وِحْدَتي تَفْيضُ منّي
شعر : معين حاطوم – دالية الكرمل حيفا
يَتَرنَّحُ اٌلعقْلُ
يَتَمَايَلُ راقِصاً
على إيْقاعِ اٌلوحْدَةِ الٌمعذّبةِ
يفْقِدُ صَحْوَتَهُ
عَلى شِفاهِ اٌلكِؤوسِ واٌلغيْدِ
وَيَتَأبَّطُ شِعْراً
في زَمَنٍ
لا يُضيءُ للشِّعْرِ سِراجٌ
وَلا يَنْبَلِجَ لَهُ صُبْحٌ.
يَذوْبُ في مِقْلاةِ اٌلحواس ِ
كَزَبَدِ اٌلأيائِلِ
في قيْظ اٌلصَّحَارَى اٌلكُبْرى
وَيَسِحُ عَلى شِفاهٍ ذِئْبيَّةٍ
فَتَلْحَسَهُ كَقطْرٍ يَنزُّ مِنَ اٌلحلْوى.
فَتَصيْرُ عَناقيْدُ اٌلكَرْمِلِ
نَغْمَةً..
تُدنْدِنُها شِفاهُ اٌلَمَسَاءِ
حَتّى يَرْشَحَ دَمْعُها خَمْراً
في ثَغْرِ اٌلإدْراكِ اٌلُمعتَّقِ باْلحِكْمَةِ
فَتنْسَكِبُ جَنائِنُ الياسمين
بِكلّ ِ أغانيْها اٌلَمسَائِيَّةِ واٌلصَّباحِيّةِ
في شُقوْقِ اٌلجِراحِ
لِتُطهِّرَها كَكُحولٍ شَفَائيةٍ.
-ماذا يَقوْلُ اٌلجُّرحُ؟
ماذا يَهْمِسُ؟
في هَذِهِ اٌلغفْلَةِ اٌلحَضَاريَّةِ!
- آتوْني بِرِضابِ عذْراءَ
أكْتُبُ بِهِ حِرُوفَنا الأبجَدَّيةِ!
آتوْني بِحَنان اٌمْرَأةٍ
لمْ تَتَهمَّشْ بِهِ اٌلرّقَّةُ
ولمْ تُشوِّهْهُ اٌلأطْماعُ اٌليوْميَّةِ!
آتوْني بِحبّ ٍ
انْصَهِرُ فيْهِ حَتَّى اٌلتَماهي
وَينْصَهِرُ فيَّ حَتّى اٌلتَوحُّدِ
دوْنَ أنْ نَتَشوَّهَ
دوْنَ أنْ نَتَغيّرَ
وَدوْنَ أنْ تَذْوي فيْنا
أحْلامُنا اٌلورْديّةِ!.
يَتَرنَّحُ اٌلعقْلُ فأصْبِحُ حَانَةٍ
تَنْهَلُ اٌلجِّراحُ عَلى مَوائِدَها
خَمْرَها اٌلدَّمَوي
حَتّى تَجُنَّ
مِنْ دوَّامَةِ اٌلسُّكْرِ
فَتشْرَعُ تَقيء الألمَ اٌلمُخْتَمِرَ
في خَوابي اٌلنّفسِ
عَذاباً مُلْتَهِباً
فأتَلوَّى ...أتلوَّى
مِنْ طيْفِكِ اٌلهارِبِ مِنْ بُعْدِهِ إلىَّ
أتَلوَّى....
مِنْ بَسْمَتِكِ الغارِبَةِ عن ثغْرِكِ
لِتشْرِقَ في مَهَاوي
أشْواقيَّ اٌلدّامِسَةِ
فَأصيْحَ بِحشْرَجَةٍ مُتيَّمّةٍ:
آتيْني بِصوْتِكِ اٌلكناريّ
كَيْ أُرِّمَمَ بِِهِ ألَمي
أسْمِعيْني هَمْسَكِ
كي أهُذِّبَ بِهِ عَذابيْ
فَها وِحْدَتي تَفيضُ مني
تَسِحُّ شفَّافَةً
فَلا أحدَ يَراني
مُتَسلِّلاً إلى مَجاهلِ اٌلحَدَسِ
مُدوْزِناً أوْتَارهُ
عَازِفاً بِهَوَسٍ عاتٍ
علَّ أحداً يرْقصُ أو يَتَرَّنمُ
ٍفي هَذا اٌلليْلِ اٌلصَّنَميّ
في هَذا اٌلعُمْرِ اٌلجّيْريِّ اٌلُمتَفكِكِ
الراقِدِ في إحْفوْراتٍ أَثَريَّةٍ
كَهيْكَلٍ عَظْميّ ٍ
ابْتزَّهُ اٌلزَّمَنُ
وَسجَّاهُ بِطَبَقاتٍ أرضَّيةٍ
علَّ أحداً
يَتَرنَّحُ
فَيَصُمُّ هَذا اٌلعِواءُ الثّلجيُّ
في مَغائِرِ اٌلذَّاتِ اٌلرَّاكِدَةِ
المُسْتلْقِيَةِ
كَهيْفاءَ حَسْناءَ لَعوْبٍ
تَتَسفَّعَ عارِيَةً
بَعدَ أنْ لاْبَتْ وَتَلوّتْ وَتَذبْذَبتْ
كَزَعَانِفِ سَمَكَةٍ مِغْنَاجٍ
تَرَكتْ اٌلبحْرَ مُنْهَكاً
راغِيَاً مُزْبِداً
حَتَّى اٌسْتَوى خانِعاً......!
يَتَرنَّحُ العقْلُ!!!
صوت:أيُّها اٌلطّيرُ
شَدوُكَ كصوتِ حبيبي!
أيُّها اٌلطيرُ يَنْقصُكَ الصوتُ
أيها الطيرُ ينْقُصَكَ حَبْيبي
عَلى سَواحِلِ اٌلشّهْوةِ
ريّانَةِ اٌلرِّمالِ اٌلحرّاقَةِ
يَنْطوي حَوْلٌ مِنَ اٌلأنْفِلاتِ
وَيمْضي زَمَنُ اٌلتَسيّبِ
في مَراعي اٌلضِلالِ
تَحْتَ ظِلالِ اٌلنّزْوَة اٌلمتَمرِّدةِ
أتَراقَصُ
أتَدحْرَجُ
أتلوْلَبُ
كَبهْلَوانِ اٌلقُصُورِ اٌلمَلكيةِ
رُغْمَ تَصلُّبِ اٌلهِمَّةِ
بِكلِّ اٌلزِّيوتِ اٌلمُشْبَعَةِ وغيرِ اٌلْمُشْبَعَةِ
بِالجّوعِ اُلمكْبوتَةِ حَوامِضَهُ
بِمَهاوي اُلخِموْلِ اٌلتّقْليْدي.
يَمْتَطي اُلخَيالُ ثَوْرَةَ اٌلجُموْحِ
وَلا يَكْبوْ فَزَعاً
مِنَ وَطأةِ اٌلكُهوْلَةِ اٌلخامِلَةِ
فَما زالَ بِذْرَةً تَشُقُّ جَوْفَ اٌلأرْضِ
وَجَذْراً يتَصدَّعُ مِنْهُ اٌلصّوانُ
أيَّتُها اٌلأرْض
تَسلَّقي جُنوْحي نحْوَ اٌلسّماءِ!
أيَّتُها اٌلأرْضُ؛
إمْتَطِ نَشْوَتي نَحْوَ اٌلشّمْسِ!
فَإنَني أبْغي اٌلضّوءَ!
إنَّني أبغي اٌلضَوءَ!
تَتَملْمَلُ اُلعَتْمَةُ تَقزُّزاً
مِنْ عِشْقيَ اٌلمسْحوْرِ
لِلأبْعادِ اٌلضّوئيّةِ
تَدُسُّ اٌلأسْرارَ في جِرابِها اٌلمُظلِمِ
وَتَنْسلُ خَلِسَةً
إلى أخاديْدِ بُؤْسيَّ اٌلحَزيْنِ
تارِكَةً خَلْفَها ذِئاباً تَعْوي جُوْعاً
في نَهاراتِ اٌلدُّنْيا اٌلعاصِفَةِ
حِيْنَ تَرنَّحَ اٌلعقْلُ وَتَرنَّمَ...
صوت:-أيَّها الزّورَقُ شِراعُكَ يُرفرِفُ
كأهدابِ حَبيبي
أيَّها الزّورَقُ تَنقُصُكَ الأمواهُ كَي تُبحِرَ
أيَّها الزّورَقُ يَنقُصُكَ حَبيبي!
كأنكِ مَساحةُ مِنَ اٌلزَّمنِ
تَزلَّجَ عليْها حُلُمي
كأنكِ رُخٌّ انْقضَّ مِنَ عَلٍ
فأنْشبَ مِخْلباً في الٌروْحِ
كأنكِ سِرْبٌ مِنَ الآيائِلِ
إرْتَعتْ خُضْرَةَ اٌلعيْنيْنِ
وَكَلأَ اٌلمهْجَةِ
كأنَّكِ اٌلريْحُ
كأنَّكِ اٌلرّيْحُ عَتَتْ في صَيْفي
كأنَّكِ وَجَعٌ أيْنعَ دوْنَ جِراحٍ
فَلا عِقاراً يّهدئه
وَلا بَلْسَماً يشْفيه
كَأنَّكِ يا خَمْرَةَ روْحي
كأنَّكِ مَطَرٌ هَطَلَ بعْدَ جَفَافٍ
فَارْتَوَى اٌلقلبُ
وَسَكِرَ اٌلعقْلُ حتَّى تَرنَّحَ
كَأنَّكِ...كأنَّكِ فَيْضُ اٌلوِحْدَةِ
في مَآقي اٌلوَلَهِ!
صوت : أيتُها الريحُ
أيتُها الصَّاعِقَةُ العاتيَةُ
اعصِفي في قَلبي كَحَبيبي
قاسِيَة أنتِ أيتُها الرّيحُ
تَنقُصُكِ الرّقَّةَ
تَنقُصُكِ حَبيبي!
أمسَى أَلمي شَرنَقَةً
زَحَفتْ في أنابيْبِ اٌلحُلمِ
اٌلنَّاضِبَةِ
مِنْ لهْفَةٍ أوْ شوْقٍ أو تَمنّي
سَرَقت مِنْ حُلُمي جَناحيْهِ
حَمَلتْني وَرفْرَفتْ طائِرَةً
نَحْوَ ضَواحي حَنانِكِ.
أيَّتُها اٌلشَّارِدةُ في بَساتيْنَ اٌلرُّحِ
كآيائلِ اٌلبراري اٌلكرْمِليَّةِ
طارِحي عَذابي اٌلجريْحَ
بِلَطيْفِ اٌلعِناقِ
فَمَنْ أسَى إدراكِهِ يَتَهادى
عَلَى مَشارِفِ اٌلغيْبِ
أعْمىً
كَسيحَ اٌلرؤيا
عَاجِزاً
ثَمِلاً
يَبْحَثُ عَنْ مَأْوَىً كوْنيٍّ
للْعَجَزَةِ اٌلمُقْعَديْنَ
كَيْ يَسْتَكينَ
عَلَى مَقَاعِدِه اٌلْحَجَريَّةِ
مُنْدَثِراً
بِبَوَاتِقَ نَهَمِ اٌلسّنيْنِ
صوت:
أيّها المُسَافِرُ في شَفَافِيةِ الحُلمِ
أيّها المحلِقُ حَتَّى أقاصي التَمنّي
حُط عَلى مَدارِجِ المُهْجَةِ المُشعَّةِ
عَلى سُحنَةِ لَيْلَكَ الابَدي
فَلَكَ القَمَرُ
لَكَ الشّمْسُ
لكَ أنا
فَلنْ يَنقصُنا إلاّ أنتَ
لَنْ يَنْقُصُني إلا أنتَ
وِحْدَتي تََفيضُ مِنّي
مِنْ بَينَ شَفَتيِّ كَرْمِلي اٌلفتَّانِ
يَلحَسُها اٌلعقْلُ مُتَلذِذاً بِسحْرِها,
مُتَرنِّحاً.
بَعْدَ اٌلآنَ
لنْ يَصْحوَ مِنْ سَكْرَتِهِ
لنْ يصْحوَ مِنكِ!!!
-