هل الحب حلالٌ أم حرام ؟
الحب أمر ليس باختيار الإنسان حتى يحاسب عليه‘ وقد رفع الله التكليف عن الإنسان فيما ليس له اختيار فيه‘ فالحب يدخل قلب الإنسان بدون استئذان‘
قال البعض هو اضطراري وليس اختياري فهو بمنزلة محبته للطعام وهذا ما لا يملكه الظمآن للماء البارد والجائع للغذاء‘
وقالوا العشق نوعا من العذاب والعاقل لا يختار لنفسه العذاب‘
فالحب هو هدية الله للإنسان حتى يستطيع أن يعيش به فلولا الحب لما تعايش الإنسان مع من حوله ولما تعايشت الكائنات مع من حولها , فالإنسان يحب أهله ويحب أصدقائه ويحب بلده ويحب الأشياء من حوله‘ فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينظر إلى جبل أحد وعيناه تبرقان حباً ورحمة ويقول ( جبل يحبنا ونحبه ) فقد كانت نظرات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للأشياء من حوله نظرة حب ورحمة ..
فالحب هو ذالك الرباط السحري الذي تتمسك به الأكوان انه روضة الحياة وأريجها الفواح وعطرها الذي تنتشي منه الأرواح وقد عرف علماء الكيمياء سابقاً الحب وأسموه بالإكسير , لأنهم كانوا يعتقدون أن هناك مادة أسمها الإكسير تحيل الحديد إلى فضة والفضة إلى ذهب ‘ وهذا هو شأن الحب فهو يحيل الرذائل إلى فضائل‘ فيحيل البخل إلى كرم والخوف إلى إقدام والجبن إلى شجاعة‘ ولهذا فحينما يحب الشاب العاطل ويخلص في حبه يصبح إنسان عامل معطاء‘ وحين تحب الفتاة الكسولة التي تحب النوم الطويل ولا تتقن فن الطبخ ولا العناية ببيتها‘ ينتشلها الحب من كسلها فتصبح فتاة تقاوم النوم الطويل وتسهر الليل في خدمة أطفالها‘ وتتفنن في المطبخ لإرضاء زوجها .. وهذا للأسف مالا يفهمه كثير من الآباء فهم يرون أبنتهم مازالت صغيرة ولا تفقه شيء من أمور الزواج فهي غير قادرة على مواجهة هذه الأعباء حالياً‘ ولو عرفوا أن الحب سيطور سريعاً من عقلها وطريقة تفكيرها‘ وسينقلها نقلة كبيرة وسريعة من فتاة لأخرى لما تأخروا كثيراً في تزويج أبنتهم ..
الحب الحقيقي هو الذي يحيل الإنسان الجبان إلى إنسان مقدام شجاع في سبيل ما يحب‘ وانظر المثل الذي يضرب في الجبن ويعزى للدجاجة‘ فهي تعتبر من أجبن المخلوقات تدرج وتمشي في خوف وما أن تجد دودة أو حبة شعير حتى تلتقطها مسرعة في أنانية مفرطة لمن حولها‘ وما أن تسمع صوت طفل حتى تعدو مسرعة ..
ولكن نفسها هذه الدجاجة ما أن تصبح أماً ويمتلك الحب حنايا قلبها‘ تصبح أكثر شجاعة وقوة وكرم‘ فتراها وقد أطبقت جناحيها وأفردتهما وهي تمشي ولا أشد المحاربين وصارت أكبر حجماً مما مضى وصار صوتها أكثر خشونة ولو أن تقدم رجل كبير وحاول أن يعتدي على كتاكيتها لدافعت عنهم بكل شجاعة وبسالة ‘ فتظل يقضه شجاعة , وهي تلك التي كانت أنانية‘ أصبحت الآن ما إن ترى حبة شعير أو دودة حتى تنادي على كتاكيتها (أحبائها) لتطعمهم وتظلل هي جائعة فقد تغيرت الأنانية عندها إلى كرم.
ولهذا قال علماء الأخلاق أفضل وأسرع طريقة لعلاج الرذائل هي الحب‘ فهناك طريقتان‘ طريقةُ الفلاسفة وطريقة علماء السلوك..
طريقة الفلاسفة :
يقولون أن تمسك خصلة من الأخلاق الرذيلة وتظل تعالجها على حدة حتى تنتهي‘ فمثلاً تأخذ صفة البخل وتظل تحاول علاجها بالصدقة والكرم والضيافة فترة من الزمن حتى تتخلص منها‘ ثم تنتقل للصفة الثانية وهكذا ..
طريقة علماء الأخلاق والسلوك :
يقولون إن طريقة الفلاسفة مجدية .. لكنها تحتاج لوقت طويل‘ ولكي يختصروا الوقت يقولون عليكم بالحب‘ مثل حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو أحد العلماء الربانيين لأن الحب سيصبح مثل المغناطيس‘ فلو كان لديك برادة حديد وقد اختلطت بالرمل‘ فمن الصعب أن تفصل الحديد من الرمل كل على حده وسيستغرق منك ذلك وقتاً طويلاً , ولو أخذت المغناطيس (الحب) لاستطعت في لحظة أن تفصل البرادة عن الرمل ..
إن الحب كحب هو من أجمل ما وهبنا إياه الله تعالى , وبالنسبة لما قصدته أخي السائل فأعتقد أنك تسأل عن حب وعشق الفتيات‘ فيا أخي الحب يدخل القلب بدون استئذان فلا حاجة للإنسان أن يبحث عنه عبر أسلاك الهاتف أو عبر خطوط الانترنت‘ لأن هذا ليس بالحب الحقيقي‘ وإنما هو هوى النفس وشهواتها وهي تزين لكم أخي وأختي ذلك على أن هذا هو الحب ..
الحب الحقيقي بين أي شاب وشابة هو الذي ينتهي بالزواج‘ ولا يستمر لأجل الاستمرار‘ أو ما يقوله البعض من أنه يجب أن نحب بعضاً فترة ونتعرف على بعض ثم نقرر بعد ذلك هل نحن صالحين للزواج أم لا ؟
أخي الكريم من خلال خبرتي بالحياة ومن خلال ما قمت من عمل ومن بحوث وجدت إنه كل ما طالت فترة الحب قبل الزواج باءت بالفشل‘ ولكي أوضح لكم أخي أختي الكرام أكثر ..
قبل فترة عمل بحث عن الطلاق في بلد عربي وكانت شرائح البحث من مناطق مختلفة‘ وكانت من النتائج المذهلة التي حصلوا عليها , أن أكثر من 90 % من حالات الطلاق كانت لأتفه الأمور ويمكن علاجها‘ والأمر المهم الذي نحن بصدده هو إنه سأل أحد المشايخ بإحدى المحاكم عن أكثر حالات الطلاق لتلك البلاد ما هي أسبابها فأجاب فوراً إن أكثر نسب الطلاق هي (غير المدخول بها) وحينما سُئل ماذا يعني ؟ قال يعني أن تظل البنت مخطوبة لسنتين أو أكثر وحينها ستبدأ الخلافات بينها وبين خطيبها وحبيبها وكل منهم يقرر إنه مازال على البر فينفصلون ويحدث الطلاق‘ وللأسف يعاملها المجتمع كمطلقة بعد طلاقها ويصبح نصيبها في الزواج مرة أخرى أقل بكثير من قريناتها ..
ما أردت أن أبينه لكم إخوتي أن الحب الحقيقي هو الذي ينتهي بالزواج وليس الحب لأجل الحب ولا يطول فترة طويلة لأنه كل ما طال أصبحت احتمالات نهايته كبيرة‘ هناك مثل خاطئ سمعته وهو (أن الزواج يقتل الحب) وهذا غير صحيح لأن الزواج يشذب الحب ويحيله إلى حب صادق فتنتهي فورة الوله والعشق وتبدأ مرحلة أكبر وهي مرحلة المودة والرحمة التي عبر الله عنها {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (21) سورة الروم‘
يقول أحدهم بأنه ذهب لأحد متاحف الرومان فوجد هناك نحت لشاب وفتاة كالقمر على السرير وهما أشبه بالعاريان‘ حيث كان الشاب واضعا رجل على السرير ورجل على الأرض في هيئة الهروب‘ وحينما سأل المرشد السياحي عن معنى ذلك‘ قيل له هذا ما يفعله العشق‘ فما أن يصل العاشق لعشيقته‘ ينتهي الوصال وتنطفئ حرارة الوله بينهما‘ فيدير ظهره لها ويغادرها , وهذا ما لا يفعله الزواج حيث المودة والرحمة ..
أخي الكريم الحب ليس بحرام ولكن اللعب على بنات الناس باسم الحب هو الحرام‘, وتمضية الوقت لأجل التسلية باسم الحب هو الظلم والافتراء.
إن أحببت فتاة وكنت صادقاً في حبك لها فأنت على خيارين إما الزواج منها فوراً وعدم التأخر في ذلك حتى لا تقعوا في حرج شرعي‘ و أن لم تستطع ورأيت ذلك مستحيلاً فاتركها لله ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خير منه أو ابذل قصارى جهدك للارتباط بها في أقرب وقت ولا تجرها في علاقة مشينة قبل الارتباط فعلا .. وشكراً .
العقيد/المهندس فهمي حمدالله-- شاعر الارص- أبو المعتصم
4-10-2008