بسم الله الرحمن الرحيم
ظاهرة الدعاة الجدد ؛ كيف نتعامل معها ؟
أحيانًا تجد نفسك مضطرًا لوضع النقاط على الحروف ؛ وذلك حين تجد نفسك أمام مسألة أو مسائل الخوض فيها يحتاج إلى قوة في الحجة والدليل ، إضافة إلى الجرأة على مناقشة أدق التفاصيل مع قناعتك التامة أنّ هذا الأمر قد يؤدي إلى حدوث صدامات مع فئة من النّاس جهلت أمر دينها ولم تعد تميز بين الطيب والخبيث – رغم أنّ الجهل أحيانًا قد لا يكون عيبًا إذا ما التزم صاحبه الحياد وعرف قدر نفسه – ومع الذين يتبعون كل ناعق أو متنطع تصدى لأمور في غاية الخطورة وتمس بشكل أساسي معتقداتنا الدينية ورموزها ، أنْ أضع النقاط على الحروف وأبين وأوضح جملة من الأمور التي أراها - ليس بقناعتي فقط – بل وبعد أنْ نعرض ما نريد مناقشته على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
في هذه الأيام نجد ظاهرة ما يسمى " الدعاة الجدد و الخطاب الجديد في الدين " من الذين تصدوا للدعوة إلى الله تعالى ، وهذا الأمر قد يكون محمودًا حين يكون المتصدي له لديه علم ومعرفة بكتاب الله والسنة الشريفة إضافة إلى جملة من الأمور سأتطرق إليها فيما بعد ، أقول انتشرت وبكثرة وهذا ما نشاهده في هذه الأيام على معظم الفضائيات ، وهنا قد يقول قائل : كيف تحكم أنّ شخصًا ما من هؤلاء الدعاة ليس لديه علمًا ومعرفة بدين الله ، وكيف يمكن أنْ تحكم على خطابه أنّه ليس خطابًا دينيًا سليمًا خاليًا من العيوب والشوائب ؟ فأقول إنّ هذا الأمر نحكم عليه بعد أنّ نرى ونسمع كلامه - أيًّ كان هذا الداعي – ثمّ نعرض أقواله على ما جاء به كتاب الله والسنة النبوية ، ثمّ ما قاله أهل العلم المشهود لهم ، فإنْ قال قائل وكيف نحكم أنّ ما جاء به أهل العلم هو الحق ؟ نقول أننا نراجع ما قالوه – أي الدعاة الجدد وأهل العلم - بخصوص النقاط التي تشكل في جوهرهًا وضوحًا لا لبس فيه على الكتاب والسنة ، تلك النقاط التي تتضمن خروجًا على الإجماع ، وخروجًا عن أصول هذا الدين وما هو معلوم من الدين بالضرورة .
وقبل الخوض في مثل هذه النقاط دعنا نراجع أحوال النّاس هذه الأيام ومن ثمّ نراجع تلك النقاط التي أشرنا إليها سابقًا ؛ علمًا أنني لن أتعرض لكل ما جاء به بعض هؤلاء الدعاة بل سأتطرق للنقاط الأساسية ، ومن ثمّ نرى النتائج المترتبة على من قالها ومن تلقاها على حد سواء .
لا يخفى على أحد حالنا ولا يحتاج إلى أنْ يكون صاحبها ذو عين بصيرة أو خبيرة لتدرك مدى الجهل والتخبط الذي تعيشه هذه الأمة ؛ بسبب تفريطهم وتقاعسهم عن أداء واجباتهم تجاه دينهم ونتيجة لسوء فهمهم وتطبيقهم لدينهم حتى في أبسط الأمور والتي هي معلومة من الدين بالضرورة ، فالقلة تصلي حتى أنك لترى منهم أحيانًا العجب العجاب في هذه الصلاة ؛ فتجد البعض يصلي بسرعة فائقة كما الديك ينقر نقرًا ، و تجد البعض يقف وهو يكلم نفسه وكأنه نسيّ نفسه أهو في الصلاة أم في السوق ، ناهيك عن الوضوء والطهارة ، وكم حادثت منهم من يخطئ في الوضوء - وفي الصلاة أيضًا - وبيّنت لهم جملة الأخطاء التي يقعون فيها - ليس حسب علمي بل حسب ما جاءت به الشريعة الغراء – ، وقضية الطهارة - حدث ولا حرج عن الأخطاء - كم وجدنا من لا يعرف عنها شيئًا ؛ فترى البعض في المساجد يمشي إلى الحمامات بجرابه وعلى الأرض ما عليها من نجاسة في تلك الأماكن – أي الحمامات -، ثمّ يخرج وينزع جرابه ويضعه في جيبه والنجاسة تأكلها أكلاً ، ثمّ يتوضأ ولا يحسن الوضوء ، وهو غافل وجاهل - أو متجاهل - لم يسمع بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله تملآن – تملأ – ما بين السماوات والأرض ، والصلاة نور ، والصدقة برهان ، والصبر ضياء ، والقرآن حجة لك أو عليك ، كل الناس يغدو ، فبائع نفسه ، فمعتقها أو موبقها ) رواه مسلم . فكم يا ترى من الناس يعرفون معنى هذا الحديث ويعملون بما جاء فيه ؟
كم من مرة قلنا ونبهنا وعلى القدر الذي نستطيعه ، أتدري قبل أيام ذهبت إلى صلاة الفجر ودخلت المسجد وقد أقيمت الصلاة فدخلت وكان معي شخص آخر فصلى لوحده السنّة ثمّ التحق بالصفوف والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث " في الحديث الذي رواه أبي هريرة رضي الله عنه ؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة). رواه مسلم ، فما رأيك أليس هذا جهلاً بالدين ؟ وهل الجميع يعرفون ما معنى أنْ لا صلاة إلا المكتوبة ؟ أي لا تنفل ولا شيء آخر سوى إقامة الصلاة التي حان وقتها وهي المكتوبة ، ناهيك عن البدع والضلالات والتمسح بالقبور والذهاب إلى قبور من " يعتقد " أنّه من أولياء الله الصالحين - وأنّى له أنْ يعرف أنّه كذلك - والبدع التي تقام هناك ، والخرزة الزرقاء التي تبعد النحس وتجلب الحظ وتبعد العين الحاسدة ، ومن يعلق حذاء على باب منزله الجديد دفعًا للحسد والعين ، إضافة إلى تشاؤم الناس من فعل شيء يرونه صدفة فيتطيرون منه فيرجعهم ما يرونه عن أداء عملهم - على اعتبار أنّ هذا شؤم - كما كان يحصل في الجاهلية ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما في مسند البزار( من ردته الطيرة عن شيء فقد قارف الشرك). صححه الألباني في السلسلة الصحيحة ويقول أيضًا في الحديث الذي رواه مسلم " لا عدوى، ولا طيرة، ولا صفر "وجاء في فتح الباري "التطير والتشاؤم شيء واحداً " فهل كل الناس يدركون خطورة هذا الأمر ، إضافة إلى أعمال الكفر والشرك التي تمارس يوميًا ، فترى فلان يكفر في الشارع فلا تستطيع أنْ تفعل معه شيئًا ، وترى الشخص يكفر في حضرة أبيه فلا يحرك فيه هذا الفعل ساكنًا ، وترى الشخص يسب النبي جهارًا نهارًا وهذا تراه كل يوم فلا نملك أنْ نقول شيئًا ، بينما إذا ما شتم أحد ما أباك أو أمك تقوم الدنيا ولا تقعد ، والله تعالى يقول " {و منهم الذين يؤذون النبي و يقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله و يؤمن للمؤمنين و رحمة للذين آمنوا منكم و الذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم} (61) التوبة. قال ابن تيمية في الصارم المسلول ج: 3 ص: 978... وما بعدها:
"قال القاضي عياض "جميع من سب النبي أو عابه أو ألحق به نقصا في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله أو عرض به أو شبهه بشيء على طريق السب له والإزراء عليه أو البغض منه والعيب له فهو ساب له و الحكم فيه حكم الساب يقتل ولا نستثن فصلا من فصول هذا الباب عن هذا المقصد ولا نمتر فيه تصريحا كان أو تلويحا وكذلك من لعنه أو تمنى مضرة له أو دعا عليه أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم أو عيبه في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهجر ومنكر من القول وزورا أو عيره بشيء مما يجري من البلاء والمحنة عليه أو غمضه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه قال هذا كله إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من لدن أصحابه وهلم جرا.. " وقد أجمع أهل العلم فيمن قال بحقه صلى الله عليه وسلم كل ذلك أنّه يقتل فلا يستتب ، ومنهم من قال أنّه مرتد ، إضافة إلى - ما سبق ذكره - نجد الفسق والفجور - وحدث ولا حرج - والزنا الذي يمارس جهاراً نهارًا ، والقائمة تطول ، هذا حال الناس هذه الأيام – إلا ما رحم ربي – وهذا لا يعني قطعًا أنْ يمارس البشر دور الزاجر والمؤدب ، فهذا من اختصاص الحاكم وليس من اختصاص عامة الناس ، لكن ألا ترى معي أنّه يجب علينا أنْ نعمل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو سعيد الخدري الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم . إنّ من واجب كل إنسان – وعلى حسب طاقته حتى لا يقول أحد أنك تريد أنْ ترمي بنا إلى التهلكة – أنْ يأمر بالمعروف وأنْ ينهى عن المنكر لكن ليس بالقوة - من جهة النّاس - لأن هذا من شأن الحاكم ولكن من جهة أهل بيتك ومن جهة المعلّم في مدرسته والموظف في عمله ، فإذا تراخى ككل هؤلاء ومعهم ومن قبلهم الحاكم فسد المجتمع – إلا من رحم ربي – فيجب أنّ نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ، ولذا وأمام هذا الحديث الشريف نجد مراتب التغيير ثلاثة كما رتبها النبي صلى الله عليه وسلم ، اليد واللسان ومن ثمّ القلب .
وإضافة إلى ما سبق ذكره فلا يخفى على أحد أنّ هذا المجتمع هو نسيج متكامل ووحدة واحدة ، فإذا لم ينكر أهله المنكر ولم يحاربوه بالوسائل الشرعية ، فإنه سيغرق ويغرق كل منْ فيه ، ويتبين ذلك من حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها ، كمثل قوم استهموا على سفينة ، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها ، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم ، فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا ، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا ) رواه البخاري ويتضح من هذا الحديث الشريف أنّ المسئولية تقع على عاتق الناس كل الناس وكل حسب طاقته وقدرته ، حتى لا يُغرق الطالح الصالح .
ومن هنا يأتي دور أهل العلم والذين يدعون إلى الله في الدعوة إلى الله تعالى ، فعليهم أنْ يبينوا للناس أمور دينهم وأنْ يكونوا ناصحين ومصلحين لا منفرين ومضللين ، وعليهم أولاً أنْ يكون لديهم علم شرعي ، فاهمين وعارفين بأصول هذا الدين فلا يرمون كلامهم جزافًا ، ولا يهرفون بما لا يعرفون ، ليوهموا النّاس أنهم يعرفون بما يقولون وأنّ ما يقولونه هو من الدين ، هذا بالإضافة إلى جملة من الأمور التي قررها أهل العلم الشرعي من الشروط التي يجب أنّ تتوفر فيمن يدعوا إلى الله ، منها العلم الصحيح (الشرعي ) بما يدعو إليه الداعي، وكونه موافقًا للدليل الشرعي، وتحقق المصلحة، وعدم المفسدة ، وعندما نقول علم شرعي فهذا يعني أنْ يعرف بتفسير القرآن والناسخ والمنسوخ ومحكمه ومتشابهه إلى آخره إضافة لعلمه بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم مميزاً بين صحيحها وسقيمه إلى آخره ، وكل هذا إنما هو للضرورة الشرعية ، وإلا فكيف يمكن أنْ أكون داعيًا وأنا لا أعرف تفسير آية ما فأقول فيها برأيي وبدون دليل ؛ وكيف أكون داعيًا إلى الله فأفسر حديث ما للرسول صلى الله عليه وسلم وأرتب بناء على حكمي عليه حكمًا شرعيًا ؛ وأنا لا أعرف هل هو صحيح أم موضوع أم ضعيف من حيث المتن والسند إلى آخره ، هذا هو المطلوب ، ولا يهمني في هذا المقام كيف يكون شكل الداعي ، هل هو حليق أم يلبس عباءة أم يلبس بنطال وربطة عنق ، المهم أنّ ما يقوله يكون موافقًا للشرع من حيث المعنى والمدلول .
وإذا ما راجعنا حال بعض الدعاة هذه الأيام فإننا نجد العجب العجاب ، فلا حديث صحيح إلا ما ندر ، ولا تفسير صحيح بل هو الرأي ؛ علمًا أنّ بعض القضايا التي يتعرضون لها معلومة من الدين بالضرورة ، فترى البعض يتنطع لها ويحرف ويزيد وينقص مما يؤدي به إلى الإخلال بالمعنى والقصد الذي هو واضح وجلي حتى لمن لا يملك علمًا أو فقهًا في الدين .
لذلك وبناءًا على ما تقدم فإنّ من واجب كل مسلم يسمع ويعلم بمن حرف وبدل في كلام الله وافترى على رسله ودينه بغير علم و بغير حق أنْ يتصدى لهم وأنْ يبين للنّاس - وعلى حسب جهده – كل هذه الأخطاء وأنْ يأتي بدليل – وهذا شرط ضروري – على صحة كلامه ، كي تتضح الأمور ويعرف النّاس أي ضلال وفجور قد ارتكب بحق هذا الدين وبحقهم ، لأنّ الأمر ليس بمثل هذه السهولة التي يمكن أنْ نتصورها ، فإن كان الداعي جاهل بدين الله فعليه أنْ يترك الأمر لأهل العلم الاختصاص ، وإنْ كان متعمدًا فيجب أنْ يزجر وأن نتصدى له وعلى حسب طاقتنا وجهدنا ، وكم من داعي قال وقال وحرف وبدل ؛ حتى أصبح حالة محورية تستقطب الناس البسطاء - ومع الأسف غير البسطاء أيضًا – فتبعوه على ذلك ، بل مدحوه وعظموا من شأنه ؛ بل أصبح البعض منهم - أيّ الدعاة - يعامل على أنه مصلح اجتماعي وفيلسوف ومفكر وهذه هي الطامة الكبرى ، ولو أنهم راجعوا ما قاله لوجدوا أنّه إنما كان يكذب على الله ورسوله ؛ ويضلل النّاس من حوله وقد فتنته الكاميرات والجاه والمال ، لذلك يجب علينا أنْ نتصدى لكل من سوّلت له نفسه تحريف هذا الدين والقول بما لم ينزل به الله سلطانًا ، وذلك دفاعًا عن ديننا وعقيدتنا ، قال صلى الله عليه وسلم (إن كذباً عليَّ ليس ككذب على أحد، فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) البخاري ومسلم ، وقد قال من سبقونا ومنهم محمد ابن سيرين رحمه الله " إنّ هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم " مسلم .
... وبالطبع لا يخفى على أحد أنّ هناك اجتهادات كثيرة في هذا الدين ، وفي كثير من المسائل الفقهية ، وكثيرًا ما نرى اختلافًا في الفتوى بين هذا العالم أو ذاك ، نعم هذا صحيح ؛ ولكن عندما ننظر إلى تلك الأمور فإننا نجد أنّ هذا العالم أو ذاك إنما جاء بالدليل إمّا من الكتاب والسنة وإمّا بما قاله السلف الصالح أو حتى ما وافقه جمهور أهل العلم أو بعضهم أو حتى برأيه ؛ لكنه - على أيّة حال - مجتهد فإنْ أصاب فله أجران وإنْ أخطأ فله أجر واحد ، لكننا نلاحظ أنّ لديه علم شرعي ، ومثال ذلك : هل نستطيع مثلاً أنْ نقول عن العالم الجليل محمد متولي الشعراوي رحمه الله أنّه لا يملك علم شرعي لمجرد أنّه فسر آية قرآنية و كان تفسيره لها يخالف تفسير عالم آخر مثل عبد العزيز بن باز رحمه الله على سبيل المثال ، وهل نقول على سبيل المثال أنّ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله ليس لديه علم شرعي إذا اختلف قوله في مسألة ما عن قول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ، لا ؛ لا نقول ذلك ، لأنهم علماء أجلاء حصّلوا العلم الشرعي ، وكتبهم تملأ الدنيا ، واختلافهم – إذا كان هناك اختلاف – إنما هو نابع عن كونهم علماء ومجتهدين ، أمّا من تبع هواه وأفتى بغير علم وتجرأ على الله وسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ، ونشر كتبًا فيها ما فيها من الأخطاء المنهجية والفقهية والتي لا يرتكبها حتى طالب العلم ؛ ومن ثمّ تجده يتصدر المجالس والفضائيات ويكنّى بالمصلح والداعية ؛ فهنا يجب أنْ نقف في وجهه ونردعه ؛ وهذا الوقوف يأتي في صلب الحديث الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم من الأمر بالمعروف النهي عن المنكر ، كما إنّ عدم الوقف في وجهه يساهم في زيادة الجهل والفساد - المنتشر أصلاً بين النّاس – وتترتب عليه مفاسد عظيمة ، فليس كل واحد منا عالم بدين الله ، وليس كل واحد منا لديه القدرة على التمييز بين ما يقوله فلا أو آخر على أنّه هو الحق ، وأنّ هذا هو دين الله الذي أمر به رسله ليهتدي به النّاس ، فعامة النّاس هذه الأيام مشغولة بدنياها بعيدة عن دين الله ، لذلك فهي مؤهلة لقبول كل ما يقال لها ، لأنها لا تملك أصلاً الحصانة اللازمة ولا التحصيل العلمي في أدنى درجاته حتى يعلموا ما هو الصح وما هو الخطأ .
إنّ ظاهرة الدعاة الجدد و الخطاب الجديد في الدين ، يجب أنّ لا تمر هكذا وبكل بساطة ومن دون تمحيص وتدقيق لما يقولونه ، حتى نميز الخبيث من الطيب و نعرف على أية أرض نقف ، لأنهم – أيّ هؤلاء الدعاة - يدخلون البيوت ومن أوسع أبوابها ، ويقولون ويفتون ، والناس كما أسلفنا حالهم معلوم والشكوى لله وحده ، فلنحذر ولننتبه ولنتعظ بهذه الآية الكريمة التي لو وعيناها وفهمنا المقصود منها ، لعرفنا من هو الصالح ومن هو الطالح .
قال تعالى( " قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَِ " يوسف )آية 108 ، وعند الطبري في تفسيرها قال : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل ، يا محمد : هذه الدعوة التي أدعو إليها ، والطريقة التي أنا عليها ، من الدعاء إلى توحيد الله ، وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأوثان ، والانتهاء إلى طاعته ، وترك معصيته ، سبيلي ، وطريقتي ودعوتي ، أدعو إلى الله وحده لا شريك له ، على بصيرة ، بذلك ويقين علم مني به أنا ، ويدعو إليه على بصيرة أيضاً من اتبعني وصدقني وآمن بي ، وسبحان الله ، يقول له تعالى ذكره : وقل ، تنزيهاً لله ، وتعظيماً له من أن يكون له شريك في ملكه ، أو معبود سواه في سلطانه : وما أنا من المشركين ، يقول : وأنا بريء من أهل الشرك به ، لست منهم ولا هم مني .
هذا ما يحضرني الآن في هذه العجالة ؛ فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي و الشيطان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .