مدونة رقم (1)
تتجمع الصور والتراكيب في رأسي على شكل مجموعة .. وأحيانا على شكل مجموعات بيد أن تلك الصور والتراكيب تعمل عمل المنجل على عنقي .. لا تتركني ألقط أنفاسي إلا حين أصب جام الدماغ على الورق . .. ليس صحيحا أن الكاتب يستطيع أن يصب كل شيء على الورق ..
فما يتبقى في فمه وذاكرته أكثر مما يكتب وأكبر مما يُحس ..!!
كل ذي أصبع أصبح يخالف أصبعه.. وكل ذي كوب أصبح يخالف كوبه ..
فالقهوة تبشّر بالحرارة ونجد الفنجان يحبل بالبرد
غواص ٌ أنا أحب الغوص في أعماق الآخرين وفي فناجين قهوتهم لأكتشف غور الفنجان .. أحب أن أرى ماهية القهوة بأم أصبعي .. ألمس اللزوجة .. المرارة .. الحلاوة .. أي شيء .. المهم أن أنظر بعيني إلى ما وراء الكلمة وما وراء العبارة وما وراء الشاشة التي تقبع خلفها امرأة مثلك تحادثني : )
لست ميالاً لوضعية بحث الأمور على طريقة المطارق لا أحب أن أكسّر الأشياء ولكنّي أحب أن أمتزج بها وأتكاثف فيها أتكاثف حتى المناطق التي تؤدي إلى العطب إلا أني لا أعطب : )
لأني لا أتعامل بردود الأفعال .. ولا أفكر تفكير الأطفال .. لهذا أعرف كيف أصلحها : )
والناس رجلان : رجل عينه في عقله وأخر عقله في عينه ... وأنا الأول : )
بعض الأشياء تحمل مرارة الفأس والتهشيم .. وبعضها الآخر تتحدث بحروف نقيدة لدرجة السذاجة .. وبعضها الآخر لا يملك الميزة ..
إلا أني أعلم دائما ً أن الدفعات الجديدة من القهوة .. خاصة قهوتك تحمل لي كل الأشياء دفعة واحدة ، الحنين / الأمس / الغد / الفلسفة / علم المنطق / علم الاجتماع / علم الكلام / علم الرجال / علم النساء / الإنسانية / الأمكنة ، ورغم أن الاقتراب من جميع الأشياء يثير العديد من التساؤلات والمخاوف في نفسي إلا أني أجيب بكل شجاعة ما دام الفنجان الذي أمامي " "
مدونة رقم ( 2)
من فضــــلِ الله عليّ أنه منّ عليّ بأحبة ٍ يساعدوني دائما على تحمّل مرارة الأشياء .. مرارة القهوة ، مرارة الحياة ، مرارة الأحياء ، مرارة الأحداث ... ومن هُنا ومن هذا الفنجان الذي سأشربه الآن سأكتب وأقول أني أكتسب الحلاوة في كل مرة ٍ أدخل فيها إلى قهوتك .
أصبحت سكرا ً والقهوة لا تعرف شيئاً عن السكر إلا حين نشربها لا تعرف شيئاً عن الآخرين ، عن ذائقتهم ، عن عدد القطع التي يريدونها ، عن الكمية ، عن استشهاد الحجم فيها ، عن مقياس المرارة والحلاوة التي يريدونها .
القهوة لا تعلم شيئا ً إلا حين نطعمها ، هي لا تستطيع أن تتذوق لا مجازا ولا حقيقة أفكارنا وأقدارنا وطعمنا وكلماتنا التي تنمو في الفم واللسان إلا حين نومئ بلساننا فيها .
القهوة التي أمامي الآن لا تسمع الأخبار .. رغم أن صوت التلفاز على آخره ، ولا تسمع مقطوعة تشايكوفسكي التي سمعتها قبل قليل حتى تقطّعت أذني ، هي لا تعلم أني وأنا أشربها أقول " يا صبر أيوب على بلاوه " : ) لا تعلم شيئا لذا أنا أعذرها وأغفر لها مراراتها، وأخفف عنها بأن أسكبني فيها ..
القهوة لا تعلم أن مجالسنا تضم أناسا لا يعرفون في الشهامة شيء ولا في الأخلاق شيء ولا في البلاد المصابة بالرذيلة شيء ، هي لا تعرف أن كل ذي شيء أصبح يخالف شيئه ، هي لا تعرف أن الأقدام التي كانت تسعى للخير أصبحت اليوم تسعى للدسائس : ) القهوة لا تعرف عن مدى مرارتنا شيء ، لذلك هي تغطي جهلها السافر بأن تصطنع المرارة لتدّعي أنها مثلنا مشمئزة ومتواضعة وطيبة ومرة لتنطلي علينا الحيلة ونشربها . : )
أيضا القهوة لا أعتقد أنها سمعت بأناس وقفت معهم كثيرا حتى ماتت أقدامي ودافعت عنهم كثيرا حتى انتحرت سهامي ، القهوة لا تعرف شيئاً عنهم ، القهوة أخطأت حين فكّرت أني أحبذ النفخ في القراب المقطوعة ، ولا أعتقد أن ثقافتها أهلتها لتعرف أني أحب في الله واكره في الله ، ثقافتها لا تؤهلها أن تعرف أن أسباب الخلاف حين تزول تزول معها أحقادي ومواقفي .
القهوة أصبحت مترفة التمثيل والمرارة هذه الأيام ورغم أني سكّر إلا أني أصطدم ببعض الفناجين الغارقة بلذة اللسع ولذة الشيطان ولذة الكبر شتّان أيها الأحبة بين قهوتنا وقهوتهم ، بين من تقول له كل الفناجين " يا الله " وبين ما تقول له الفناجين " يا ثقلك "
أنا أفتخر بأني أنا أنا وبأن قهوتي هي أنا وبأن قهوتك هي أنت ِ أنا أفتخر أننا لا نخالف عرف المبدأ ولا عرف الفكرة ولا عرف القرار ، أنا أفتخر بكل شيء إلا بالكاذبين والخائنين والآكلين السحت ، والتابعين لمبدأ " لا نريد ان نتعلم " . أنا أفتخر جدا أننا نشرب نفس نوع القهوة مع اختلاف حجم الفنجان.
لذلك ...
عندما أنوي أن أسلّم قهوتي لأي لسان ٍ كان فهذا يعني أن أقوم برميه من على مرارة ٍ ذات سبعين طابقا دون أن أعلم هل سيحفظ اللسان مرارتي أم سيقتلها ؟صعب أن تشرب القهوة مع إنسان يخاطبك من وراء الوراء أو أصبح معرضاً للوضوح السافر ، صعب أن تشربها وأنت لست متيقن من سيكسب المصارعة الحرّة ( الحرارة أم البرودة) ؟ الدفء أم الصقيع ..؟ صعب
قهوتي تحتاج للمزيد من الهال و في السبعينات كان الهال رخيصا ونقيا ً .. وفي أواخر التسعينات عاد الهال إلى الحياة بصورة لا ترضيني صورة تشبه الأوضاع الداخلية في لبنان الآن .
ومع هذا أواصل شرب الأوضاع قبل أن تبرد ... .. : )
سأشربها بين سحّاب الأدخنة والسيجار المحترق ... . على صورة ِ محارب من الطراز القديم ............................
ما زالت تتسرب رائحة القهوة ..........أتعلمون........ لم أقع في غيبوبة رغم أن القهوة لاذعة ، ورغم أنها يضفي علىّ طعم الصحوة التي تحتويني الآن .
أيضا لا أحب شرب القهوة على طريقة التيك آوي .. لذا نفضت الوقت جانبا وجلست ارشفها بهدوء ومرارة ..........
مستعدون لكل هذه المرارة ...
أم أنكم ستكتفون بمرارة جرعات الطرق الغير لائقة ..
ومرارة الليالي المشيّعة بالعناء : )
ومرارة الروتين ...
هيا لا عليكم ... دعونا نشربها ... دون سكّر .. ونحبس آثار الدّخان في الفنجان ..
دعونا نجعل القهوة تئن حينما نشربها بهمّة فارس بعد عطش ٍ شديد عثر على بئر ..
إليكم بتعليمات الشرب :
تزودوا بجرعات من الرشفات الغير لائقة لكي لا يهرب الكافيين منكم..
تزودوا بآثار الحرارة ....
لم أنته ِ بعد ..
اشربوا بجرأة تصوروا أنكم في الصحراء حين تجعل الفارس يموت من وهم السراب
دعوا الذائقة تمتلئ ... بقوة ..
لم أنته ِ بعد ..............
يقولون أن قهوتنا عابثة وغير عابئة بما حولها، وأقول صحيح هي لا تعبأ باللون الأسود ما دام بطن الفنجان لم ينتفخ ..وما دام يتشقق عن لون ٍ أخاله الأبيض صحيح ....! وما دام لم يتفجر إلى اشلاء تنال من فم قهوتنا مقتل : ) ..........
يُشاع أن السقوط في اللذة من الأعلى إلى الأسفل دائما = الموت ..
هل تشعرون بأي مغص أو علّة لأنني أشربها من الأسفل إلى الأعلى دون أن أموت ؟!!
هكذا الأمر ببساطة
( اللذة أحيانا تتمرد ولا تستسلم للحاجة فتستبيح الذائقة ) ...............
فمي هذا لم ينتصر ولا مرة ...
إلا ........أنه أبدا لم يعبأ بضحكات الفناجين لأن لسانه لم تهزمه حلاوة ...
وتلك اللجة التي كشفتم أسنانكم عنها علمتني أن لا أقع فريسة لفنجان أراد خدعي . : ) !!...
الآن في عالم الحياة ...
تعرف أفلام جديدة ..
حتمًا تستطيعون أن تذهبون بشفتين واسعتين تزدادان وسعا لترون البطل الذي تضج له القاعة بالتصفيق .... ولسانكم يتطلع بكل قرف إلى شخصه لأنه رفض أن يسلّم العقل كفّه ليحفر عليه " علامات الله "
هكذا الحياة ....
لا بد أن نفقأ بها افلاما كثيرة حتى لا نصاب بالعمى الفجائي وتداخل الألوان وتشابكها : ) .....
مدونة رقم (3)
البارحة ... أيتُها الأرض المباركة .. عدت الى غرفتي الصغيرة متأخرا ً فاستقبلتني عند الباب شجرة ...غرستها في قلبي سريعا ثم تنفست الياسمين وزفرت خمس عشرة زهرة ....
لم يصبني الملل .. ولم يقتلني الحر ..
أنظري معي ..
هذه ساعة غرفتي بدأت بعد الوقت من جديد ...
شحنات النور بدأت بإضاءة حبري ..
اللغة بدأت تكتبني بحروف هيروغليفية لم يعرفها حجر رشيد ...... وتعرفينها أنتِ ... وأنا .. والمحارب القديم .. والمحاربة القديمة التي ستستفيق بعد حين ....على صوت فنجان يتحطم من وطأة الحرب..!
...... يقولون أن عقلي يختلق أشياء كثيرة لتكون مركز تسلية ..
ماذا عن محارب مثلي ... هل عليه ممارسة الاختلاق حتى لا يمل ...
خطأ ...
المحاربون القدامى لا يختلقون الأشياء فهم يتمتعون بالأخلاق الحميدة حتى على أرض المعركة ..
يرددون الأشعار .. ويحملون السلاح .. وعندما تظهر المعرفة أمام أعينهم كالصباح يتنفسون النسمات ويتسللون إلى النصر ...
أتعلمين أيتُها الأرض ... لم أعد أتذوق طعم القيء ..والرائحة الكريهة التي كانت تنبعث من القطط والكلاب المتشردة .. لم تعد تثير اشمئزاز أنفي ... فنافذتي لم تعد مغلقة ..
والرياح تعسكر في رئتي بكل طمأنينة والشهيق صار في مستوى الجودة والزفير ضاهى البرد والسلام ......
ودائما ........... في الهزيع الأخير ....
أصلي الهزيع أن تظل معرفتي محاطة بالأحلام ...فالمحارب دون سلاح ووعي كالسيف دون نصل ... كالدنيا دون سقف ...
هل هذا كثير .............؟
حسناً ..
لم أعد ألبس( بيجاما) ..
لم أعد أشرب قهوتي الخالية من السكر ...
لم أعد أقرأ الجريدة في الصباح ..
هكذا تخلّقت حياتي في شكل آخر .. يقهر الروتين ...
ولم أعد أعبأ بردود الفعل ... وقانون القوة والقوة المضادة ..
حتى صياح الديك لم يعد يحرك في رأسي ازعاج.. ..
والأحداث التي كانت تقتلني في السابق لم تعد الآن تخدش في اصبع قدمي ظفر .
مدونة رقم ( 4)
ها هوالآن يعود إلى الحياة ...
محارب قديم ينضم إلى فريق النفع العام بداخلي ...
ويصر على إقامة معسكرات السلام لخارجي ..
" كنت أسمع عن أناس ٍ يسقطون كل يوم من الأعلى ليموتوا ...
لم أصدق هذا النبأ يوما
فالصقر لا يسقط إلا ليعيش ولا يتعثر إلا ليقوم .. ولا يغيب إلا ليأتي كالدهشة .
لم يبرد عقلي بعد ... لم يبرد... وهأنذا وبكامل اناقتي اللفظية وبكامل فصاحتي اللغوية .. وبكامل ياقاتي الفكرية ..وبكامل ذائقتي الحسّية أقول : " هناك المزيد "
مدونة رقم ( 5 )
الحديث الذي يجمعني بهم ليس مجرد دردشة ٍ عادية بين أثنين من الأصدقاء ثالثهم رابعهم ، أو ثلّة جمعتهم صدفة ، وليس مجرد طقطقات تُخرجها أسناننا عند الحديث ، فنحن حديث من نوع أخر ، حديث لم يخرجه الترمذي ولم يروه البخاري ولم يصلحه أحمد، ولم يصدر عن ابن طفيل ، ولم يُروى على لسان ابن رشد ولم يكشف دورته ابن النفيس ، ولم يأت ِ في مخيّلة ولاّدة ، ولم يسقط في جغرافيا الإدريسي .
أنا ...
... صعدت ُ لوحدي دون نسخة ٍ أخرى اُحضرُها للحياة .ولا مرارة . وجلست ُ ناحية ً ثمَّ محوت ُ السطرين اللذين خطّهما الزمان في كتاب ذاكرتي ... نفضت ُ الغبار والأدخنة من على ّ ثمّ بيّضت ظلامي ومشيت بأنفةٍ وكبرياء ٍ ككل المحاربين القدامى العائدين للحياة .. حدّثت ُ نفسي عن المنازل .. والدواب .. والمنابر ... والقبور .. ورحت ُ أسترجِع ذكريات حصاني ومصاعب الركوب .... كان كل شيء ٍ صامتا ً كئيبا ً أصفر ...! حتى التّوجه ...
تمرّ القوافل من حولي أحدها للبيد وأحدها ليزيد وأحدها لسجاح .. وأحدها للبرّاض وأحدها لتأبط شرّا .......
واحدةٌ فقط من بين كل من رأيت شهق النور فيها وبرق .. واحدة فقط كانت تمر في زاويةٍ من زوايا الحسين ............... قالت: " فلتقفل صاعدا معنا " ........! فقفلت )) ! .
و
... فراشة ٌ واحدة راحت تقطع المسافات معي تحلّق بين كتفي وكتفي ... وتجلس في ديوان شعري ... وتقرضني قرضا ً حسنا ً من العاطفة والاهتمام ... كانت دائما تغرّد أنها هَوت من ذات ِ العمارة التي هويت أنا منها ... كانت أخاذة وساحرة وهي تحدّثني بأساطير ٍ عن فتاة ٍ ستحلّق ذات يوم ٍ جنبي .... لتأخذني إلى سرير الخلافة .......!
هل صدق حدس عرّافتي الفراشة ......؟...... ْ ...
..كذّبت .... عمّوريّة التي سقطت سنة ِ ثلاث وعشرين ومائتين ظن العرّافين ...........وصدق تاريخي ، صدق حدس عرّافتي العرّأفة !! ...
قلت لها : ... ليس على ّ بأس ما لم يكن منّي بأس <>
قلت لها :....... لا أدري في أي طعمٍ تغرّقين قلمك لتمنحين لساني خلعة من ذوق.... !!
... الآن أشعر أني تصدقت بطعمي وتطوّعت بدمي الذي لا أملك غيره لفقراء الدم والطعم مثلي ... !
كيف ستحفظ لغتي الطعم وأنت ِ لوحدك ِ طعم أخاذ الذوق... ؟!!!!
معرفتي ....... ِ.
حينما أدخل إلى محراب حرفك أكون بجبّة ٍ من صوف ٍ وحين أخرج منك أشعر أني مرتديا حمامة وسلام .......!
....
إنّأ مخلدون بالمعرفة يا عقلي بالمعرفة .