مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ﴿17﴾ صم بكم عمي فهم لا يرجعون ﴿18﴾ أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين ﴿19﴾ يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير ﴿20﴾
أخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله تعالى :"مثلهم كمثل الذي استوقد نارا" إن أناساً دخلوا في الإسلام عند مقدم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة ثم نافقوا،فكان مثلهم كمثل الذي كان في ظلمة فأوقد ناراً فأضاءت ما حوله من قذى ، وأذى ، فأبصره حتى عرف ما يتقي، فبينما هو كذلك إذ طفئت ناره فأقبل لال يدري ما يتقي من أذى، فالنور هو الإيمان، والظلام هو الكفر.
أما قوله تعالى :"صم بكم عمي فهم لا برجعون" فهم لا يسمعون الحق ولا يرونه ولا يقرون به، فهم لا يرجعون إلى الإيمان ولا بعبدون الواحد الديان.
وقوله تعالى :"أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين"
عطف الله هذا المثل على المثل الأول، أي مثلوهم بهذا أو بذاك المثل، والصيب هو المطر الذي فيه ظلمة ورعد وبرق يكاد بصوته يخلع القلوب ، والكفار يجعلون أصابعهم في أذانهم واهمين أن ذلك يحميهم من الصواعق، فهم أيضاً لا يقبلون الهدى ويغلقون آذانهم عن سماعه ، والله محيط بهم قادر على أن ينزل صواعقه عليهم.
وقوله تعالى :"يكاد البرق يخطف أبصارهم، كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير"
جملة مستأنفة لشرح حالهم عند ذلك الرعد ، فهم من خوفهم يكاد أي يقارب البرق يذهب بأبصارهم ، وهممع ذلك يمشون بين ظهور البرق وبين سكونه، حتى إذا سكن البرق وأظلم وقفوا حائرين لا يعرفون سبيلا، والله تعالى قادر على أن يذهب بسمعهم وأبصارهم فهو القدير الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء