعابين في موسم التكاثر ترتجف على إيقاع زمهرير ريح لافحة.
احكمت غلق النافذة التي كان يتسرب منها بردا شديدا. في الوقت الذي أردت الاستدارة لمتابعة فيلم لم يكتمل مشهده بعد شدٌ انتباهي شخص يسارع الخطى وراء ذلك الولد – قامته أطول و جثته أضخم، ظننته سيأخذ بيده لكنه تجاوزه سالكا نفس الاتجاه، لم ينجو هو الآخر من الانزلاق و لا من النفخ في اليدين. يسير نحو لا أدري – لما اختفيا وسط البياض الناصع عدت إلى أريكتي أتابع الفيلم .ما كان يزعج متعتي في التفرج هو الصفحات الإشهارية التي كانت تتخلله فتحملتها على مضض لاستمتع بجمال صوره من شواطئ و غابات غناء و فتيات حسنوات و ورود و عصافير و ...
مناظر أغرتني لدرجة خطر لي ان اشد اليها الرحال الصيف المقبل.
هذا الفيلم استحوذ على إعجابي لأن بطله كان فعلا بطلا: يستجيب للمظلوم إذا استجداه يرحم الصغار و يعطف عليهم يوقر الكبار و يأخذ بيدهم ، يحارب الظالمين و المجرمين ، في كل مرة كان النصر حليفه لم يهزم قط. تمنيت لو لن ينتهي أبدا.
اروع مشهد سلبني هو الأخير إذ تمكن البطل من فك أسر خطيبته التي اختطفها أعداؤه بعد ان قضى عليهم الواحد تلو الآخر فأقام له أهل القرية حفلة فخمة بمناسبة زواجه منها، و خُتم بجملة كتبت بخط جميل و جذاب مضمونه: عاش البطل و زوجته في ثبات و نبات و خلفا أولاد و بنات.