كان الميمون شاباً مهذباً خلوقاً ، يعيش في قبيلة زرادة في قلب الجزيرة العربية، حيث الصحراء اللاهبة والشمس المحرقة، كان إمام قبيلته وقائدهم بعد وفاة والده الشيخ المؤمن.
لم يكن الميمون بالشاب العابث اللاهي، مع انه لم يتجاوز الثمانية عشر عاماً ، بل كان حازماً أريباً فطناً ، يجمع أفراد قبيلته كل صلاة ليصلي بهم ، كان محمود السر والسريرة فأحبته قبيلته.
وذات يوم رأت أمه سلمى أنه لا بد أن يتزوج، فشيخ القبيلة ينبغي له أن يكون متزوجاً بإمرأة من صميم العرب، ومن بنات كبار القبائل ، ومن يصلح له في نظرها غير أبنة اخوها فارس بني رغيد الأميرة المدللة هند.
عرضت عليه الأمر فوافق ، فهند كما يعرفها جميلة المطلع رقيقة المشاعر متدينة وهذا الذي كان يهمه.
وزفت العروس من قبيلة بني رغيد إلى قبيلة زرادة بموكب من فرسان كلا القبيلتين ، يلبسون سيوفهم ومقنعبن لا ترى إلا أعينهم، ودقت الطبول ونحرت النياق سبعة أيام ودعيت كبار شيوخ القبائل، وكان عرساً تحدثت العرب به.
هكذا تزوج الميمون ، وعاش عيشة هنية مع زوجه هند ، غير أنه كان يتمنى الولد وهاهي هند تدخل عامها الثالث معه ولم يرزقا بذرية تقر بها عينه.
كان ذلك الأمر ينغص عليه معيشته، لكنه كان مؤمناً بالله متيقناً ان الأمر بيد الله .
وذات يوم جمع الصالحين من قبيلته، وطلب منهم الدعاء له بالذرية الصالحة.
ظل محباً لزوجه، وذات يوم وهو في مجلس الرجال إذ يسمع زغرودة من خباء هند، فيسرع ليرى أمه ويسمعها تقول له بشراك بشراك هند حامل يا بني.
لم تسعه الدنيا من الفرحة فسجد لله سجدة الشكر ثم أقبل على زوجه فقبل جبينها وقال لها : أشكري الله.
مرت الأشهر التسعة، ببطىء والميمون ينتظر بشغف، كان لا يتواني عن تلبية أي طلب لهند التي كانت تتدلل عليه ولكن من يخطب الحسناء لم يغله المهر.
ووضعت هند مولودا كالبدر ، ذكرا جميل الوجه أشبه الناس بأبيه ، فسماه أبوه بالمؤمن تيمناً باسم والده.
ذات يوم أخبرته امه سلمى بخبر لم يكن بالسار على قلبه، فهند لم تكن ملتزمة بالصلاة، فدخل على زوجه مغضباً، وعاتبها عتاباً شديدا، وقال لها إما أن تصلين وإما فراق بيني وبينك.
وخرج ، ونام عدة ليالي في مقعده ، وكان ينام بجواره رفيقه عدنان ، وموضع سره واستشارته، فظنت هند أن عدنان هو الذي أوقع بينهما ، فعزمت على قتله.
وذات ليلة خرجت من الخباء بعد أن نامت العيون، والميمون وعدنان في مكانهما نائمين ، حاملة لخنجر مسموم، وكان مقعد الرجال بجانب خبائها، تحرك الحقد في قلبها، وأقسمت لتقتلن عدنانا .
تقدمت وهي مستلة لخنجرها وأقتربت من عدنان وهوت بالطعنة على صدره، فإذا بيد تمسك بقبضتها وإذا هو الميمون، يخلص منها سلاحها وأهوى عليها بكف أطار الشرر من عينيها ، فأنتبه عدنان على الميمون وهو يرمى زوجه بالطلاق، بكت هند وهاجت وصاحت وقالت لأحرقن قلبك على ابنك المؤمن واسرعت تريد الخباء فاعترضها عدنان ، ولحق بها الميمون فربط يديها وقدميها وأركبها فرسه وأنطلق بها إلى مضارب قومها فك رباطها وأدخلها على أبيها وقال لها أمامه:انتي طالق، ثم ركب فرسه وقفل عائداً إلى قبيلته.