الحلقة الخامسة
ربما كانت السَّاعة الواحدة ليلاً عندما استيقظت العجوز فزعة,تتقاذفهاالأوهام ,هبَّت من فراشها,وأشعلت نور المصباح الكهربائي ,ثمَّ خرجت من غرفتها إلى فسحة الدَّار0
أحست برهبة واقشعر بدنها وهي تسمع صوت الرِّيح كعواء الذِّئاب يزداد حدَّة باشتداد اهتزاز أغصان الأشجارالتي تغطي فناء الدَّار0
تفقَّدت عيناها أرجاء المكان,فرأت نوراً ينبعث من حمَّام البيت في الخارج,وسمعت صوت حركة هناك ,فاقتربت من مصدر النُّور والصَّوت فسمعت أنين سراب فأسرعت بدخول الحمام,وعندما وقفت ببابه فوجئت بسراب تتقيَّأ في المغسلة ,أصابها الخوف ,فسألتها:
هل أنت بخير ياسراب؟
نظرت سراب إليها بتعب وقالت:
أشعر بالغثيان ودوارمزعجS ياامرأة عمِّي0
قالت العجوز :عودي إلى غرفتك ,سأستدعي طبيب الجزيرة لمعاينتك00
قالت سراب:لا أريد طبيباً ,إنَّني (وأشارت إلى بطنها)
شهقت أم عادل شهقة كادت تودي بحياتها وسألتها: هل أنت حامل؟
هزَّت سراب رأسها بالإيجاب:منذ مدة قريبة0
فقالت العجوز بعتاب يمتزج بدمع الفرح:لِمَ لمْ تخبريني ألا أستحق منك هذه الفرحة؟
أجابتها :بلى والله تستحقِّنها وزيادة, ولكنني كنت أخشى ألا يكون الحمل حقيقيا0
رفعت أم عادل يديها نحو السماء تقدم قربان الشكر دمعاً : الحمد لك يارب00كم أنت كريم0 سأزغرد
استوقفتها سراب ممسكة بيدها وهي تقول:لاتفعلي 00لقد جعلتك الفرحة تنسين أننافي وقت متأخر من الليل.
قالت أم عادل : وليكن00لم يعد للوقت عندي حساب0
قالت سراب : حسنا فلننتظر حتى تشرق الشمس00أليس الغد لناظره قريبا؟أجابت العجوز هذه المرة بحكمة وهدوء: بلا فالعمر لحظة0
العمر لحظة ولكن كم تضم هذه اللحظة من حوادث فرح وحزن ومفاجآتٍ يرسمهاالقدر بعيداً عن إرادة البشر0
قضية أم عادل كانت حلماً حاربت من أجله بسلاح المنطق والأخذ بالأسباب فهي تريد حفيداًيحمل اسم زوجهاهاشم فما انتصرت بمنطقها وما تحقَّقت قضيَّتها إلا بإرادة الله فحدثت المعجزة وتهاوى المنطق البشري أمام القدرة الإلهيَّة0
رائع هذا الصباح00أحست أم عادل بفتوة تنمو في جسدهاالمثقل بسنوات التعب00المحني بهموم العيش00المفرغ من بريق الوعد0
العمر لحظة00قطع قطار زمنها خلالها محطات كثيرة 00حاولت أن تنسجم معها بمنطق الحكمة تحَوِّلُ الحزن فيها فرحاً,واليأس أملاً ولكن بقناعة المعدم0
العمرلحظة00خلعت القناع 00ضمها الأمل إلى كتائبه الباسمة الزاهية بالألوان0
ألبسها الربيع ثوباً والشمس إشراقاً والتفاؤل وشاحاً 0
مساحة الأمل لاتحصرها حدود00فسيحة كالأحلام 00شاهقة كالمستحيل00بديعة كالولادة
حملتها فرحتها الوليدة إلى عوالم براقة ساحرة00حنونة 00فوضويَّة الرُّؤى00سمعت فيها صوت هاشم يناديها00رأته يلعب معها00تحضنه 00تطعمه00تقبِّله00ويهرب منها00أحبت البداية وكرهت النهاية00وهنت ركبتاها00شهقت 00أسرعت تمسك به00لاتريده أن يهرب منها أبداً 00أبداَ00خافت عليه في الحلم00نعم ولكنَّها ستخاف عليه في الحقيقة أكثر0
يتبع
بنت البحر
يكفيكم فخراً فأحمد منكم***وكفى به نسباً لعزِّ المؤمن