أيتها الأخت الكريمة نبض الإيمان ..
جميل ما كتبت.
ثم إنني أود بهذه المناسبة - ومن باب التذكير أيضا - أن أسرد لك شيئا من تفسير ظلال القرآن لسورة البروج وتلك الحادثة المؤلمة التي تعرضت لها الفئة المؤمنة لا لشيء إلا لأنهم قالوا ربنا لله.
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ، وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ، وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ، قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ، إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ، وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ، وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ، إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ، إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ، إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ، وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ، ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ، فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ، هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ، فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ، بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ، وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ، بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ، فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ)
يقول سيد قطب في تفسير قول الله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ)
إن الذي حدث في الأرض وفي الحياة الدنيا ليس خاتمة الحادث وليس نهاية المطاف . فالبقية آتية هناك . والجزاء الذي يضع الأمر في نصابه , ويفصل فيما كان بين المؤمنين والطاغين آت . وهو مقرر مؤكد , وواقع كما يقول عنه الله:
(إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات). . ومضوا في ضلالتهم سادرين , لم يندموا على ما فعلوا (ثم لم يتوبوا). . (فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق). . وينص على(الحريق). وهو مفهوم من عذاب جهنم . ولكنه ينطق به وينص عليه ليكون مقابلا للحريق في الأخدود . وبنفس اللفظ الذي يدل على الحدث . ولكن أين حريق من حريق ? في شدته أو في مدته ! وحريق الدنيا بنار يوقدها الخلق . وحريق الآخرة بنار يوقدها الخالق ! وحريق الدنيا لحظات وتنتهي , وحريق الآخرة آباد لا يعلمها إلا الله ! ومع حريق الدنيا رضى الله عن المؤمنين وانتصار لذلك المعنى الإنساني الكريم . ومع حريق الآخرة غضب الله , والارتكاس الهابط الذميم !
ويتمثل رضى الله وإنعامه على الذين آمنوا وعملوا الصالحات في الجنة: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار). . وهذه هي النجاة الحقيقية: (ذلك الفوز الكبير). . والفوز:النجاة والنجاح . والنجاة من عذاب الآخرة فوز . فكيف بالجنات تجري من تحتها الأنهار ?
بهذه الخاتمة يستقر الأمر في نصابه . وهي الخاتمة الحقيقية للموقف . فلم يكن ما وقع منه في الأرض إلا طرفا من أطرافه , لا يتم به تمامه . . وهذه هي الحقيقة التي يهدف إليها هذا التعقيب الأول على الحادث لتستقر في قلوب القلة المؤمنة في مكة , وفي قلوب كل فئة مؤمنة تتعرض للفتنة على مدار القرون .