احتراقات على أقدام بغداد
شعر: يوسف أحمد
هنا الأهوال تصطفقُ
هنا يتدحرج القلقُ
هنا تذوي ورودُ الأمسِ والتاريخُ
والإنسانُ والقانونُ
والفِرَقُ
---
هنا الأطفال يزدردون طعمَ الخوفِ والوجعِ
ويصطخبون في دوّامة الألغام والهلعِ
يهدهدهم زفير النارِ في أرجوحة الفزعِ
هنا الأطفال من أحلامهم
سُرقوا
----
هنا شيخ يقود خطاه عُكّاز
وتكبر في رجاحة عقله الموزونِ ألغازُ
تلملم جسمَه المنهوكَ أربطةُ الجراحِ الكُثْر
ينثره على الطرقاتِ
مَنْ نَزعوا فتيلَ اللغم وانفجروا
لكي يتعاظم الفَرَق
--
هنا امرأة على أشلائها تقفُ
تضرّجها شظايا البيتِ والأبناءِ والسّدُفُ
وحِقدُ قذيفة فَجَرتْ وما انفجرتْ وظنّتْ أنها الهدف
تولولُ... تستغيثُ اللهَ... ترتجفُ
وتُشهِرُ صوتَها وجَعَا:
" أيا ... يا أمّة المليار
ما من فتية صدقوا
هنا بغدادُ أمُّ الكونِ
في بغدادَ
تحترقُ "
---
هنا تتلونُ الأزهارُ من دمِنا
وتلبس ثوبَها المحمرَّ
من أوراد فتيتِنا
وتسفحُ دمعَها القاني
وتختنقُ
هنا تتفجر الأنهار من دمنا
وتنطلقُ
هنا بوابةٌ للموت مشرَعَةٌ
تُفَتِّحُ ثغرَها الأخدودَ
تَسْتَفّ الورى زُمَرَا
إذا ما أفصح الشفقُ
---
هنا صبحٌ يشابهه سوادُ الليلِ
حين تمرّ حافلة
وحين تمرّ قافلة
وحين تمرّ ثاكلة
وحين يدمدم الأرقُ
----
هنا الأقتابُ والأحشاءُ والأحزانُ
تندلقُ
هنا نعش يلي نعشا يلي نعشا
كأنّ عراقنا المقتولَ مَقْبَرة
بها يتلبد الأفقُ
---
هنا موتٌ يقودُ الموتَ
قنبلةً
تدمدم في جنازاتِ الذين مَضَوْا
وتنثرُ في الفضاءِ المِلْحِ
سنبلةً
من الألغامِ
تسكبُ حقدَها المجنونَ في أجسادِ
من صاموا ومن صلّوا
ومن في أرضهم زُرعوا
ومن في موكب " المأمون " قد ظلوا
هنا تتهاطلُ الأجسادُ والمِزَقُ
--
هنا موت يقود الموت
مِقْصَلَةً
تَلوكُ مفاصلَ العلماءِ في نَهَمٍ
تطاردهم عصاباتُ الذين طَغَوْا
تُحَزْحِز جِيْدَ من سُكنوا بحبّ الحبّ
واحتضنوا صفاءَ القلبِ
وافتتنوا بنجدةِ " قبَّةِ المعراجِ "
مذ وُلدوا
وما ذلت لهم عُنُق
--
هنا المليارُ يصطفّونَ لا حولٌ ولا قُوّة
تدور بهم فضائياتُ عصرِ المالِ والشهوة
تمازحهم تُناكِحُهم وتنهب منهم النخوة
هنا المليار قد سكنوا
هنا سجنوا
هنا دفنوا
هنا المليار في بغداد
من بغداد
قد صُعِقوا