على الحاجزِ العَسْكريِّ وقفتُ..
و بيني و بينَ الديارِ
_و كانتْ مَسافةَ أمتارَ_
دهرٌ من المَوْتِ و الوَقْتِ
دهْرٌ من المقْتِ في سكَكِ الإنتظارِ
يُفرّمُ أشلاءَ صبري التعيسِ
و يحشو شرايينَهُ بالجِمارِ
على الحاجزِ العسكريِّ..
و وصْفُ الفجيعةِ أكبرُ من كلماتي
و أكبرُ من زفَراتي ..
التمرّدُ في الحزنِ
جلْدُ النّفوسِ
التفنّنُ في القهرِ
لملمْ شَتاتَكَ من جُبِّ بؤسِكَ
و اجمعْ شتاتي
على الحاجزِ العسكريِّ..
و طولُ الصّفوفِ تواريخُ ثأرٍ..
من الضعفِ ضعفِ القويّ
أمامَ الضعيفِ القويّ بتاريخهِ..
المُستَخفِّ بحاضرهِ البخسِ
كيفَ لأرضِ الخرابِ العقيمةِ..
أن تلدَ الشمسَ في فصْلِ يأسِ؟!
..و أحقنُ فِكْري بِكَبْتٍ يُسكّنُهُ
في تشنّجهِ المُستَبدِّ بكاملِ وعْيي
و أترُكُ أَمْرَ الجُنونِ إلى عَقْلِ نَهْيي
و أصبرُ عمّا أُفكّرُ فيهِ ..
و أصمتُ صمتَ الضجيجِ
المخلّ بضوضائهِ الصامتة
لتخرسها الصفعةُ الكابتة
قليلاً ..قليلاً
تصيحُ مُجنّدةٌ في مزاجِ النباحِ:
"تراجعْ ..تراجعْ"
و تشهرُ رشّاشَها (اليوشعيَّ)
و كنتُ كأنّيَ كنعانَ فيّ الذنوبُ القديمةُ
هلْ يتجلّى دمارُ (أريحا) القديمةِ فيّ
و تجتثُّني من مَكاني هُنا
و تردُّ الزمانَ إليها عليَّ
كما كانَ يُصبِحُ في الحاضرِ الآنَ
و الحاضرُ الآنَ مِلْكُ المدجّجِ بالحقدِ ..
خلفَ شذوذِ السّلاحِ
و (يوشعُ) يملكُ كانَ السّلاحَ
و بارودُهُ الدينُ
تُوحى إليهِ الشرائعُ
حيثُ يُسيّسُها
و يمهّدُ للقادمين الطريق إلى الحُلْمِ..
في (أورْشَليمَ) على جُثَثِ الواقفينَ أمامَ الرياحِ
و كانَ لِمَنْ كانَ أن يُهلكَ الحَرْثَ و النّسْلَ
و الربُّ يحضرُ كلّ الملاحمِ
و الربُّ ينصرُ أبناءَهُ
الربّ يشهدُ بينَ الخرابِ و بين المآتمِ..
عقْدَ النّكاحِ
هُوَ الربُّ
ربُّ العهودِ القديمةِ
تَحْرِفُهُ عن سواءِ الرّوايةِ أقلامُ كهّانَ..
يأتَمِرونَ على سِبْطِ (هاجَرَ) :
مرحى لنا نحنُ يصطفينا (العُزَيْرُ)
و مَرْحى لنا و لَنا ما لَنا مِنْ فناءِ الشّعوبِ..
المُسخّرِ و المُستَباحِ
...و أصحو على ضَرَباتِ كِعابِ البنادقِ
و الصرخاتُ تَصاعدُ أكثفَ..أكثفَ
و الجوُّ يسودُّ ..يحمرُّ ..يصفرُّ
أينَ المناصْ..؟!
و بين الجموعِ و فوقَ الجموعِ
و تحتَ الجُموعِ يئزُّ الرّصاصْ
تصيحُ بِكُرْهٍ أشدَّ :
"تَراجعْ..تَراجعْ"
و تدفعُني للوراءِ قليلاً
كثيراً بِمِقياسِ مَنْ يتقدّمُ شِبْراً ..
و أبطأَ في كُلّ ساعة
أُفكّرُ :
يا ربُّ ماذا فعلتُ لِتَجْعَلَني( رأسَ دَوْرٍ)!!
فإنْ غضِبَ الجُنْدُ جاؤوا إليّ
و ليسَ لمثلي شَفاعة!!
مَجامرُ نارٍ عليها يسودُ الهدوءُ
تعودُ الصّفوفُ إلى وضعها
و يمرُّ الجَميعُ سوى صفّنا ..كَعقابٍ لنا
يا لشيطانِ (هِتْلَرَ) ..!!
أكانَ لَهُ أنْ يُخلّفَ خلْفَ المَحارقِ..
نِصْفَ المَلاعينِ كي يقتلونا ..
و يستوقفونا على مدخلِ الموتِ..؟!
حتى على مدخلِ الموتِ يوجدُ من يقفلُ الدرْبَ
يطلبُ منّا الوثائقَ..!!
كلُّ الشّعوبِ لديها وثائقُها للحياةِ
و نحنُ لدينا الوثائقُ نُشهرُها للمَمَاتِ!!
أكانَ (نَبوخَذُ نصّرْ) يُقصّلُ أحلامَهم بالحواجزِ,
يخنقُهُمْ بالجدارِ,
يُشرذِمُهُم بالمتاريسِ
حتّى يردّوا لنا الصاعَ صاعَينِ؟!
أمْ مَحْضَ حِقْدٍ و كُرْهٍ تحثُّ عليهِ وجوباً (تلاميدُهم)؟!
و تحثُّ عليهِ ضلالاتُهم من زمانٍ سَباهمْ بهِ الدهرُ..
سَبْيَ المذلّة؟!
و كانوا على ساحةِ المَيْنِ قلّة؟!
و أقمارهم مضمحلّة!!
تَعرّيْ من الرَّفَثِ الآدميِّ
تعرّي و ربُّ العهودِ القديمةِ
_يا أمّةَ المَيْنِ_ يرعاكِ
ربُّ (رَحابَ) تُخبئُ أبناءَهُ بين أثداءِ معصيةٍ ..
لا تتوبُ
و إن كانَ(ربّ العهودِ القديمةِ) تابَ عليها:
"و لا تأخذوا الزانياتِ بإثمِ الطّغاةِ
يؤمِنّكمْ من بَوارٍ أَكيدْ
و جوسوا خلالَ التّواريخِ و استأصلوا الذاكراتِ
يبوءُ بذنبِ القديمِ الجديدْ
و إنّي لهم بالوبالِ و أنتم لهم بالوعيدْ"
وعيدِ المجازرِ في كلّ أُفْقٍ يُهدّدُ بالريحِ أحلامهمْ
و وعيدِ المقابرِ تحفرُ في صدر أطفال كنعانَ
مثوى لها و لهمْ
و وَعيدِ العساكرِ يستمرئونَ الروايةَ فوقَ الحواجزِ..
حيثُ القريبُ يجرُّ العريقَ البَعيدْ
"نَجوتُ لِمَوْتٍ قصيرٍ" تنفّسْتُ,
كنتُ أسيرُ إلى طَفْرَةِ الوَرْدِ في مزهريّةِ عُمْري
ورائيَ أتْرُكُ عمْراً قتيلاً على الحاجزِ العسكريّ
و أزمانَ بؤسٍ و دنيا كآبة
و أتركُ للشوكِ دَرْباً أمامي
إلى حيثُ يمتنعُ الظّرْفُ عَنْ صَرْفِهِ في الغرابة
غرابةِ شعْبٍ يُشرّعُ للموتِ..
نافذةَ الروحِ روحاً
و يفتحُ للحبّ بابَهْ
سلامُ النّسيمِ على العابرينَ ..
إلى قَمَرٍ عربيٍّ ينضُّ خلالَ سحابة
سلامُ النّسيمِ الكليمِ
بِهِمْ و بأُسطورةِ الجُرْحِ حدَّ المَهابة
سلامٌ عليهِمْ
يقينَ نبيٍّ و صَبْرَ صَحابة