رعى الله زمناً ما التقينا فيه إلا واخضر ّ بعدما أقفر و ليلاً ما سهرناهُ إلا أسفرَ ,أين تلك الأيام يا من كنت في مغانينا سيَّداً تأمر فتهتز مملكة السمو وجلاً.
نعم وجلا ً من هيبة الود و وقدراً لشخص ما لبث أن تَملَّك بل مُلـِّك طواعية زمام الأمور ونواصيها, وقد كانت عصيَّاً على غيره أبيِّة’ على من علا واستعلى عليه قدرا .
لم يكن اختيارنا لكم لفضل امُتنِنْتم به, وليس من سمة السمو أن تُظهر الزلة وتكَّفر ملِّة ودٍّ تغلغل في سويدائها, لأننا في النهاية الأمر بشر فليس في اكتمال الخِّل في نظرة خليلة نابع عن حقيقة, وإنما هي مجازات أرادها القلب وحتَّمتها إشارات التجاذاب , بل عالم يكونه كلاهما يعتليه الكمال .
لقد كانت رؤياي أمراً غير مليٍّ في استحالة الماضي أن يصير حاضراً فقد سُدَّ مجرى النهر ليصبح جريانه ممنوعاً لحظتها تشعر بأنها لحظة موت تعقبها ولادة متعسرة جدا.
يعلم الله كم بها من ألم المخاض الميت, فهو انسلاخ روح من روح وجمودٌ لذوبان كان قد انتشر في جميع أجزاء الميت, و وإن كان الحي يخرج من الحي, فالأصعب منه كيف يهب الموت الحياة؟
وما أجمعتُ أمري وأعزمتُ من شأني إلا بعد أن رأيت ما لو رآه طفل لصار كـــهلاً, ولو أشْممتهُ زهرا لأصبح ذابلاً وعَفُنَ ريحهُ فصاعقة الهول شطرتني إلى شظايا جعلت السمو يتناثر في كل صوب .
كيف وقد تألفت الأرواح فربطتَ الوثاق وغلَّظتَ الأيمان , كيف استطعت أن تفصل تلك الوعود والأماني وتتنصل منها وقد التبستنا بها دهراً فصارت عصارة أرواحنا و لُبابة فكرنا واحدة ,لا نمسي ولا نصبح إلا عليها .
آهٍ... كم كان كأس الغدر مُراً وليته كان سُمَّاُ, فلئن كان في الحياة خير, ففي الموت وإن تعسَّر الخير كله
فكل ما في الكون مُذكِرٌ لما في تلك التراتيل القديمة التي جوّدناه بأحسن الألحان وقسّمنا عليها الإيمان فحنثتَ, وليتك لم تكن قاصدا بل كنت عامدا.
أي لحظة تلك التي رأيتُ فيها وسمعتُ واقتربت من وقع الحدث فعلمتُ أنه أنت وأنت الفاعل أنت, فالنفس لا تنكر نفسها – يا سيدي- عفواً اعتدتُ أن أقولها لك في عالم سماوي له معانٍ تبعد عن معنى السلطة والتسوّد, وأنا اليوم أقولها كما تقال في المحافل العامة لا كما كانت في خُلد الروح وسويدائه, وكنتُ من قبل قد ألغيتُ ضمير أنتَ وتحمّلت وزرك, , فقد كان اسم الود فصيحا بيننا بلا كسرة أو ضمّه, هو االود ذاته لا ابن خاله ولا ابن عمه , هو ذاك الذي لا وزن ولا شكل له , سوى أن سريانا في الروح ونسيم في جنة مخفية عن الناظرين فأي تمازج كان وكان .
تعلم - يا هذا -ما هي المشكلة عندي أنني كيف أُنقِي بدني منك وأفصل ذاتي عن ذاتك, فما من مغزَّ إبرة في السمو إلا ولكم فيها موطئ ومكان ,فوجدتُ أفضل حلٍ أن أترك لك كُلِّي القديم, وأخرُج بكلٍّ أو نصفٍ أوعشرٍ خذ ما أخذتَ من السمو إن أردتَ ذلك أو زعمتَ أنها فيها ريحاً منها ومن نفسها, فهذه مشكلتك تؤمن أن المحسوسات هي الكافية, خُذ كلَّ الباقي والذكريات لكن- لعمري- لن تجد فائدة بها, ولا عائدةً منها,فقد وإن كان مشوهاً بك أفضل من أن تكدرني قطعة منك فلم أعد احتمل شيئا ولوكان نطفة طهر منك .
سُلِبتْ روح السمو وجوهره.
ولا تقـتفينَّ لي اثراً ولا تتتبعنَّ لي درباً, مٌدعيا بأنك لن تضله, فلئن كنتَ تعرفني من ألف ألف ميل من قبل فما أنت بُمسْتيـْقِنٍّ منِّي ولو كنتُ أمام ناظريك .
لا ورب الكعبة لن تعرف فكل شيء تغير ,وإن اسْتسمحتني في شيء فهو أن نعيد بعضاً مما فات في ذاكرةٍ باتت منفصلة تماما مُعرّاة من أيّة مشاعر فلا تَسْتَجْدِينَّ بأي رحمة ولا تستسقينَّ بأي عطف فما عاد فينا لكم أي ذرة من ذاك لكم.
رعى الله قلبا أعطاك الحياة ووهبته الموت, أسقاك الزلال و أرْويتهُ الكدر بالقذى, حفر لك الوفاء وطعنته بالغدر, وأدفأك بدفء الصدق و أجْمدْتَهُ بالغدر.
رعى الله قلبا ما انسلخ ولا انجلى من رفعته إلا ليصعد إلى علو يضاهي سابقه .
وبعد هذا أَتُرى أن أهبك؟!!!
فلا وربك لا يكفي أن يكون جزاؤك إلا بالمثل وضعفه إلا أن طيب السمو ورفعته يَتَأبَّيَان, ذلك وليس ذاك من أجلك وإنما من أجل نفسٍ تعودت أن تعيش عالياً.