السلام عليكم
احد الكتاب قال لي: مافائدة أن أعمل صالحا والموت يحاصرني من كل مكان من خلال مرضي المزمن!فاستغربت حقيقة أن أمثال هؤلاء أقرب الناس لفهم حقيقة الحياة.لكن هي رواسب تربيه تركتنا ظامئين لا مشبعين من أبسط مافيها.
ورغم هذا السؤال الوجيه الذي يجب ان نسأله : ماذا قدمنا؟ أرم حجرا في بركه وانظر لدوائرها: أنت مسؤول عن أول دائرة فيها وهم المقربون فتجدنا نبحث عن حظ النفس في الدنيا من كتابه ..لهو,عمل يهمنا وحدنا,ربما سعي لجني المال وماتصرفه إلى آخر الحياة غالبا أقل وستتركه لورئتك!
فماذا تعني لك الحياة إذن؟
غيبوبتة طالت ..اتركوه فالطب لاشان له به..
اخرجوا من غرفته أيهاالمقربين ليموت بهدوء إنه الآن يحاسب!!!
عشرأيام وهو غارق في حسابه ولم نره فيها إلا عابدا منعزلا... هي عنده أكثر من عشر سنوات,فهل فعلا مازال له حساب؟!
لايمكن أن نقترب من أمور تمس الموت الا ويهز فينا شيئا ما..تبكي نفسك قبل أن تبكيه ربما!!!
وفي الوداع الأخير :
لاتنس أن تسلم لنا على الحبايب
سامحناك دنيا آخرة
اللهم أنزله منزلا خير من منزلنا
واغسله بالثلج والماء والبرد
اللهم آنسه في وحشته
وسع مدخله واجعله مد بصره
باعد الأرض عن جنبيه
نقه من الخدايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس
اللهم أنت امرتنا على لسان رسولك محمد صلى الله عليه وسلم ان نكرم الضيف وهذا ضيفك فأكرمه.
وارحمنا إذا صرنا إلى ماصار إليه,لامنجا ولا ملجأ منك إلا إليك,ارحمنا إذا وارانا التراب وفارقنا الأهل والأحباب واعفوا عنا ياكريم.
ودعنا ميتنا قبل عدة أيام وعندنا وكل يتخيل نفسه مكانه!ينعي نفسه.
كيف كان مفهوم الموت عند سقراط:
يدّ سقراط
عزيز الحدادي(بتصرف)
--------------------------------------------------------------------------------
لقد حاول الرسام العبقري مارت دافيد في لوحته الرائعة عن اللحظات الأخيرة لسقراط, أن ينقلنا إلى تلك الأجواء التي مر فيها تنفيذ حكم الإعدام في حق الفيلسوف, وذلك بإرغامه على شرب قدح الترياق أمام أصدقائه وتلامذته وعائلته. والحال أن لوحة دافيد <<موت سقراط>> استطاعت أن تنقلنا إلى الصفحات الأخيرة لمحاورة فيدون لأفلاطون, حيث مرت المحاورة بكاملها في تلك الزنزانة التي قضى فيها المعلم آخر أيامه قبل أن يتناول ذلك القدح القاتل.
يقول أفلاطون في الصفحات الأخيرة من محاورة فيدون: <<بمجرد ما سلمه ذلك العبد الجلاد قدح السم, تناولها سقراط بمعنوية مرتفعة, دون ان ترتعش يده أو يتغير لون وجهه, موجها نظره الثاقب إلى الجلاد حامل القدح ويسأله: هل يسمح في مثل هذه اللحظات أن يؤدي للإنسان صلاته ليقترب أكثر من الآلهة?>> لم يكن الجلاد يملك الجرأة للإجابة عن سؤال المعلم, بل إنه أخفى عينيه بيده اليسرى متألما لحاله, لأنه وحده يعلم بأنه كان مكرها على تسليم قدح الترياق للفيلسوف وإرغامه على تجرعها وانتظار موته.
تبدو يد الجلاد موجهة إلى الفراغ, إلى العدم, ترتعش خائفة من يد المعلم سقراط, التي تتحرك ببراءة أو شجاعة باحثة عن القدح القاتل بشكل آلي دون ان ترتعش أو تغير اتجاهها ودون أن يفكر في المادة التي توجد في القدح, ربما لأنه يعلم ان حكم الإعدام يستهدف جسده فقط, أما روحه فإنها تترفع عن أي حكم وعن أي استبداد, لأنها مستعدة لأن تستيقظ باكرا وتتجول في أزقة أثينا, مبشرة بآرائها الفلسفية; والشاهد على ذلك أن المعلم هو الذي يجيب عن السؤال الذي طرحه قائلا: <<إنني جد مقتنع بضرورة التوسل إلى الآلهة حتى يتم انتقالي من هذه الإقامة إلى إقامة أخرى بمنتهى السعادة>>. ويذكر لنا أفلاطون بأن المعلم بمجرد ما أنهى هذه الكلمات حتى تناول القدح وشربه دفعة واحدة وبهدوء مطلق.
ربما يكون هذا المشهد الدرامي قد أثر بقوة في الحاضرين دون ان يثير اهتمام سقراط الذي استخدم يده العبقرية في اتجاه مادة تسهل انتقاله من مدينة أثينا التي فقدت عظمتها حين رفضت استقبال فكر الفيلسوف وحاربت العقل والفلسفة, إلى مدينة فاضلة تشكل الفلسفة شريعتها ودستورها وتكون خالية من القضاة والطغاة, لذلك لم ترتعش يده ولم يتغير لون وجهه, بل ظل يتحدث عن تعاليمه الفلسفية التي تدعو إلى خلود النفس كما تبشر بأن الحكمة هي مفتاح السعادة. والشاهد على ذلك, محاورة فيدون نفسها, التي يتحدث فيها أفلاطون عن الألم الذي شعر به عندما تجرع المعلم تلك القدح, حيث يقول: <<و قد تمكننا حتى هذه اللحظة أن نتحكم في دموعنا, لكننا حين رأينا شفتيه تلمسان القدح تغير حالنا وبدأت دموعنا تتقاطر. أما أنا فكانت دموعي تسيل, على الرغم من أنني أخفيت وجهي. لقد كنت في الواقع أبكي على نفسي أكثر من بكائي على معلمي سقراط حزنا على فراقه, إذ كيف ستصبح أحوالي بعد أن أحرم من رعايته, ووشائج القرب التي جمعتني به?>>
حقا إنها معادلة صعبة أشخاصها ثلاثة: الفيلسوف, المدينة والفلسفة. لكن كيف يمكن القضاء على الفيلسوف بواسطة ذلك القدح لتظل الفلسفة متحدة بالمدينة تضامنا معه في هذه التضحية الشجاعة التي قدمها سقراط?
كان سقراط في منتهى السعادة, على الرغم من تجرعه لقدح الترياق, لأنه متيقن أن روحه ستظل حية إلى الأبد, لأنها اختارت أجسادا أخرى من أجل الإقامة, إذ كيف يمكن تفسير موت سقراط, وهو الذي ترك لنا مذهبا فلسفيا لا زال قائما إلى يومنا هذا?
وهل كان هذا هو السبب الذي دفع أرسطو إلى التساؤل باندهاش كبير قائلا: سقراط... أميت أنت حقا?
يقول خبير الأعشاب في مركز صحارى الأردني:
يسأل الله عز وجل الناس بقوله : " كيف تكفرون بالله وقد كنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم اليه ترجعون "
أثبت العلم أنه يتم تغيير هيكل الإنسان الكلي اعتبارا من سطح الجلد حتى العظام مرة كل 6 أشهر في المتوسط . فتولد خلية جديدة مكان كل خلية تموت . وتكون مطابقة لها تماما . وهكذا يتغير كل الإنسان الذي كنت تتخذه صديقا ، ولا يبقى منه سوى الروح . وعلى أساسه أتت الحكمة التالية : " الإنسان لا ينزل البحر مرتين ... فتأمل " .
أما الروح فهي صديقتك الحقيقية في عالم الحياة الدنيا . وهي التي لا يطرأ عليها أي تغيير ، فهي حية . ومن خصائصها أنها لا تموت . وهي التي سواها الله منذ البدء . والدليل قوله تعالى : " ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها " .
ما هو الموت ؟ الموت هو التوقف الدائم لكل وظائف الجسم الحيوية . فيعود الجسم الى طبيعته الأولى . فتتحلل جزيئاته الى عناصر الأرض . وتعود النفس الى عالمها غير المنظور إما الى البرزخ أو إلى الهاوية .
كيف ينزع ملك الموت الروح ؟ ملك الموت يقتلع الروح من كل خلية في هذا الجسم . وهي لا تريد أن تتركه . فهذا الجسم لها وحدها ، تتجول فيه كأنها في قصر . ولا يزاحمها أحد من الأرواح . فهي تعرف عالم الذر ، وما فيه من ظلمة وزحمة . فهو جبا أو مغارة كثيرة السراديب، شديدة الظلام ، والنور الوحيد هو قبس يضيء أعلى المكان الموجودة فيه . عالم الذر هو عالم الأرواح . وكل الأرواح كانت مجموعة مع بعضها . ثم جاء هذا الإنسان ، وأراحها من الزحمة . وها هو ملك الموت يحاول نزعها بقوة . وها هي ستبدأ حياة جديدة في مكان آخر . فهي ستكون إما في البرزخ تتنعم بنعيم الجنة ، أو في الهاوية محبوسة مقيدة . ثم يبشرها ملك الموت فترتاح قليلا .
عندما يقتلع ملك الموت الروح من كل خلية ، وهي لا تريد أن تتركها . تتمزق الخلايا ، فيختلط الحابل بالنابل . وتسيل الدماء في كل إتجاه . وتنتهي الحواجز التي تفصل أجزاء الجسم بعضها عن بعض . فيصبح متهلهلا ، ويُقاسي من الآلام الحادة التي لم يشعر بها بشر في مرض من قبل.
تبدأ خروج الروح من القدمين . وتنتهي في نفس المكان الذي تعودت دائما على الخروج منه ، وهي مربوطة بالحبل الفضي أثناء النوم . فتخرج الروح ، وتترك الجسم ساكنا ممزقا بلا حراك . ويتم قطع هذا الحبل الفضي . عندما تخرج الروح تعاني من رعدة تغشاها كالفرخ الصغير الذي وقع في ماء بارد كالثلج ، في ليلة قارصة البرودة . فيلفها في أكفان حيث يصعد بها الى السماء .
والروح يتم سحبها على مراحل أو دفعة واحدة . وروح الإنسان الميت بعد أن تعرف مكانها في البرزخ أو في الهاوية حيث يقول الله عز وجل للروح عندما تصل اليه : " اكتبوا اسم عبدي في عليين أو اكتبوه في سجين" . عندها تعود الروح الى المكان الموجود فيه جسدها . وتكون معلقة في نصف سقف الغرفة كالسراج ، ترى وتسمع ما يجول حولها إلى أن يتم الدفن .
لنر وصف بعض الناس للموت . وصف كعب لعمر بن الخطاب الموت قائلا : " إن الموت كشجرة شوك أُدخلت في جوف ابن آدم . فأخذت كل شوكة بعرق منه . ثم جذبها رجل شديد القوى ، فقطع منها ما قطع . وأبقى منها ما أبقى .
وعمرو بن العاص وصف شيئا من الموت .
كل مرحلة تمر بها الروح يختلف الزمن فيها بإختلاف المكان .
1. تشهد الحساب مع الخلائق في يوم كان مقداره 50000 سنة من أيامنا نحن .
2. النفس ستبقى في البرزخ أو الهاوية ، المدة الباقية من عمر الدنيا ، حتى قيام الساعة .
3. اليوم في العالم غير المنظور الموازي لعالمنا المنظور = 1000 سنة من سنوات كوكب الأرض . " وإن يوما عند ربك بألف سنة مما تعدون " .
4. في الجنة أو النار لا زمن . " خالدين فيها أبدا " .
5. السنة في كوكب الأرض = 365 يوم . أما السنة في كوكب بلوتو التابع لنفس مجموعتنا الشمسية = 248 سنة من سنوات كوكب الأرض .
فالعالم غير المنظور له درجات . ولكل درجة حساب زمني خاص بها . فعالم القيامة والحساب أعلى من العالم الذي يدبر الله فيه أمر الخلائق . وعالم الخلود هو أعلى من عالم القيامة والحساب لأنه لا وجود للزمن .
لنربط المراحل ببعضها . كل 50000 سنة من سنوات كوكب الأرض = 1000 يوم من أيام العالم غير المنظور = يوم واحد فقط وهو يوم القيامة = صفر أي لا زمن في خلود الجنة أو النار.
والسؤال: هل قدمنا مايمكن تقديمه ام لايمكن ان نقدم مايفترض تقديمه؟أم هي طاقتنا ونعذر أنفسنا ونخلق لها الأعذار لقصورنا عن رد ماأنعم به الرب؟
هل مراسيم العزاء في بلادنا العربيه صحيحه أم دفاتر نساء؟
اذا كنت تريد أن تفهم الحياة تماما وتقترب من الله تجول عبر مراسيم العزاء ومراسيم الدفن ودقق في الكفن وكيفيته!!
تجد كم نحن ضعفاء ونتجبر على أقل ميزة نحصل عليها ماأسخفنا.وكل هذا بتيسير من الله وليتنا نستحقه.
هل مازالت مواضيع الفقه والعظه تؤثر فينا؟ أم تجلد الشعور وبتنا نقترب بسبب زلاتنا فقط؟ هل هو الحب أم الخوف؟
في جلسات كهذه كل المنطق والتفكير السليم يحضر هنا..كل التقييمات الحياتيه تظهر للسطه تواصل ماكان سيكون لولا تلك المناسبات.
زلزال سيكون بعد 70 سنه
انتهت 10 حروب متأرجحه وآن الوقت لكي نكسب العالم والمعارك مهما كانت الظروف من أول جوله ربحناها مع حزب الله
كم نحن مقصرون مع أهل القرابه...كم نحن مقصرون بحق أنفسنا أمام الله.
كيف حضر الجد وذهب الهزل والتقصير
كيف حضرت المحبه فجأة؟ هل كنا بحاجه إلى هزه لنفيق؟ وكم تدوم إذن؟
لحظات الوفاة للعظماء:
اللحظات الأخيرة على فراش موت النبي عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام ......
في يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول للسنة الحادية عشر للهجرة كان المرض قد اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوصى أن يكون أبو بكر إماماً لهم حين أعجزه المرض عن الحضور إلى الصلاة , وفي فجر ذلك اليوم وأبو بكر يصلي بالمسلمين لم يفاجئهم وهم يصلون إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يكشف ستر حجرة عائشة ونظر إليهم وهم في صفوف الصلاة فتبسم مما رآه منهم فظن أبو بكر أن رسول الله يريد أن يخرج للصلاة فأراد أن يعود ليصل الصفوف وهمَ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم , فرحاً برسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار اليهم رسول الله وأومأ الى أبي بكر ليكمل الصلاة , فجلس عن جانبه وصلى عن يساره ........وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الى حجرته وفرح الناس بذلك أشد الفرح وظن الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أفاق من وجعه واستبشروا بذلك خيراً .
وجاء الضحى .... وعاد الوجع لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا فاطمة فقال لها سراً أنه سيقبض في وجعه هذا ... فبكت لذلك ... فأخبرها أنها أول من يتبعه من أهله , فضحكت .... واشتد الكرب برسول الله ... وبلغ منه مبلغه ...... فقالت فاطمة : واكرباه فرد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً : لا كرب على أبيك بعد اليوم وأوصى رسول الله وصية للمسلمين وهو على فراش موته , الصلاة الصلاة ..... وما ملكت أيمانكم ..... وكرر ذلك مراراً ....ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر وبيده السواك فنظر اليه رسول الله , قالت عائشة آخذه لك .... ؟ .... فأشاربرأسه أن نعم .... فاشتد عليه .... فقالت عائشة : ألينه لك .... فأشار برأسه أن نعم .... فلينته له .....
وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل يديه في ركوة فيها ماء , فيمسح بالماء وجهه وهو يقول لا اله إلا الله ... إن للموت سكرات ... وفي النهاية .... شخص بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحركت شفتاه قائلاً .... مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ... اللهم اغفر لي وارحمني ... والحقني بالرفيق الأعلى ... اللهم الرفيق الأعلى ... اللهم الرفيق الأعلى .. اللهم الرفيق الأعلى
وفاضت روح خير خلق الله فاضت أطهر روح خُلقت الى ربها .. فاضت روح من أرسله الله رحمة للعالمين وصلى الله وسلم تسليما .
إعصار (كاترينا)
قصة موت زوجة وحبيبة:
د . خالص جلبي :
أجمل الفلسفة تدفقت من تأمل الموت، وأجمل ما كتب باسكال في كتابه (الخواطر). وأجمل خواطره عن فكرة النهايتين فكتب: نحن نأتي من العدم ثم نعود إليه. نحن في اللحظة الواحدة بين اللانهاية التي تغمرنا والعدم الذي قدمنا منه، ونحن معلقون عند هذه الحافة، فلا نفهم العدم الذي جئنا منه، ولا اللانهاية التي نحن إليها قادمون. مع هذا فنحن بالنسبة للعدم كل شيء، ونحن بالنسبة للانهاية صفر ولسنا بشيء.
لماذا كانت كل لحظة فرح ممزوجة بالحزن؟ ولماذا يتكلل كل زواج بالموت؟ ولماذا كان الإنسان وحشاً وقديسا؟ لماذا امتزجت اللذة بالألم؟ ولماذا نعيش مع أحب الناس ثم نضطر لوداعهم في لحظة لاريب فيها مجللة بضباب الغيب؟ حتى إذا صدمنا بصدمة الموت استيقظنا كأننا نيام؟ فمن يحل لنا هذا التناقض؟
أكتب هذه الأسطر في مدينة مونتريال الكندية بعد أسبوع من وفاة زوجتي وغيض الماء بعد إعصار (كاترينا) في أمريكا الذي طم الناس في الجنوب بماء منهمر فاجتمع عليهم الخوف والغرق والهرب فخرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم. أكتب هذه الأسطر وقد خرجنا قليلا من حالة الذهول والصدمة، ولكننا أصبحنا فلاسفة بدرجة أكبر فليس مثل الموت درباً إلى الفلسفة، وفي ظل الموت تتبدل أولويات الحياة وتتهمش كل القضايا، وتسحق الطبيعة الفرد سحقا ـ كما يقول شوبنهاورـ ولا تبالي، في الوقت الذي تحافظ على النوع بعناد وإصرار. ولعلها كانت فرصة في المصالحة بين العرب وأميركا، حيث تزامن إعصار الطبيعة كاترينا، مع إعصار الذاكرة في أحداث سبتمبر قبل أربع سنوات، والخريف يتسلل ببرودة إلى مفاصل الكون قبل تشيخ الطبيعة وموتها، إلى أن تبعث مع الربيع. إن الكلمات لم يعد لها معنى، ولكن لم يعد لنا إلا الكلمات أيضا.
قالت لي صديقتها العراقية: أنك مثل العاشق الولهان الغارق في الحب، لا تستطيع التوقف عن التفكير بها والحديث عنها؟ ثم تابعت حتى عندما لا تبكي الدموع فإنك تبكي الكلمات…
كانت ليلى تعشق التفاصيل والأفكار وتركز كثيرا على اهمية الذوق الجمالي، ولكن بغيابها صرت أشعر أنها تعيش في كل شيء جميل، في تفتح البراعم، في حمرة الأزهار، في نضرة الحياة وأوراقها، في كأس ساخن من القهوة، في كتاب مثير، في وجه صديق محب، في قمة الأفكار، والسياسة، والتاريخ، ولكن في تفاصيل الحياة الصغيرة وضحكاتها، واللعب مع الأولاد، والأطعمة اللذيذة، ومناظر الطبيعة الجميلة...
لقد تركتنا مثل الرياضي الذي يعتزل في قمة لياقته وحضوره وجماله. وماتت كالغزال الرشيق القوي. جميلة، رياضية، وبشرة نقية صافية، ووجه مورد، وأصابع طويلة رفيعة. وشعر كثيف نضر. كانت بسمتها دائما كالشمس التي تشرق في وجوهنا، وكانت صحبتها كيوم مشمس وغيابها كيوم غائم ستعود بعده الشمس الدافئة والابتسامة الرائعة. كانت تحب أن يحب الجميع بعضهم. وعندما رأت فلم المسيح وهو يقول لأصحابه، "أريدكم بأن يعرفكم الناس من بعدي بأنكم أنتم الذين تحبون بعضكم وتحبون الآخرين." قالت كونوا هكذا كاملين. كان اللاعنف والسلام ليس قضية سياسية ولكن يومية معاشية تتخل كل تفاصيل الحياة اليومية. حتى لغتنا وحوارنا وذوقنا كانت تريده أن يكون سلاميا.
كانت تقول إذا كان قلبنا يعتصر إلى هذه الدرجة من الألم أمام موت الذين نحبهم، إذا كانت الزلازل والأعاصير والأمراض تأتي وتدمرنا وتخطف أحبابنا، فكيف نضع الأموال والجهود على بناء أجهزة وأسلحة لتقوم بهذا الدمار، وتجني الموت؟ كانت توظف ألم الموت في توسيع دائرة الرحمة، واللاعنف والسلام. كانت تقول عن الحياة بأنه كتاب، وبأن الموت هو نهاية الحبكة، وأننا في حالة صيرورة دائمة. وكانت تقول لا تجعل الحبكة تنتهي وأنت ما زلت على قيد الحياة، ولا توقف الصيرورة. ولهذا كانت ترى الموت بأنه انتهاء الحبكة. تستطيع أن تعود وتقرأ الكتاب، ولكن الحبكة انتهت. وكم هي الآن كتاب رائع، وكم أريد أن أقرأه وأعيد أعيد قراءته... كانت تقول إذا كانت الطلبات ستحقق في الجنة، فهي لا تريد أنهارا من عسل وجبالا من ذهب وحريرا واستبرق. كانت تقول إنها تريد المعرفة، الحقيقة، وبالأخص المعرفة التاريخية. كانت تقول إنها تريد أن ترى التاريخ البشري كله يعرض أمامها، ما حصل فيها من تفاصيل، كما حصلت تماما، مرافعة سقراط، ما حدث للمسيح، ما حدث في السيرة، وحتى الأشياء الصغيرة مثل اغتيال كندي. وكانت تقول إنها تريد أن تتعرف إلى العظماء، الأنبياء والفلاسفة وأن يكون بامكانها الجلوس والتحدث إليهم. حتى في جنتها فإن المعرفة والتاريخ والعلم كانت هي الأهداف النهائية لليلى، ومتعتها الحقيقية.
يصعب على الإنسان أن يكون روبوت يعتمد الرياضيات المجردة، وما يقود الوعي عندنا (لا وعي) ومشاعر دفينة، والبكاء رحمة وليس ضعفاً، والآلات والحيوانات لا تعرف الابتسامة والبكاء، والإنسان يبكي ويضحك، واللاوعي يحركنا في 95% من السلوك، وهو من أعظم الأسرار التي كشف عنها علم النفس التحليلي، وكان كشف عالم (اللاشعور) أعظم من كشف ماجلان لكروية الأرض عند بتاجونيا، فماجلان كشف الجغرافيا، وفرويد ويونج وآدلر كشفوا جغرافيا النفس البشرية؛ فلا يستويان مثلا. ومن الصعب أن يبعد الإنسان العنصر (الشخصي) من حقل التأثير، ووهم (الموضوعي) قضت عليه ميكانيكا الكم ومبدأ الارتياب في الفيزياء النووية، وكلنا متحيز بقدر، وقد يكون أقلنا تحيزا من انتبه لهذا القانون النفسي ووضعه في الحسبان، وهو ليس أكيداً. ولذا فنحن كتلة مشاعر وآلة من العقل تتحرك بطاقة من الانفعالات. وأنا في 7 سبتمبر 2005 سمعت أهوال كاترينا من مدينة مونتريال الكندية، وأقلب صفحات مجلة التايم الأمريكية، فأرى بكاء البطل الذي أنقذ عشرة أرواح بقاربه، وحيرة الأم بمتاع قليل مع طفلة جائعة، وإحباط السود الفقراء الذي تركهم أغنياؤهم في مهب الإعصار فنام الواحد في العراء وهو ذميم. بنفس الوقت أتأمل وجوه بناتي والدموع تتدفق مدرارا على فقد أمهن حزنا وصدمة وكأنهن في حلم لايصدق؟ فما هذا العالم وأي تناقض يحكمه؟ وهل يمكن للإنسان أن يختفي بغتة كالشبح؟ لقد ماتت زوجتي وودعت في قمة اللياقة الجسمية والعقلية والعطاء بدون أن تشكو من علة، وفي لحظة واحدة انهار عالم كامل، مثل موجة ماء اختفت من سطح المحيط.
كيف يمكن أن ينهار الفرد إلى العدم فلا يبقى منه إلا قميص الكفن وفتات من الذاكرة. قال الفلاسفة: "شيئان لايمكن التحديق فيهما: الشمس والموت" وقال القرآن إن الرؤية الفعلية للحقائق لن تكون في الحياة، بل بعد سكرة الموت فالبصر حينها حديد" في حدة تقتترب من اليقين. كانت الأميرة (شرلوتنبورج) تقول لأستاذها الفيلسوف (ليبنتس) لقد شرحت لي أمورا كثيرة، ولكن هناك أشياء لم أفهمها ولم أقتنع بها، وأنا على يقين أن الموت هو الذي سيرفع لي الستار فأفهمها. وكانت ليلى تقول: ليلى في لحظات تجلي: أجمل ما في الاخرة أنني سوف أعرف أسرار أشياء كثيرة مغيبة عنا، فأعرف فعلا الحقيقة بتفاصيلها من قتل كينيدي؟ من فجر برجي سبتمبر؟ من خطف موسى الصدر؟ ما كانت أسرار ستالين ولينين وهتلر؟ ماذا تحدث الأنبياء والصالحين؟ كيف كانت ليلة العشاء الرباني التي تنزلت فيها مائدة على الحواريين عيدا لأولهم وآخرهم؟ قصة الصلب الفعلية وكيف شبه لهم؟ كانت ليلى شغوفة بالمعرفة صديقها الكتاب وعشقها المعلومات، وأذكر احتفاء سمو الأمير فيصل بن سلمان بها في مؤتمر مصير الكلمة المكتوبة بعد صدور العدد عشرة آلاف من جريدة الاتحاد الأمارتية، كيف قالت له: يسرنا أن تكون الأفكار التي نهتم بها موضوع اهتمامك. وهي رسالة هامة للفرق بين الثقافة والسياسية. وهو أيضا ما لفت نظر سمير عطا الله حين رأى كتاباتي التنويرية ضوءاً في ظلمات السياسية. وحين أتابع أخبار إعصار كاترينا والبشر المنكوبين وقوافل الموت في تلعفر على الحدود السورية أتعجب من جنون الإنسان؟ كانت زوجتي تقول لايعرف المكابدة إلا من عاناها، ولا تربية الطفل إلا الأم فيزهقوا روحه في ثانية بعد أن ربته أمه 63 مليون ثانية؟ أليس بالإمكان حل المشاكل إلا بالموت الذي هو ليس حلا بل ألما فوق الآلام ؟ عرفت المعاناة الإنسانية من وسطي العائلي وبناتي يغسلن ويكفن جسد أمهن ثم توارى التراب، والكل يلملم نفسه المتناثرة في شظايا من صور الذاكرة، ويحاول الاعتياد على شيء لم يعتد عليه، فالموت يحدث مرة واحدة، ولم نسمع من أحد قوله، لقد أحسست بالموت البارحة، مثل أصابني الصداع فتناولت قرصا من الباراسيتامول لتهدئته؟ إن نكبات الأفراد تشبه مصائب الأمم، في الانشطار والتشظي ثم الالتئام مع الألم، فهنا تخسر العائلة عزيزا يترك فراغا يحتاج للملء، وهناك نكبة تحتاج وقتا طويلا قد يتطلب سنوات من التعويض البطيء، والفراغ بقدر الاحتلال، فقد يموت صديق فيتأثر الإنسان أكثر من موت أمه وأبيه وصاحبته التي تؤويه، ومع موت الرسول وقع عمر مغشيا عليه حينمأ أدرك أن لاعودة ولا لقاء. إن كارثة كاترينا كانت لي قرينة الصدمة التي حدثت في أسرتي، فخسرت أحب الناس إلى قلبي زوجتي ورفيقة عمري ومستشارتي الفكرية ومصدر الدفء والحنان لمتابعة حياتي فأنا أقدر حاليا نظرات وقلق وهموم المصابين.
لقد اجتاحتنا (كاترينا) عائلية فأقدر عظم المصاب وعمق الحفرة النفسية التي تدخل بيت. ومن أعجب ما اكتشفت وأنا استقبل التعازي قصص لاتنتهي عن أموات دلفوا إلى القبور في عمر غير متوقع في وقت غير محسوب، فكلنا أشباح زائلة وكائنات فانية وظلال من عالم الموت. ولعل (إخفاء الموت) هو ما يتيح للحياة أن تتابع تدفقها، ولو كشف الغطاء لفسدت الحياة ، رحمة منه وكرم. لقد زرت قبر ليلى فقرأت عليها القرآن فدهشت وأنا أكتشف في اليوم التالي مكانا مكتوب عليه محجوز؟ قلت عجبا لهذا الفندق، بنفس الوقت كان ثلاث زوار جدد حلوا ضيوفا على الأبدية، ومعها دفن طفل رضيع بعمر أربعة أشهر، وشاب ضربته سيارة فلم يكن له من الحياة إلا 27 ربيعا. قلت في نفسي الحمد لله لقد أكملت ليلى رسالتها ومضت في قمة لياقتها مثل بطل رياضي يعتزل في قمة إنجازه. ومضت خفيفة بدون مرض عضال وعجز بدني كما كانت في الحياة بدون أن تثقل على أحد فاختارها الله " ويتخذ منكم شهداء".
وما آلمني في مسجد المسلمين في مونتريال ونحن نصلي عليها وتمنيت لو أن الخطيب تحدث عن آلام السود والبيض في نيو أورليانز فيكون خطابه إنسانيا ؟ ولكن هيهات أن تنبجس ينابيع الماء من جلمود الصخر بل دعا إلى إشعال الحروب ليتوجه بالدعاء: اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم؟ وهو جالس في نحورهم ويعيش على خيرات الكنديين من الضمانات والحريات؟ وهذا يحكي عمق المأساة في ثقافة اعتمدت القسوة بدل الرحمة، واستبدلت المغفرة بالعذاب، في وضع مقلوب عن القرآن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، وظل منكوس عن رب كتب على نفسه الرحمة. وقل لو كنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم حشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا. لقد كان جميلا لو أنه وظف تلك الفرصة إلى المصالحات وليس إلى المزيد من الدماء والآلام؟ إنه الإنسان الذي لايفهم وجنون الحرب والحقد. لقد كانت ليلى داعية اللاعنف زوجتي تقول إن الحياة قصيرة كفاية وهي أقصر من أن نقصرها بالنكد والآلام، وأن الإنسان هش ضعيف وسيموت فلا حاجة إلى التعجيل بأجله بآلة الحرب. وكان الإنسان أكثر شيء جدلا.
ثم جاءت حفلة الدفن ليتحرك المد الأصولي المصدر إلى جنات كندا فيهدد الشيخ (الفحل) بعدم دفن الجثة إذا حضرت النساء والفقيدة ليس لها سوى خمس بنات.
إن الألم يطهر، والموت يقلب سلم الاولويات، والمعاناة تصهر الأفراد، وتخلق الوئام بين الأمم، فليس مثل الأحزان نارا تطهر المعدن، وتزيل الشوائب، وتلحم العناصر المتنافرة، ونحن والأمريكيون عباد الله الضعفاء الذين نحتاج رحمته، يسري علينا قانون الفناء والموت، والغرق والحرق، والنوازل والكوارث، وبحاجة لبعض، (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لايفرطون، ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو اسرع الحاسبين).
إن الدين والفلسفة كلها جاءت من ظاهرة الموت؛ فأما الدين فقال إن هذا الرفض والتعجب والصدمة وعدم التصديق لاختفاء الإنسان في لحظة هي انعكاس لحقيقة مغروسة في اللاوعي أننا خلقنا للديمومة والاستمرار، ومن هذا النبع ينبجس وعي الآخرة، وأن العدل الكوني حقيقة، وأن الوجود لم يخلق عبثا، وإننا لله وإنا إليه في النهاية مهما طالت راجعون. والفلسفة قالت إن الموت هو كسوف لحقيقة الإنسان مثل الشمس والقمر، فلا الكسوف محا حقيقة الشمس ولا الخسوف خسف القمر وكذلك موت الإنسان. وإن الإنسان ينتقل إلى السلام الأبدي في أي صورة، فإما ـ كما قال سقراط ـ كان الموت نوما بدون أحلام وإما حياة أخرى مختلفة، فدخل نفق البرزخ إلى يوم يبعثون. وراهن باسكال بأفضل فقال لنعتقد جازمين ونراهن عليها بكل شيء، فإن لم يكن شيئا لم نخسر شيئا وإن كانت حياة أخرى خسرنا كل شيء. وردد الشاعر العربي مقولة باسكال شعرا فقال:
قال المنجم والطبيب كلاهـمـا
لن تحشر الإجساد قلت إليكمـا
أن صح قولكما فلست بخاسر
أو صح قولي فالخسار عليكما
طهرت ثوبي للصلاة وقبله طهر