شذى الشهيد عدنان البحيصي
لبثت قلوب السامعين سويعات لا يكاد يسمع لها نفس ، جلها تحدق في الأسد الرابض على هذا النعش ، حتى الموت انزوى بعيدا يتأمل أنامله المصبوغة من دماه ، وعبثا يهيلون التراب عليه فمع كل فجر وليد تحييه وتبعثه الذكرى من جديد.
من عذاب الماضي السحيق قلوبهم المفجوعة أضحت صنو البراكين ، حتى الطفل فيهم صار عملاقا يحجب أبراج المنية ، كل واحد في هذه الأرض يرشف الحياة بأكواب الموت ، هكذا يمضي الرجال .......... يولدون
ليحلقوا في الأعالي ليجوبوا سماء الكون اللامتناهي ... مثلما ولد عدنان نثرته الحياة لؤلؤا نقيا يستحم بطهارة الأفكار والمعاني فنظمه الموت عقدا على جيده مدى الحياة .
هذا الجبار بريشته وفنه وجهاده وقلمه الذي اشتاق إلى خالقه فبسط جناحه الماسي وغادر الحياة ، هو الفارس المغوار في حلبة الموت ، ذلك الذي يسيطر على دهاليز الباطل الأرعن ، ويلمس بيده الأثيرية حقائق الأشياء ، نازعا عنها كل ما يشوبها من قذى يشوه صورتها ، ليبرهن للعالم أجمع بشاعة الاحتلال ، ومدى الألم الذي نشعر به .
فما دمت يا عدنان ابنا لهذه الأرض لن يبقى لك من قراطيس لتكتب أو مدادا لكلماتك أو حتى مكانا لتضع فيه دواتك ، لتخط سطورك .... فكان أجمل الشموخ وأطيبه شموخك بالشهادة التي كتبتها اليوم ولم يكتب مثلها أحد من قبلك ، فكانت أجنحة قوية لفهمنا المتعثر في الطريق ... هكذا تتحول قصائدك وكلماتك إلى دماء ترسل في فضاء الدنيا ، لتخبرنا بها أن الكلمات إن لم تختمر بالدماء فنحن إنما عبثا نحاول تحرير أنفسنا ، بل ربما نزيد السلاسل حصونا أخرى أمام الفضاء الأسمى