|
تودِعُ عشرةً أخرى سُنوني |
وقد ولـّى الشبابُ فأدركوني |
مضتْ بينَ الأحِبّةِ .. كيف تُنسى |
وزهرُ رياضِها من ياسمينِ |
فؤادي ظلّ يشربُ من كؤوسٍ |
يعبّ الأنْسَ من عِنَبٍ وتينِ |
أعانِقُ بالرؤى أحلامَ طفلٍ |
وأنتظرُ المخبأ عن عُيوني |
قصائدُ كنتُ أحياها بِوحيٍ |
وأبني فوقَ قمتِها حُصوني |
أعيشُ مع الملائكِ في جِنانٍ |
بها ماشِئتُ من حُورٍ و عينِ |
لهمْ بالروحِ أفئدةٌ تغنّي |
ونورٌ في الملامِحِ و الغُضونِ |
بهمْ أزدادُ حسّاً وانفعالاً |
إذا التقتِ الفنونُ معَ الفُنونِ |
تغوصُ قلوبُهمْ في عمقِ بحرٍ |
وتعلو بالسماءِ بلا سفينِ |
أحلــّقُ بالمشاعرِ في سماءٍ |
أضمُّ بها النجومَ .. وتحتويني |
فكمْ أطفأتُ من نارٍ وشوقٍ |
وكمْ أظهرتُ من بوحٍ دفينِ |
شربتُ الكأسَ من خَمرٍ وحُبٍّ |
فلّذ ّالشعرُ في دنيا المُجونِ |
وظلـّتْ نشوتي تزدادُ حتى |
بلغتُ بأوجِها حَــدّ الظنونِ |
تَكلـّمَ كلّ ذي حِسٍّ رخيصٍ |
وقال بأنـّني خالفتُ ديني |
وأنّ ضلالتي أودعتُ فيها |
فؤاداً ظلّ يعبثُ في جُنونِ |
يُمارسُ مايشاءُ ولا يبالي |
ويمضي دونَ زادٍ أو معينِ |
أنا والناسُ في كرٍّ وفــــرٍّ |
أقاومُ ما استطعتُ بلا رُكونِ |
أقولُ الشعرَ ... أشرحُ ما أعاني |
وليسَ بجعبتي غير الأنيــــــنِ |
لعمري قد كشفتُ بها نُفوساً |
وقلتُ لها كما تبغينَ كــــوني |
كؤوسُ الحُبّ دوماً حينَ تصفو |
لها ولغيرها كأسُ المنونُ |
تُحبّ من الحياةِ بلوغَ شـــأوٍ |
وتنسى الخَلقَ من ماءٍ مهينِ |
نفوسٌ بالهوى اتخذتْ شعاراً |
وظنـّتْ نفسها فوقَ الظنونِ |
لأجلي فلْتَمُتْ كلُّ البرايـــا |
وما يحلو اليّ بهِ دعونــــي |
وزادَ غرورَها زهوٌ وكِبــــرٌ |
بما حَوَياهُ من خُبثٍ لَعيـــــنِ |
اذا وقفتْ وراءَ الشيخِ أبدتْ |
خُشوعَ منافِقٍ أو مُســـتهينِ |
تُصلـّي والصلاةُ لها لباسٌ |
يُخبئ ماتكُنُّ من الأفــــونِ |
كأنّ الدينَ يستُرُ كلَّ عيبٍ |
ويخفي عــــورةً خلـــفَ الجبينِ |
تُمثلُ صورةَ التقوى ريــــــاءً |
وتفعلُ كلَّ سوءٍ أو مُشـــينِ |
فكمْ في دينِها اقترفتْ ذنوباً |
وكمْ بسلوكِها انحرفتْ لدونِ |
ولا ا الإسلامُ كان كما ادّعتهُ |
ولكنْ جاءَ من نورٍ مبيـــنِ |
أترضى الناسُ ما يبدو لعينٍ |
ويقبلُ ذاكَ ذو عقلٍ رزيــنِ |
ومن شَـــرِّ البليـّةِ كيف أنجو |
وقد عاصرتُ جيلاً من هَجيــنِ |
فلا عيشٌ يطيبُ ولا حياةٌ |
اذا ما الخيرُ غابَ عنِ العيـــونِ |
طريقُ الذلِّ منفعةٌ لقــــــومٍ |
اذا صارَ المثقّفُ كالســـجينِ |
ومن يرثي لحالي إنْ أتانا .... |
زمانٌ قالَ بالقهرِ اتبعوني |
صروحُ حضارتي سقطتْ وعمـّا |
يؤولُ مصيرُها لاتســــــــألوني |
زرعتُ بدايتي في حقلِ خيــــرٍ |
فأحسنتُ النهايةَ من شُــــــؤوني |
(فكنتُ كما أرادَ ليَ الفلاحُ) |
وقد رافقتُ أصـــحابَ اليمينِ |
كأنـّي قد جُبلتُ على وفــــــاءٍ |
(و لم تساير فطرتي طبعَ الخؤونِ) |
فكنتُ مع النحيلِ بلا جِـــدالٍ |
وسِرتُ بنهجِهِ ضدّ البدينِ |
ليَ اللذّاتُ تخضعُ دونَ عنـــفٍ |
وتعلو فوقَ هامتِهـــــــا غُصوني |
هيَ الثمراتُ أقطفها وأمضـــــي |
ولو بالنأيِ جازتْ أرضَ صـينِ |
فكمْ غيـّـرتُ طقساً بعدَ طقــسٍ |
وكمْ عايشتُ من عُســــرٍ وليـــنِ |
قديماً كانَ يســـعفُني شـــبابٌ |
يُولـّدُ ثروةً عندَ الفطيـــــــــنِ |
زمانٌ شــذّ عنْ خُلُــقٍ وخَلْقٍ |
بهِ امتزجَ الرخيصُ مع الثميـنِ |
تزيـّنُهُ الصبايا في دلالٍ |
وتُظهرُ ما تشاءُ بلا أُذونِ |
(بهِ كيـــدُ النساءِ و مكرُهُنَّ) |
ومنْ سُــــمِّ الأفاعي كمْ سـَــقوني |
تُشيربها الغرائزُ دونَ قولٍ |
كبائعةِ الهوى .. منْ يشتريني |
تَمنّتْ فاستجابَ لها زمانٌ |
فكيفَ تحيدُ عنهُ وتصطفيني |
فلا الآباءُ تعرفُ مادهاها |
ومنْ يخطو إلى الدربِ المُشينِ |
ولا خوفُ النساءِ على عفافٍ |
أثارَ مكامِنَ الشرفِ المَصونِ |
خَضعتُ لأمرِها مَدّاً وجَزراً |
كما يحلو لها أو تشتهيني |
وبحرُ المغرياتِ بها مُحيطٌ |
وما ترجو أتاها في صُحونِ |
فلمْ أظفرْ بما تحلو حياةٌ |
ولا مَعَها اتفقتُ فأنقذوني |
هي اتجهتْ وسارتْ في طريقٍ |
عواقبَها الوخيمةَ جنّبوني |
قضيتُ العمرَ أبحثُ عن تُراثٍ |
فَحَقَّ بشرعِها أنْ تزْدَريني |
شبابٌ بالحياةِ لهُ حقوقٌ |
وماقَصّرْتُ .. لكنْ أبعدوني |
فقدْ جُزتُ الكهولةَ يالتعَسي |
وحوّلني الزمانُ إلى وهينِ |
(فلا حربٌ تُشب مع النساءِ) |
ولا قولٌ يُهاب مع الخدينِ |
أُحلتُ إلى التقاعُدِ بعدَ عمرٍ |
وصِرتُ معَ التقادمِ كالعجينِ |
(كذوب اذا ما قلت شــعرا) |
أصــوّرُ مابقلبي من حنيــــنٍ |
فلا عينٌ تصـــدّقُ إنْ رأتنــي |
ولا سمعٌ ينوبُ عن اليقيـــنِ |
أظلّ كما تروقُ لهمْ طِبـــــاعٌ |
إنِ اعترفوا بحُبــّي أو جَفوني |
جَمَلتُ رسالتي ومشـــيتُ درباً |
بِوادٍ غيرِ ذي زَرعٍ وطيـــــنِ |
شـِــعارُ مسيرتي حُبٌّ وطيبٌ |
يُؤكـــّدُ كمْ صَــبرتُ على حزوني |
فأنسى ماحلمتُ بهِ وأرضى |
كما تبدو الوقائـــــــعُ بعدَ حينِ |
هي الأعوامُ تمضي في خُطاهـــا |
مُكســــّرةَ الجوانِحِ والجُفــــــونِ |
مَضَــتْ سـُـتونَ عاماً دونَ وعْيٍ |
أُســـائلُ كيفَ مرّتْ ذكــّروني |
بها النسيانُ خفــّفَ من عذابـــي |
وقالَ لمنْ تذكــّرَ ســــامحوني |
فكمْ هبـّتْ نسائمُ مــــن بعيدٍ |
وكمْ جلبتْ الينـــــا منْ شــجونِ |
أروحُ وأغتدي والقلبُ يحكـــي |
ويشــرحُ بالهوى مايعتريني |
سيبقى ظاهــــراً وتراهُ عيـــنٌ |
فما احتجبَ الشمالُ عنِ اليميــــنِ |
أرى دنيا مِنَ الأحـــلامِ تنــأى |
هناكَ .... الى شواطئها خُذوني |
بها ستونَ عاماً قــــدْ توَلـّتْ |
أتُكمِـــلُ عشرةً أخرى سُنوني؟ |
اذا حَمَّ القضاءُ وغابَ نجمــي |
وماتَ الشوقُ في القلبِ الحزينِ |
أو ائتلقَ الهوى في ليلِ أنسٍ |
وكانتْ ســـــيرتي لاتظلموني |
زمانٌ عشتُ فيهِ بلا جنــــــاحٍ |
أُخبئُ مايطيبُ فأنصفوني |
فلا تصغوا لغيري في حديثٍ |
دعوا ماقيــــــلَ فيّ ... وصَدّقوني |
حَكَتْ لهُمُ البدايةُ طُهْرَ قلبٍ ..... |
ولكنْ فية النهايةِ ... أنكروني |
لمنْ شاءَ الحقيقةَ في بيــــانٍ |
تركتُ قصائدي كي تعرفوني |