من وسط بيداء يعجز الوصف أن يصف الهجير بجانبيها ، وكأنها شمس تحمل إبنها ، وأنا ذلك الإبن المدلل بالدفء بل بالحر من خافق الأم الحنون ، من وسط بيداء أنا ، وكأنها تلاوين السماء ساعة عند المغيب وساعة عند الشروق، وهي في كل حال تحمل بين قسماتها سحراً بهياً كأنها قطع من التعاويذ القديمة.
بدوي من وسط الصحراء أنا ،من سلالة تربة حملت النبوءات القديمة كلها ، من أصل يعرب حيث صالح وناقته ، والنبي وعصبته ، وأنا الذي أيدتهم، وحملت أسيافي الصقيلة كلها ، ونثرتها في وجه أعداء الإله ،وأنا ابن المجذر البلوي الذي صارع الفرسان من روم وفارس ، وصلى صلاة النصر في محراب كسرى.
بدوي أنا والصحراء لا تلهب أضلعي ، رغم هجيرها حيث عذب الحبشي ما زال يحمد ربه ليهزم بالتوحيد أمية المغرور في مكة البلد الطهور.
بدوي أنا ، حتى وإن صاغوا من الضياع قنابلاً تُرمى علينا من عل ، حتى وإن تأمرك البعض من الأعراب صاغوا من الأوهام جوقتهم ، حتى وإن حملوا الصليب أو حموه ، وأنشدوا للسلم في زمن الحروب ، والسلم ليس سوى شعارات تترجم واقع الخذلان ، الصحراء تلعنهم وتلعن كل من باع الهجير.
الصحراء ترتل براءة كلما شق صوت صمتها ، صوت عذراء ببغداد تدفع الأغراب عن شرف وتقتل دونه .
الصحراء تعلن أنها كفرت بأمريكا التي قالت بأنها تأتي إلى الصحراء حتى تصحح خطأ الإله !!! ، يا ويحكم ....هل يخطيء الرب العزيز المقتدر ؟!!!!!! حاشاه لكنكم زيفٌ وعما قريب سينقشع الضباب.
الصحراء تملك أمرها ، فهي الغنية لا بالأسود المرهون أصلاً للعذاب ، هي الغنية بلونها الشمسي وأبناء لها لا زال في دمهم دماء الأنبياء.
الأنبياء .....؟!!!! حتى وإن غابوا فهم الإضاءة في الحياة ، هم الفضائل في الوجود ، وهم الذين يعلمون الأتقياء ويدفعوهم للأمام بيارقاً تعلو تفوز وتنتصر.
الأنبياء ، هم معجزات الرب يظهرها لكل مكذب بالرب ، لكل طاغية ويغرقه إذا ما علا في الأرض فليحذر الطاغون زلزلة من معجزات الرب تمحقهم وتجعلهم رماد.
الصحراء لا تلهب أضعلي ، فاتركني هناك حيث اعتزل الغفاري وصاغ من الزهد مدرسة ، يهدي للكون تعلق القلب بما عند الإله.
الصحراء تبعث في نفسي الكثير من التريث ،أعلم حينها أن الحكمة منبعها الصحراء لا روما ، منبعها فكر الأجلة قبلنا لا فكر سقراط وإن كنت لا انكر السقراط.
الصحراء ترعى من آتاها عاشقاً ، وكأنها حسناء تتركه يهيم بها ،وينشدها القصيد مع كل إطلالة للشمس إن صلى على جسدها الغض صلاة الفجر ثم أهدى نفسه الإشراق.
الصحراء تعلن غبطة إن علا صهيل الخيل فوق ترابها ، تعلن فرحة حين تعكس سيوف الحق إشعاعاً من الحق على ثراها ، تعلنها انتصاراً إن أفاقت جنود يعرب من سبات الغفلة الحمقاء .
هذه تراتيلي ، وأحلامي وألامي وأمالي ، لا زلت أعلم أن الصحراء في قلبي روضة غناء وأن فيها جنوداً أوفياء أتقياء.