وحدي هناك
معزولة عما يجري ..
تتسرب إليّ الأخبار قطرات متفرقة
قطرات لست أدري أأجد فيها حزن الفقد أم عزة الصمود أم عبق الجنة
ويخنقني البعد .. أهرع إلى الحرف لعلي أبثه بعض قلقي وغضبي فيخذلني
وأتصبر بالصلاة .. فتهيم روحي ولساني يردد دون وعي آيات الجهاد والشهادة
أتساءل .. من ذا ارتحل ..
أية أقمار هجرتْ سماءنا إلى جنات عدن
كم فقدتَ بعد يا قلبي المثقل بالفقد والحنين
...
لم أعلم يوم ابتدأت معركة الفرقان بما جرى ..
تعمد الجميع ألا يتصل بي لئلا أجد في أصواتهم بحة الدمع والغضب
تعمد الجميع ألا يتحدث إليّ إلا عن امتحاني الوشيك .. ثواني
كانوا جميعهم يتحدثون ثواني ويقفلون السماعات
وكنت هنالك أغمغم : الحمد لله أنا بخير وكذاك دراستي
لكنني لم أكن قط بخير
كنت أختنق
أدور حولي نفسي
أحدق بالجدران الصامتة فأخالها تطبق على أنفاسي
مالي ؟!
لم يكن امتحان غزير الصفحات ليفعل بي كل هذا ؟!
مالي ؟!
لم أكن أعلم ..
لكن روحي كانت تعلم ..
كانت تراهم وراء الحدود أقاموا عرس شهادة
كانت تبصرهم يشدون الرحال إلى السماء
تبصر الأرواح التي تعشقها ترِد إليها .. تمر عليها .. تومئ بسلام دافئ دفء الدم النابض بالحب والإيمان
وترحل ..
تعرج إلى السماء ..
تسمو ..
تعلو ..
وتنتفض روحي شوقا وحنينا وحبا و ..
وأنا لا أعلم
أعود الآن لأحدق بأوراق مفكرتي فتغشى عينيّ الدموعُ
وتختفي من أمامي ناظري عبارة سجلتها وسط نبضات قلبي المضطربة لأبصر كل الوجوه التي رحلت دون أن أقبل جباهها
( روحي تمتلئ بالفقد .. ربي .. إلهي .. مولاي .. من فقدت ؟! )
وصبرتُ يوما ..
لست أدري حتى كيف صبرته ..
ثم نهضتُ بجسد مهدود وقلب مثقل أتصل بها لعلي أجد لديها بعض طمأنينة
أنصتتْ إلي قليلا ثم قاطعتني بصوت متهدج : إذا لم تعلمي بعد
وهوى قلبي إلى قرار سحيق ..
هو الفقد .. هو الفقد لا ريب
اختنق صوتي وطافت بي وجوههم جميعا ..
لم أجرؤ على سؤالها .. وما كنت لأتخيل الجواب أو أتوقعه
فاستجمعتْ شجاعتها لتهوي بالخبر على روحي كالصاعقة
وتوالت قوافل الشهداء
وينتفض قلبي فأتصل بها هاتفة : ثمة من ارتحل .. بالله أخبريني
وكلما انتفض قلبي جاءني صوتها مغسولا بالدمع والفقد
وهوت على روحي صاعقة جديدة
وتُرددُ : هنيئا لهم
فأستجمع صوتي : هنيئا لهم .. لكنما .. المصطفى صلى الله عليه وسلم بكى عمه رضوان الله عليه
دعوني أبكي بعضا من قلبي .. دعوني أبكي شطرا من روحي ..
دعوني ..
من ذي التي ترتحل عنها كل يوم أخت وخالة وابنة .. وتسلب في كل يوم أخا وعما وابنا
أثكلى كثـُكلي في هذه الدنيا ؟ أثكلى كثُكلي ؟!
من يعيب على الأخت دمعة تترقق في عينيها وغواليها وراء الحدود يجابهون الدنيا بأسرها .. وليس تدري أي شيء أصابهم .. وليس تدري أيهم تحتسب وأيهم تدعو له وأيهم ترسل روحها لتكون بعضا من ضماد جراحه !!
وأذهل حين يقال لي مر شهر ..
شهر !!
لا تزال الساعات صامتة في قلبي ..
لا أزال تتردد في قلبي أصداء الخبر : الريان يعِدُك بشفاعة .. صيام يعدك بشفاعة ..
ويتهدج صوتها عبر السماعة فأغلق الخط
ثم أعود وأتصل بها .. فأبادرها : قالوا .. قالوا .. أحق ذاك
فيشهق الحزن في صمتها الطويل
...
واليوم عدت بعد غياب طال ..
لأذهل أيضا
صرخت أختي : لا تخبريني بشيء .. لا أريد أن أعلم
التفت إليها والكلمات تتعثر على شفتي وعيناي سبقتاني لتخبراها الخبر
عادت تصرخ : لا أريد أن أعلم أرجوك
لكن صوتي خانني : عدنان الإسلام
فأغمضت عينيها وعدت أحدق بالصفحة الرئيسة للواحة
أنا عرفت بطلا ؟
أنا لطالما قرأت بطلا ؟
لطالما تتبعت حرفه ؟
لطالما قلت لهم : أفي عالم الانترنت نقاء كهذا ؟
أنا مر في حياتي طيف مجاهد ؟
وليس أي مجاهد ..
مجاهد مع الأحبة .. في الأرض الحبيبة .. تحت السماء الحبيبة
وكأنني للتو أستوعب .. للتو أفهم ..
وارتحل ؟!
لن تطل هذه القامة الشامخة بالإيمان هنا ثانية ؟
لن أبحث عن موضوع جديد له ثانية ؟
لن ؟
كدت أهمس : معذرة لأنني لم أعلم إلا الآن
لم أكتب إلا الآن
لكن الدمعة تبتسمت ..
ماذا تراه يعني الزمن للشهداء أبا بلال ؟
أي أخيّ
هلا شددت على أيديهم واحدا واحدا لأجلي
اعذرني .. فقامتك تسمو على حروفي
وقلمي يتعثر بذهوله وألمه
رب اختم لي بخير
اللهم اختم لي بشهادة في سبيلك
واجمعني بحبيبك صلوات الله عليه وسلامه
وبالأحبة من بعده من ساروا على دروب الصبر إليك
فالشوق إليهم يا رب يحرق قلبي بلهيبه
يا من قرأ
بالله قل : آمين