الأمسية الثانية
اليوم هو اليوم السابق لليوم الموعود لأمسية الأديب السعودي الحجازي ابن البلد (يحي باجنيد) لمناقشة أدب الحكاية الشعبية المروية باللهجة الحجازية , غدا سأدخل قاعة كانت بالنسبة لي هي المجهول والسر الخفي والتي أصبحت شيئا من المعلوم المحسوس ,ولسان حالي يقول ( حقابله بكره ..حقابله بكره) . أفكر بالأمر مذ عدت وأدعو الله تعالي أن يمن علي بأن يكفيني شر العوارض.. ملتحقة هي محدثتكم بدورة الكورت وهذا أمر يتطلب دوام رسمي يومي ( في عز الإجازة ) من الثامنة صباحا حتى الواحدة ظهرا , لأعود فأنشغل بواجبات الظهر الزوجية . يعني الرجل لابد أن يأكل وهذا جهد تدركه النساء جيدا حين تعدن من العمل لتنزعن ثيابه المثقلة بالتعب , وترتدين المريلة وتغصن في الثلاجة لاستخراج الأعباء , ثم تجرجرن أرجلهن المصفدة بويلات الدوام لتقابلن لهيب البوتجاز . وبعد ذلك (بالنسبة لي) أعمال البحث وأخرى . طبعا لم أنم جيدا وأصبحت في صباح اليوم المنشود مجهدة ولابد لي من الدوام بمركز التطوير لمحاضرات الكورت .. أتحامل على نفسي .. وأترك الفراش بعد صلاة الفجر كي لا استغرق في النوم (تروح علي نومة) وتضيع معلومات الكورت لذلك اليوم وبديهي ألا يعيد المعلم ما فات لمن غاب .. طبعا استعنت بعد الله بالمستقبل الإخبارية (الحمراء ) , وكوب كافي ميت بالنسكافية (أحب الكافي ميت ملعقتين والقهوة ع الريحة!!!) , والعمل على إدراج البيانات في برنامح الـspss , و يارب افتح علي ويسر لي الأمر وأعني على سلطان النوم .. حتى إذا ماشارف الموعد خرجت لأدرك الجامعة .. وهناك يارب يارب يارب .. وهكذا حتى مرت الساعات الخمس .. طبعا أوقات بانفعال ذهني وتفاعل مدرك , وأخرى بشرود إما للسرحان وحياكة نسيج من الرؤى والأحلام , وإما للنوم مع إظهار اليقظان .. وقد أفيق على تساؤلات لا أجد لها إجابة من قبل المدربة الجميلة .. ياللا .. النوم سلطان.. ( قررت تقدير ساعات نوم تلميذاتي خلال المحاضرات أكثر
) .
انتهى اليوم عدت لمقابلة الواجبات الظهرية .. تأبى عيني النوم , يقظ حسي جدا , متوثبة هي كل مشاعري ,فهجرت سريري وعدت لأتابع الأخبار .. والعمل البحثي حتى صلاة المغرب .. نشطت كمن لسعته عقرب .. انتفضت .. تجهزت .. أنجزت أعمالا تحتاج لإنجاز , وبين أنا كذلك أذن لصلاة العشاء (حي على الفلاح ) .. حضر السائق .. هرعت للحمراء للنادي الأدبي الثقافي .. لاحظت أن هناك لوحة وحاجز عند المدخل الرئيسي .. كتب على اللوحة .. الصالة النسائية بالأعلى .. بيني ونفسي (حديث) لكننا كنا في المرة السابقة في الدور الأرضي .. لم اقتنع
دخلت من البوابة الرئيسية وإذ بالصالة ليس بها إلا رجالا يتأهبون لصلاة العشاء وامرأة تقف أمام كشك بيع الكتب .. فقالت لي فوق .. بدا في عيني تساؤل , أجابت أنا أنتظر الأخ المسؤول ليفتح لي الكشك لشراء بعض الكتب ( أها) .. فهمت , سألتها كان هنا رجل مصري فاضل أظنه السكرتير , قالت نعم : مضى ليجلب المفتاح انتظريه إن شئت .. قلت أفعل .. وما هي إلا ثواني حتى جاء وفتح لها . قلت (ممكن لحظة) , فقدم مبتسما , قلت هل لي بخدمة , فأجاب أنت التي جئت هنا المرة السابقة وهو يبتسم , قلت نعم , قال (أؤمري) , قلت (مايؤمر عليك ظالم ) فقط خذ هذه النسخ واعطها للأستاذ السريحي والأستاذ عبده الخال وفلان وفلان , قال أفعل , لكن أقول لهم ممن قلت (د. ندى إدريس ) اسمي مكتوب , ثم تنبهت فقلت وهذه نسخة لحضرتك فتألق فرحا وحمدت الله الذي هداني لاستدراك غفلتي في تجاهله , وهممت بالخروج للباب الخارجي لبلوغ الدور الأول , فإذ به يناديني يادكتورة تعالي واصعدي بالمصعد سيأخذك بالمقلوب لكن خذي يمين في يمين فتصلي . فعلتُ ذلك بعد شكره للطفه , ووجدت نفسي مجددا في أروقة لايقطنها غير مفرزي هرمون التستستيرون , وإذ بآخر يناديني مبتسما .. سيدتي من هنا ومضى بي لناحية بها باب موصد , وطرق الباب , قلت مابكم تأخذوننا تارة لأسفل وأخرى لأعلى؟! , قال والله حسب رغبة النساء , ثم قال ابتعدي قليلا فسيفتح الباب تجاهك فحاذري أن يصيبك, لطيف مهذب
فتح الباب , دخلت , فوجدت سجادة بسطت للصلاة فصليت العشاء وانضممت للنسوة .
دخلت امرأة ممتلئة وقارا ونباهة واتزان وثقة وفخر , قعدت بجواري فاليوم كنا حول المستديرة , ثم أخرجت كتابا وناولتنيه , فتناولته وقلت مبتسمة , هاك أيضا ديواني الأول فتناولته , ورحت اقرأ مافي خلفية الكتاب بعد تعرفي على الاسم كانت الكاتبة (عائشة زاهر) وهي مشرفة تربوية , ومناظرة دولية من خلال البرامج الإذاعية حول علاقة الإعلام بالعنف مع الكاتب المصري الأستاذ عبد التواب يوسف والمخرجة المصرية زمزم إسماعيل العام 1425 هـ وقد تم بثه على مختلف الموجات الإذاعية بالدول العربية .. كان اسم الكتاب ( لاتكن ضد نفسك) , وبينما كنت أتحدث إليها تدافقت الأديبات والإعلاميات وكانت من بينهن الإعلامية ( حليمة مظفر) , ودارت نقاشات وحوارات قيمة وراقية حتى أزفت الآزفة وظهر الأستاذ عبده الخال .. نعم عبده الخال الذي حيا ورحب بالضيف والحضور وترك مساحة للمنظمة في القسم النسائي للبدء فقد اتضح أن منظمي الأمسية (هن) وليس (هم ) .. ثم أعادوا إليه الميكرفون فتحدث وأسهب في سيرة ضيفنا العطرة ومناقبه .. كان يحي ! .. وكم كان جميلا متناغما طروبا منتشيا بالحكاية .. فبدأ بالثناء على الأنثى وأثرها في تكوين الحكايا وعكف على رأس أمه التي أصرت على الحضور ليمطره بوابلٍ من القبلات بكلماته الحنون , الممتلئة بشجن الشجون , ويضع أكليلا من الامتنان عليه ويدعو الله أ أن يحفظها له ويصون .
دندن أستاذنا عشقه للمرأة فقال وأشجى , أنا أميل للنصف الثاني من الأمسية (قاعة النساء) وموّل موالا عذبا حرك المشاعر يحكي فخره واعتزازه بأن الدعوة كانت من صاحبات الدلال وربات الغنج والجمال) , وتابع الغريد بوحه شاديا .. وجودكم يزعجني , يقلقني , يرعبني .
يااااااااااااااه عملاق بحق !!!
فالمرأة هي النخلة التي هزتها مريم فتساقطت عبر فم الحياة رطبا جنيا .
حدثنا عن أيام دراسته بإيطاليا , وكيف أنه كان بالقرب من معهده معهدا للأزياء ,راح يعرج عليه للاستمتاع بهذا الفن ( بالفن وحسب
) ثم حدثته نفسه بالالتحاق لكنه تراجع حين مرت بذهنه السستة , والبنسة , وصولا لطقطقة اللبانة, وحركة الأصابع ونعومة اللسان , فاكتفى بالمشاهدة ليحظى بالأمان .
وتابع الساخر الطروب قائلا : الحكاية أنثى , الشمس أنثى , الرواية أنثى , مثلما الفتنة بجمالها أنثى , الجاذبية أنثى , الأرض أنثى , الضحكة أنثى , البسمة أنثى , فأضاف آخر عن بعد (والمصيبة أنثى
), (شوفوا بس غيرة الرجال) .
مضى في تواضع يقول ستكون دردشة مدعيا أنه ليس مخولا بجعلها دراسة عن الحكاية..وراح يصدح . ياالله ما أجمل طريقته في الحكاية .. يعيشها يحسها,يتحسسها , يتنفسها, يعشقها , يلمس نبضها , يشاهدها فتشاهدها معه بأدق أدق تفاصيلها وأوضح صورها وموسيقاها التصويرية ,مصطلحات حجازية قديمة أفلت , كنا نسمعها حين كنا صغارا من الجدة والجد والجارات والوالدة . تحدث عن طفولته ومعلماته الأوليات (دادة سعادة , أستيتة سعدية بكُتاب البغدادية ) , حدثنا عن الأم وأدب الحكاية وكيف كانت تقص وتتقمص وتصور الانفعال ( بنت زي القمر تقول للقمر غيب وأنا بدالك نقيب ) .
همس همسا ضج بروحي (اللي ماعنده أم حاله يغم) ياااااااااااااااه .. لطالما كانت ترددها أمي على مسامعي .. رحمة الله عليك يا أم أحمد (اشتهت روحك الرحمة )
ثم راح يحكينا وكأنه ( يقول .. وحدوا الله .. فنجيب لاإله إلا الله , فيثني واللي ذنبو كبير يستغفر الله .. فنجيب استغفر الله ) , رحم الله جدتي ميمونة هكذا كانت تبدأ ورحم الله أمي .
حكايتنا المختارة عن أم البنات التي كانت لا ترى إلا حبلى وإحدى يديها على خاصرتها وتجر بالأخرى طفلا .. وحين كانوا صغارا يسألون عن السبب الدائم لانتفاخ بطنها كانت الإجابة من الأمهات ( ليلاتي تاكل حبحب , يوماتي تاكل حبحب )
كانت الحبحباتية مرتبطة بزوج آتاه الله بسطة فاحشة في الجسم وفظاظة في الخلق فكان مداوما دواما كليا بالكركون , وهذا المكركن .. أقسم على أم البنات أن إذا جاء الحمل السابع بنتا سيطلقها ويأتي بشاطرة تنجب له الولد !
وجاء يوم الميلاد .. وانطلقت الغطاريف , وهو أمر غير معهود في مثل هذه الأوضاع , في بيت أم البنات !!؟, حدث أمر .. قد جاء عبد الجبار , وتبخرت معه أحلام أم البنات في الخلاص من الزوج النكد. ومر الزمان (البنات اتعلموا , وعبدالجبار دشر , مات أبو البنات بعد أن ورث العائلة شي من ريحته , ولم يقطع الولد عادة المرحوم في ملازمة الكركون .. وحبة فوق , وحبة تحت) .
بعد أن انتهى اعتذر فلربما أطال , ولسان حال النسوان يقول (كمان , كمان )لكن للرجال أقوال ورؤى تقتضي ما لانريد من الأفعال ,فأُوقف الغريد , وبدأ التنسيق للمداخلات بين القاعتين , بدأت مديرة القسم النسائي ومنظمة الأمسية وداعية الأستاذ يحي, الأستاذة (نورة القحطاني) بأخذ الأسماء لتنادي للمداخلات , وقالت النساء وقال الرجال , ومن هنا وهناك , حتى استقر طائر السعد على أغصاني فقالت د.ندى إدريس
وقالت المنتشية حتى الثمالة بنت إدريس..
أسعد الله المساء
سعادة الأستاذ النبيل والأديب الجليل , ذو الذوق الجميل والإبداع المتلأليء كبريق نجمٍ بحالك ليل .. يحي .
لتحيا .. وتحيا .. وتحيا .
حقا , حقا , حقا , أنت مدهش , وهرم مثلك ليس بحاجة لرأي من هي مثلي ولكني أقوله لآنس به مع نفسي وأتباهى على وجداني حين أخلو بذاتي.
معك حلقت روحي في سماواتٍ من جمال , واستغرقت مشاعري في الذكريات بين صمتٍ وحنين وبكاءٍ وأنين .. ورحم الله رامي إذ يقول :
كيف أنسى ذكرياتي وهي أحلام حياتي = إنها صورة أيامي على مرآة ذاتي
حملت الماضي بعبق الامتنان , وأريج العرفان , حلقت بنا لبيت جدي والخالة والعمة وستي ميمونة واستيتة فتو وخالة سعاد , في شجنٍ عذب , وانسيابٍ رطب , لامس القلوب بحس مرهف , وتصوير عاشق متيم .
فهِمنا عبر تلك الصور في آفاقٍ لاحدود لها من الدهشة لرقيٍ راق , وأداءٍ رقراق .
سيدي : شكرا لأنك هنا , وشكرٌ أشمل وأجمل لوجودك في الحياة .. فلله الحمد لمنه الذي لايحد , فأنت بحرٌ لايعرف الجزر , فهو مدٌ في مدٍ في مد .
دم كما أنت جميلا متألقا فطنا ذكيا , طروبا , منتشيا .. لنطرب )
علق الأستاذ الخال .. يبدو أن الأستاذ يحي قد عرف كيف يكسب رضا النساء
ثم قالت لي من بجانبي .. هذه زوجه .. أديبة الحكاية الرائعة (د.زهرة معبي) فالتفت إليها وقلت عفوا لكن زوجك جميل والحسن مستفز .:NJ:
قالت وهي تبتسم رضى .. إن للإنسان من اسمه حظ .. كلماتك كانت كاسمك .
كم راقت لي .. متألقة جميلة كزوجها .
ثم توالت المداخلات وكانت ليلة بألف ليلة وليلة وكانت حلوى الحضور (تسجيل صوتي لحكايات ممثلة بعنوان : رضية وحسن النية ,في شريط يحمل اسم (حكيني) أدّاها كلا من الأستاذ خالد زارع العملاق والتاريخ الحجازي المعتق بعبير ذكريات الأمس وأحلام الطفولة وتوق الأمهات واستمتاع المتابعين لطلته أو رنة صوته (ربوع بلادي علينا بتنادي تقول تعالوا شوفوني ياولادي) يالرحيق الطفولة وعبق الذكريات , والممثلة الرقيقة فريدة عبد الستار , وكتابٍ له بعنوان (حسبنا الله ) اللطيف المدهش برقي ملفت أني لمحته بأيدي السيدات فقلت لزوجه من أين أحصل عليه ؟ قالت إنه هنا , وقامت بنفسها وجاءتني بنسخة سمعية وأخرى مقروءة , يالجمال الرقي وحسن التعامل والكرم.
وبعد أن انتهت أعاد الأستاذ عبده الخال لمشجينا الميكرفون , فأشجانا
بطربية قصصية أخرى , حملنا لسماوات وغاصت إيقاعاته بالوجدان فرفعت وخفضت وأضحكت وأضحكت وأضحكت وقهقهت ثم أبكت .. يااااااااااااااااااه
ثم مضى يجيب على جميع المداخلات بتواضع راق. داهمني الوقت وتجاوزت الساعة الثانية عشرة ومالت إلى النصف ,فالتفت لمديرة الجلسة قلت هل لي بسيديهات الأمسية قالت ..لا هي فقط للنادي!
قلت لكني مضطرة للمغادرة قالت إذا سلي الأخريات .. وبين امتناع وامتناع , وتمنع وتشبثٍ بالبقاء ,انتزعت روحي من قاعة الشجن وذهبت وتركت باقي الجمال يزهو على ضفاف الإبداع يتتابع كموج لا يعرف غير التوغل في الإمتاع.
على فكرة تابعوا برنامج المعلم في البرنامج الثاني بالإذاعة السعودية , واستمتعوا بحجازياته عبر مؤلفاته التي تحمل حكايات أهل الحجاز بإيجاز وإعجاز
واعلموا أن الرجل طاقات إبداع , صحفي ,تشيكلي , كاريكاتوري , كاتب , وأديب , حكايا!!! , وعضو في الجمعية الوطنية للمتقاعدين في أعمال بر لوجه الله صرح بها من يعرفوه , وأجمع جميعهم أنه له محب وعاشق ومتيم , رجل جميل بكل ما تحمله المعاني وعلى جميع الأصعدة.
لم يتبق معي نسخ من ديواني .. وكم أحببت أن أهديه , فقلت لزوجه أتأتين الأربعاء قالت وهي تبتسم وفي عينيها بريق أخاذ , إن أتيت آتي .. قلت وأنا أرفرف من الفرح ..بإذن الله آتي .
يااااااااااااااااااااااه .. أين كنا من هذا النعيم
بوركت اللجنة النسائية .. وكل من ساهم في إحياء الجمال وجعله ممكنا وليس بمحال.
كونوا بخير