نعيشُ أمْ نتعايش , نُخَالَطُ أمْ نُخْلَطُ , نُصَافَحُ أمْ نُصْفَعُ , نُدَارِي أم لا نَدْرِي .. لا يستوي الحالُ بين طبقاتِها ,, كمبانٍ تفاوَتتْ طُولاً كلّما شمَخَ أحدُها زادَ سترُ ساكنهِ كما أنَّ الهَوْيَةَ منهُ أشدُّ وقعاً مما هو دُونَهُ .. هي الحياةُ مَنْ ترفّعَ علَتْ عَنْ ملذَّاتِها مكانتُهُ وتكشّفتْ أمامَهُ الدُّنيا , تتّسعُ آفاقُهُ وتتعمّقُ رؤيتُهُ , ومَن تَوضَّعَ بِشهواتِها دنَتْ مَكَانتُهُ وَتَغشَّاهُ غُبارُ السَّفَهِ , يَمْضي مُترنِّحاً في أروقةِ الأيّامِ متّكِئاً عَلَى جدرانٍ هشَّةٍ لا تَقَوَى عَلَى خَطْفَةِ رِيحٍ , يَهَلَكُ عنقُهُ بَينَ إشْخَاصِ تَمَنٍ وَ رُنُوِّ حسْرةٍ , يَصْطَبِحُ وتُمسي في عينيهِ حشرجةُ الكَسَلِ تُمضمِضُ فمَهُ بالتثاؤبِ وتغسلُ وجهَهُ بزفراتِ النعاسِ , ويَتَمسَّى لا عينٌ تقرُّ ولا قلبٌ يَأْبَهُ ..
كَمْ هو الحالُ مقرفٌ بأصحابِهِ , وكم هو بَهيجٌ بهم , فإذا أردتَ فيئةً تستظلُ فيها ولقمةً تسكتُ صِيَاحَ بطنك , فتلكَ البذرةُ وهذا الترابُ , أمْ تُريدُ جَنَى الدنيا ما شئتَ يأتيك طَوْعاً , تاللهِ مَا كانتِ الجنَّةُ عظيمةً إنْ حسِبتَ هذا فِي دارٍ تُيمّمُ نَحْوَ الفناءِ .
لِمَ يداك ذراعانِ وراحتانِ وأصابع , ولِمَ قدماكَ هُيِّئتَا لتقفَ وتخطوَ وتقومَ وتقعُدَ , وعيناك مخروزتان تستقطبَان كلَّ ما هو أمَامَك , وَرأسُكَ المُكوّرُ وما بداخلِهِ من بياض والذي يسعُ أنْ يستقطبَ فلسفةَ الدنيا الرحيبةِ إليها ..أظننت هذا عبثا أمْ حسبتهُ لهواً ..
مَالِهذه الدنيا أكلَّما أمٌّ قرأتْ ابناً وَلّتْ عَليهِ شَارعاً أوْ أولتْهُ دُميةً
حَتّى يَستغلِمَ لا يفقهُ شياً فيغدو نابذاً للكُتبِ معادياً للقلمِ إلا ماكانَ للتّربّعِ على عرش الجيب ..
- أقول لك باختصار : إن منْ يعلك لبانة جهله لا يرى قيد أنفهِ ليس كمنْ يعلك ذيل يراعه شاخصاً في حرفٍ يلهثُ باحثاً عن قطرةِ فكرةِ تسقي ثقافتَهُ لِتُنبتَ ثمارَاً يُلْقِمها أخلاقَ أمَّتِهِ .