انكسار
في تردد تدلف متكئة على جرحها , قرقعة كعبها يختلط بموسيقى هادئة تنبعث من سماعات (دجتال ) في العلو ,تصعد يسكنها ترددها , ويسكنها خوف خروجها الجريء المندفع ,على حائط السلم صور أشجار عارية , ورود , وبيت خشبي على حافة النهر, تتعلق صعودا مع خطوها .تقبض يدها مع كل خطوة على قضيب فضي مصقول ,يرافقها الصعود ممتدا, يترك خاتمها بصمة صوتية زائحة محتكا بالقضيب , تخفف من نقر كعبها بينما تتأمل الأشجار العارية , يزداد صوت الموسيقى باقترابها أعلى الدرجات , تمتد أمامها طاولات لشخصين ويغلف المكان دخان المعسل الكثيف ,كفها لم يتخل عن القضيب بعد ,اهتزت العباءة السوداء أعلى الصدر على طرقات ضخ الدم الكثيف , تشعر بوخز وعرق يملأن صدرها , أنفاسها تتلاحق تبتلع رائحة الدخان.. الفراولة , حررت مقبضها لتخرج المنديل من الحقيبة.. جلد النمر , تخرج اليد مهتزة ,تتسلل أسفل عنقها ليمتص منديلها بعض تراجعها ,بعض خوفها ,تعيده معطرا مبتلا ملونا , تتقدم كعذراء يراها خطيبها في حضرة أبيها و إخوتها , لا تزال تتكئ على جرحها , يدفعها , يمتص بعض نبضها , وتتقدم , تشعر بأعين تخترق سوادها , تتفرس قوامها , تقرأ انكسارها , هناك في الركن القصي , يحتوي المقعد خفقها , يمنحها وضع حقيبتها , والطاولة تخفي اهتزاز قدميها , تحتضن مرفقيها , تبتلع فراغ فيها , تتخيل انسكاب الماء يملأ جوفها , يغسل جسدها المعروق .
تقابلت عيناهما,تنغض بصرها وتنقر الطاولة بأصابع قلقة , تبتلع بعض ما تبقى من ريق جاف خشن ,
-هل أنهزم ..تماسكي...لكن..
بالكاد تستوعب المكان , ينهزم بعض القلق ساحبا تسارع النبض ,أضواء حمراء خافته , معزوفة وصوت دفيء , صوت يسري خدرا صافيا , تعرفه جيدا ,
-هل تخذت الغاب مثلي منزلا دون القصور
- وتتبعت السواقي......
-.................
مرة أخرى تتقابل عيون , عيون عطشى تخبئ أرق الليل وتخبئ عنفوان الحرمان , رغم برودها المزيف الظاهر , برود يتفجر كبركان خامد عند أول اهتزاز , برود كهبات نسيم قبل عاصفة تتربص , لغة العيون وحدها من لا تحتاج كثير ذكاء .
-معسل بنكهة الفراولة ..
تخرج أولى الكلمات ,فتسحب معها كثير من قلق اللقاء وتئد كل وساوس الانهزام ,
ابتسامة ترسم بعض انفراج عن بياض مصقول , رسالة قبول تقطع سحائب المكان المغلف بالدخان , تحررت عن بعض قيودها ,تنسدل على الناصية خيوط مسودة , خيوط دقيقة متثنية...تكيد ,
الآن تسري نشوة الانتصار , تسري مع أولى دقائق دخان بطعم الفراولة وكأس ليمون ينتصب كتحفة أمامها ,
دون إذن .ينزاح الكرسي أمامها , وتنزاح هي إلى الوراء ,
في لحظات , كان الزمن ينكسر ويضمحل , عاودت وساوس انهزام تعبث بها , وبين كأسين ودخان متصاعد في خفوت كانت هناك موسيقى تسري في المكان, تسري فتغسل
ضخات من دم قلق ,
دم بطعم ولون الفراولة , لكن هناك في قصي أعماقها , لايزال جرح تحاول تضميده , تضميده أو دفنه .. فليكن , أليس جرحها , تمتد يدها مهتزة نحو كأسها , يرتفع الكأس رويدا رويدا , واليد لم تعد تقوى , ينزلق بين أناملها ,يبحث عن انكساره المحتوم .