|
لا لنْ أَقولَ وداعاً أيُّها الرَّجُلُ |
مَكَانُكَ القَلْبُ والوِجْدانُ والمُقَلُ |
يا والِدي لَستُ أدري أَيُّ عَاطِفَةٍ |
تَجْتاحُني والقَوافي شَابَها الخَجَلُ |
أَهْفو إِلى وَصْفِ إِحساسٍ يُغالِبُني |
فَأَنْثَني حَائِراً إِذْ تَهْرُبُ الجُمَلُ |
مِنْ أينَ أَبدَأُ لا أَدْري وَلَسْتُ أَرَى |
نَفْسي لِفَادِحِ هذا الخَطْبِ تَحْتَمِلُ |
يا وَيْحَها جَاءت الأَخْبارُ مُعلِنةً |
اغْتيلَ شَيْخُ الجِهادِ الفَارِسُ البَطَلُ |
فاهتَزَّت الأرضُ وارْتَجَّتْ وَأَيْقَظَها |
مِنَ السُّباتِ العَميقِ الحَادِثُ الجَلَلُ |
قدْ فارَقَ الأَرضَ والأَوحالَ مُبْتَسِماً |
حَيَّاً هُناكَ نَأَتْ عَنْ صَدْرِهِ العِلَلُ |
سَما هُنَالِكَ لِلْعلْياءِ فَازَ بِها |
مَعَ الصِّحابِ إِلى الجَنَّاتِ قَدْ رَحَلُوا |
صَلَّيْتَ فَجْرَكَ تَشْدو اللهُ غايَتُنا |
لا خَيْرَ فِيمَنْ بِغَيْرِ اللهِ قَدْ شُغِلوا |
صَلَّيْتَ ثُمَّ سَرَجْتَ الخَيْلَ مُنْطَلِقاً |
نَحْوَ العُلا بِالْمَلا الأَعْلى سَتَتَّصِلُ |
وَكَشَّرَ الحِقْدُ عَنْ أَنْيابِه وَقِحاً |
وَذَاكَ شَأْنُ بَني صَهْيونَ مُتَّصِلُ |
ظَنُّوا بِسَفْكِ دِماءِ الشيْخِ راحَتَهُمْ |
فَصَفَّقُوا فَرَحاً بِالخَطْبِ وَاحْتَفَلُوا |
وَأَعْلَنوا دونَ دَسٍّ أو مُوارَبَةٍ |
بِأَنَّهُمْ لِحِبالِ الشَّرِّ قدْ فَتَلُوا |
ظَنُّوا بِسَفْكِ الدِّما يَبْنونَ أَمْنَهُمُ |
الواهِمُون عَنِ التَّاريخِ قدْ غَفَلُوا |
واللهِ ما زَادت الأَحْداثُ أُمَّتَنا |
إِلاّ ثَبَاتاً وَتَزْكُوا بِالدِّما المُثُلُ |
أما تَرَوْنَ فِلِسْطيناً وَقَدْ خَرَجَتْ |
كَمَوْجَةِ السَّيْلِ لا خَوْفٌ ولا وَجَلُ |
أَما تَرَوْنَ الشَّبابَ الغُرَّ قَدْ خَرَجُوا |
في وَجْهِهِمْ يَبْرُقُ التَّصْميمُ والأَمَلُ |
تَوَعَّدوا الشَّرَّ أَياماً مُزَلْزِلَةً |
يَرْتَجُّ فيها كَيانُ الشَّرِّ يَنْخَذِلُ |
يَسْقونَهُ الرُّعْبَ كَأْساً مِنْهُ مُتْرَعَةً |
فَهُمْ لَهُ المَوْتُ والكَابُوسُ والعِلَلُ |
يا آسِري وَجْهُكَ البَسَّامُ مُعْجِزَةٌ |
كَأَنَّهُ البَدْرُ بِالأَنْوارِ يَكْتَحِلُ |
فَأَنْـتَ حُـبٌّ وَإِيمـانٌ ومـرْحَمَةٌ |
وَشُعْلَةُ النُّورِ فِيها الليْلُ يَغْتَسِلُ |
مَامُتَّ يا والدي يا قامَةً سَمَقَتْ |
وَالمُرْجِفونَ مِنَ التَّارِيخِ قَدْ أَفَلُوا |
هَذِي حَماسُ مَضَتْ في الدَّرْبِ ثَابِتَةً |
مَاهَمَّها سُقْمَ مَنْ خَابُوا ومَنْ ثَمِلوا |
هَذِي حَماسُ تَرَى التَّصميمَ مَنْطِقَها |
وَبِالعَزيمَةِ فِيها يُضْرَبُ المَثَلُ |
يا وَالِدي لَسْتُ أَرْثيكُمْ فَأَنْتَ هُنا |
حَيٌّ وَذِكْرُكَ بالآمالِ يَتَّصِلُ |
إِنْ كُنْتَ فَارَقْتَنا شَكْلاً فَلا عَجَبٌ |
فَكُلُّ مَنْ فَوقَ هِذِي الأَرْضِ مُرْتَحِلُ |
لَكِنَّ رُوحَكَ تَبْقَى دائِماً وَهَجَاً |
في دَرْبِنا تَسْتَحِثُّ السَّيْرَ تَخْتَزِلُ |
قدْ عِشْتَ عُمْرَكَ طَوْدَاً شَامِخَاً جَبَلاً |
وفي مَماتِكَ أَنْتَ الطَّوْدُ والجَبَلُ |
يا والِدي إِنَّني أَرْثي لِطَائِفَةٍ |
مِنْ أُمَّتي هَدَّها الإِرْجافُ والشَّلَلُ |
تَأْبى سِوَى الليْلِ تَحْياهُ وَتَعْشَقُهُ |
تَظَلُّ تَرْكَعُ لِلطَّاغي وتَبْتَهِلُ |
يا أُمَّتي طَلِّقي الأَوْهامَ لَيْسَ لَنا |
بَصيصُ نورٍ بِمَنْ خَانُوا ومَنْ خَتَلُوا |
تَمَرَّدِي وَاكْسِرِي طَوْقَاً حُبِسْتِ بِهِ |
دَهْراً فَقَدْ حَانَ مِنْكِ الجِدُّ والعَمَلُ |
عُودِي إِلى اللهِ لا تَبْغي بِهِ بَدَلاً |
كُلُّ البَـــلاءِ إِذا مَاحُكِّمَ البَدَلُ |
عُودِي يَعُدْ لكِ عَرْشُ المَجْدِ ثَانِيَةً |
وَمِنْكِ تَنْهَلُ ذِي الدُّنْيا وَتَغْتَسِلُ |
يَارَبِّ ثَبِّتْ فُؤَاداً عَاشَ مُحْتَسِباً |
يُعْلي وَيَرْفَعُ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ |
يارَبِّ جَنِّبْهُ زَلاَّتٍ تُحيطُ بِهِ |
فَالكَيْدُ يَعْظُمُ والتَّضْليلُ والدَّخَلُ |
يارَبِّ وَارْزُقْ عِباداً فِيكَ قَدْ وَثِقُوا |
وَآمَنوا بِكَ صَانوا العَهْدَ وَاحْتَمَلوا |
ارْزُقْهُمُ رَبِّ جَنَّاتٍ تَطِيبُ بِها |
نُفوسُهُمْ ، فَهُناكَ الأُنْسُ يَكْتَمِلُ |