قراءة نقدية في قصيدة " تلاقينا " للشاعر د. عمر هزاع ، ودعوة للنقاش :
القصيدة ، القصة ، الزمن
د. عمر هزاع
هذه ورشة نقدية مفتوحة حول نص الشاعر عمر هزاع ، والنص قصير ، ولكنه مفعم بالشجن ، والعتاب ، والتوهج الشعري ، وليسمح لي القارئ أن أفتتح هذه الورشة ، من خلال عرض النص ، ثم قراءتي الأولية عنه ، وندعو الجميع أن نتعاور هذا النص ، الذي يثير في أعماقنا الكثير : زمنا ، وعاطفة ، وحوارا .
النص :
و تلاقينا ..
,,,
وَ تَلَاقَينَا - بَعْـدَ عِشْرِيـنَ مَـرَّتْ -
وَ تَلَاقَـتْ نَظْرَاتُنَـا , وَ اسْتَـمَـرَّتْ
شَهَقَتْ - إِذْ شَهَقْتُ - فَالصَّوتُ رَجْعٌ
بَينَنَا , وَ اسْتَجْـرَرْتُ مَـا اسْتَجَـرَّتْ
عَصَفَـتْ مُهْجَتِـي بِلَفْـحِ حَنِيـنِـي
فَتَحَـرَّيـتُ كَفَّـهَـا إِذْ تَـحَــرَّتْ
( عَشْرَةٌ ) - قَالَتْ - ( أَهْدَرَتنِي غِيابًـا
- بَعْدَ عَشْرٍ - صَارَعْتُهَا , كَمْ أَضَـرَّتْ
كَيفَ أَخْلَفْتَنِـي الوُعُـودَ ؟ أَنَـا لَـمْ
أُخْلِفِ الوَعْدَ ! ) , ثُـمَّ مِنِّـيَ فَـرَّتْ
فَاسْتَبَقْتُ الخُطَى وَ قُلْـتُ : ( رُوَيـدًا )
فَتَـوَارَتْ بِدَمْعِـهَـا حَـيـثُ دَرَّتْ
أَنْطَـقَ القَهْـرُ صَمْتَـهـا فَتَعَـالَـى
- جَهْرَةً - غَيظُهَا الَّذِي قَـدْ أَسَـرَّتْ
وَ اسْتَحَثَّـتْ بِحُزنِهـا ضَيـمَ نَفْـسٍ
وَ اسْتَثَارَتْها الأَيمُنُ الْـ: " قَدْ أَبَـرَّتْ "
وَ أَجَابَتْ : ( يَا خَائِنَ العَهْـدِ , سُحْقًـا
لَكَ , يَا هَاتِكَ المُنَـى ) , ثُـمَّ خَـرَّتْ
( فَانْظُرِ - الآنَ - كَمْ تَجَعَّـدَ وَجْهِـي
وَ إِلَـى فِـضَّـةٍ بِـرَأسِـيَ كَــرَّتْ
وَ إِلَى القَحْطِ فِـي بَسَاتِيـنِ صَـدْرِي
كَيـفَ أَذْوَيَتَهـا ؟ إِلَامَ اسْتَقَـرَّتْ ؟ )
( أَمْهِلِي ) قُلْتُ , رَدَّدَتْ : ( خَلِّ دَرْبِي )
فَتَهَالَكْـتُ - مُقْعَـدًا - إِذْ أَصَـرَّتْ
وَ مَضَـتْ , لَا عَلَـى نِدَائِـيَ تَلْـوِي
- وَيحَ قَلْبِي - وَ لَا عَلَى مَـا أَقَـرَّتْ
القراءة النقدية :
هذا النص زمني ، قصصي ، شديد الرومانسية ، عالي البناء ، رغم أنه يقف عند لحظة تتكرر في حياتنا كثيرة ، لحظة لقاء المحبوب الأول ، بعدما طوى الزمن سنين أعمارنا .
النص ذو بنية قصصية ، لأنه يصف لحظة شديدة القصر ، زمنها لا يتجاوز الدقائق ، ولكنه فيه العمر والعتاب اللفظي ، وعتاب الأعين والقلوب بعد تلاقيها ، وبناء النص القصصي تأتى من حوارية ، ممتزجة بالروح الشعرية الرقيقة ، مع حوار موظف بروعة غير مسبوقة في الشعر العمودي ، فالحوار يناسب شعر التفعيلة أكثر ولكنه هنا موظف ، ليقدم ما يسمى القص قصيدة ، يقول شاعرنا :
اسْتَحَثَّـتْ بِحُزنِهـا ضَيـمَ نَفْـسٍ
وَ اسْتَثَارَتْها الأَيمُنُ الْـ: " قَدْ أَبَـرَّتْ "
وَ أَجَابَتْ : ( يَا خَائِنَ العَهْـدِ , سُحْقًـا
لَكَ , يَا هَاتِكَ المُنَـى ) , ثُـمَّ خَـرَّتْ
( فَانْظُرِ - الآنَ - كَمْ تَجَعَّـدَ وَجْهِـي
وَ إِلَـى فِـضَّـةٍ بِـرَأسِـيَ كَــرَّتْ
هذا نموذج رائع للحوارية النصية ، والغريب أنه تم تعريف التعبير الشعري الحواري الـ ( قد أبرت ) ، ومُزِجت بالنص مزجا ، وهذا يحسب للشاعر لغويا ، كما تم مزج عتاب المحبوبة القاسي بقولها للشاعر " يا خائن العهد " ، وهو تعبير مكرر في أحاديث الأحباء ، ولكنه موظف هنا شعريا بشكل عال .
وما أجمل صورته :
أَنْطَـقَ القَهْـرُ صَمْتَـهـا فَتَعَـالَـى
- جَهْرَةً - غَيظُهَا الَّذِي قَـدْ أَسَـرَّتْ
فالصورة لم تطغَ على قصصية النص ، بل ساهمت في تبيان القهر النفسي للمحبوبة ، مع العلاقة الضدية بين : صمتها وأنطق وجهرة ، وهي ضدية متماوجة ، أو ما يسمى الضدية المتعددة في السياق .
إنها شاعرية متقدة