الطبيعة الإنسانية
منذ الأزل والناس تشغلهم قضية هامة اسمها الإنسان فالعلماء اهتموا ودرسوا تكوينه الجسدي وجميع الأجهزة الموجودة داخل جسمه وانتهوا إلى نتائج وآثار كثيرة تكشف ظواهر علمية عديدة
والفلاسفة أيضا شغلوا بالعالم الداخلي للإنسان فعملوا على دراسة نفسيته وما يصطرع فيها من دوافع وغرائز وميول وأفكار ومعتقدات ومبادئ وبذلك استطاعوا جميعهم كشف ما هو ظاهر معلوم وغامض مجهول في النفس البشرية.
واليوم نجد قضية هامة تشغل حيزا هاما من تفكير الكثيرين وهي قضية الطبيعة الإنسانية فالإنسان منذ أن ولد طفلا ومنذ أن وجد على سطح الأرض وجدت معه الفضيلة وولدت معه المعاني الإنسانية الأخلاقية المثالية كالصدق والحب والإيمان فاذاولد طفل ما في بيئة ومكان ما ونما وترعرع وحده دون أن يحتك بغيره من البشر ودون أن يؤثر فيه أحد ويعلمه حقيقة الوجود وحقيقته عندئذ نجده ينظر إلى ما حوله مندهشا مستفسرا عما يحيط به من أرض منبسطة وسماء مرتفعة وأشجار وأنهار وثمار ويبدأ بالتساؤل : من أوجده؟ من أوجد ما يراه...؟..لابد وأن يكون أحد ما أشرف على تنظيم هذه الأرض وتنسيقها فأصبحت هكذا جنة رائعة جميلة.....
ومن هنا يولد في قلبه الإيمان بمبدع هذا الكون العظيم الرهيب فتنشأ علاقة ودية بينه وبين الطبيعة لكونه وحيدا فيحبها بكل ما فيها من جمال وخيرات ويشق الحب والإيمان طريقه إلى قلبه
والآن نجد أسئلة تلح باستمرار وتبحث عن الجواب..!!!
ترى لماذا حين يكبر هذا الطفل وينمو يموت الحب والصدق والإيمان من قلبه..؟؟..!!!
لماذا تموت هذه المعاني الأخلاقية الحقيقية وتندثر..؟؟.ترى هل للمجتمع أثرا في هذا؟؟هل نحمله وزر الجريمة التي انتهينا إليها..أي جريمة انعدام الأخلاق والمعاني الإنسانية الجميلة التي عرفها ببداية حياته وبفطرته السليمة ...
الذي يلفت النظر هو أننا كيفما اتجهنا نجد الأنانية والحسد والكراهية والكذب مزروعة في أفئدة البشر وتصرفاتهم فتصبح شعارها الوحيد في الحياة الذي يضمن لها البقاء والاستمرار....
كيفما التفتنا نجد أنفسنا ضمن دائرة الاختيار...كل من حولنا يدعونا للاختيار لنستطيع التلاؤم مع الناس والعيش في قوقعتهم المليئة بالتناقضات والسلبيات فتراهم يحبذون الكذب ويستعملونه في حياتهم ومعاملاتهم...يرفضون الصدق ويتهمون من يتعامل معه بالغباء والسذاجة..يقيمون المرء بشكله الخارجي لا بداخله ومعدنه...يقومون بأعمال الخبث والرياء وينكرون طيب الخلق والأمانة...
حقا لقد وضعنا في دائرة للاختيار صعبة جدا نقف أمامها حائرين بين الصدق والكذب...بين الحب والكراهية...بين الإيثار والأثرة ..بين صفاء النفس والخبث...ضائعين نحن بين الحق والباطل وبين الحقيقة والوهم
لقد تعددت المفاهيم السلبية والايجابية في مجتمعنا فأيها نختار؟؟
أي طريق نسلك..؟أنتجه للخير أم للشر..أننحاز للطريق السوي أم الأعوج..طبعا للطريق السوي هكذا يقول العقل ولكن كيف نستطيع التلاؤم مع الناس وهم الأكثرية..لا بد سيكون الصدام عنيفا..!!
تساؤلات عدة تطرح أمامنا وتبقينا هكذا عرضة للحيرة والضياع..
أنجاري من حولنا أم نرفض .؟أنكون مثلهم أم نأبى..؟؟ وهكذا إلى أن نجد أنفسنا ننساق مع تيار الأكثرية فنتجه طائعين مرغمين وهمنا الوحيد العيش والحياة والاستمرار ولكن الحياة والعيش يتطلبان تلاؤم فكيف نصل إليه والتناقض قائم بيننا وبين ما يسود في مجتمعنا من أفكار وتصرفات .. نحن لا نقوى ولا نستطيع الانسياق مع تيارهم وهم يتمادون في تحطيم كل ما هو جميل وسامي ..
يكذبون ويخدعون ويغو صون في برك الأنانية العميقة المظلمة فتتلوث أفكارهم وتسوء أعمالهم وما من منقذ يساهم في إخراجهم من قوقعتهم المليئة بالأمراض والأوبئة التي تنهك أجسادنا وأجسادهم وتزهق أرواحنا وأرواحهم وتلوث أفكارنا وأفكارهم
هم يأبون الإخلاص والصدق لأن نفوسهم قد تشربت من نقيض ما يدعون إليه فلقد وجدوا في الغش والخداع والخيانة ضالتهم التي تؤمن لهم مصالحهم وتفيد غاياتهم وترضي غرورهم
ترى هل بإمكاننا أن نتجاهلهم ونعيش بمفردنا مع مبادئنا وآراءنا وأفكارنا وأحلامنا المثالية في العيش والتعامل بالفطرة السليمة الصحيحة التي فطرنا الله عليها....
ترى هل بإمكاننا أن ننسى هذه الكتلة السوداء من المجتمع راضين بما وصلنا إليه ..مقتنعين بان الناس هكذا ولن نستطيع تغيير واقعنا الميئوس منه...ترى هل سيبقى الناس هكذا للنهاية دون تبدل أو تغير تتقاذفهم أنانيتهم وشهواتهم هنا وهناك
إنني على يقين من أننا لن نستطيع نسيانهم وتجاهلهم فالناس إخوة وان تناسى بعضهم واجباته تجاه غيره وتجاه مجتمعه وأنهم قد فطروا على طبيعة طيبة خيرة ولابد
عائدون إلى جادة الصواب وطريق السلامة ولو بعد أمد.