تـــوم ـ جيري..العصف المأكول..
مــــحاولة مقـــاربة..
هذه مجرد محاولة مقاربة نص؛نتناوله من خلال الإجابة التي ترد ضمنيا على :عبد المعيد خان طبعة رابعة1982ص49.
ـ 1ـ هل منهج فلاديمير بروب في دراسة الخرافة هوالقرآن الذي يجب الالتزام به؛رغم علميته ؛ ودقّته؛ وقدرته على تفتيت النص وبلوغ خباياه؟وما حكم الميثولوجيا الغربية على الخرافة العربية ؟؟
ـ 2ـ أليس القارئ المتلقي حرا في اختيار المنهجية التي يراها مناسبة لبلوغ نتائجه..أو اختيار أدوات إجرائية معرفية مناسبة من مناهج متعددة..أو حتى دراسته خارجيا من خلال سياقاته فقط؟؟
ـ3ـ بعد تفكيك وحدات النص من داخله ؛ألسنا أحرارا في التسلل خارج هامش حدوده ؟؟ أو حتى الانتقال من الخارج إلى الداخل؟؟
ـ4ـ التراث الحكائي الشعبي ..الأفضل نقله بعاميته أم تفصيحه؟؟
ـ5ـ هل الأدب الشفوي المروي كـالخرافات والأساطير والأحاجي أنتجه الفكر لمجرّد التّسليّة والمُسامرة ..أم عالج ويعالج أوضاعا اجتماعية ؛سياسية ؛اقتصادية؛ دينية ؛ثقافية..لينعكس الكل على حضارة قائمة ؟؟
ـ6ـ هل توم ـ جيري في الرسوم المُتحرّكة الغربية ..هو نفسه القط ـ الفأر في المأثور العربي..وما مدى كشفه عن خلفيات ثقافية توجّه وتؤطِّر الرّؤية ..واستشراف سياسة تربوية..بيئية؟؟
ـ7ـ ما موقع هذا النص المحكي من التّصوّر الإسلامي؟؟..
هذه الحكاية صيغت في قالب قصة قصيرة جذّاب ؛بأ سلوب ممتع ؛في حُلّة فُكاهية طريفة ؛مرِحة مثيرة..مُعتمدةً الضّغطَ والتّركيزَ؛وما ينجرّ عنه من اختزال لأحداث كساها الإيجاز بالحذف ؛بحُبْكتِها الفنية التّقليدية البسيطة ..ظاهرها التّسلية والتّسرية ..باطنها تدجين جيل من خلال النّقيض..تمهيد :
وقد تضمّنت مداليل فلسفية ؛وفكرية ؛وتفتّحت على واقع إنساني أليم رغم بساطتها ..ينتهي إلى أبعادسياسية استعمارية..وقد تناولت مُعاملات بشرية ؛تؤطِّرها سياسات نابعة من أصول وطبائع ..باطنيا..كـ أبعاد لما وراء النص..ظاهريا في شكل خُرافي؛ملفوظه الحواري على ألسنة الحيوانات ؛وفاعل أحداثه وموجّهها هم أنفسهم كـشخصيات رئيسية وثانوية ..وإذا بالفكر العربي حكيم ؛ظلّ مُتّقدا ؛يستوعب الحياة ويعكسها في القالب الفني..
من العامية إلى الفصحى:نقلت الحكاية من لهجتها العامية إلى ..لغة فصيحة وقد وصلنا المأثور الشعبي مشافهة عبر الرواية بلهجة عامية ؛وهذا ينبئ عن تداوله بين العامة ..في عصور الضعف الأدبي المزعوم ؛والحقيقة أن الأدب في هذه العصور..قد خرج عن رسميته إلى ..شعبيته فقط..وهذه سمة ميّزت كل ناقلي الأدب الشعبي إلى الفصحى ..والمطلوب هو التّدرّج باللغة العربية حتى تعود إلى مستواها المطلوب..ما العامية إلا صدى ضعف ووهن أصاب العقلية العربية فترة انحطاطها..
الميثولوجيا والخيال العربي:1..
الميثولوجيا الغربية الاستشراقية المُغرضةالهادفة إلى همز كلّ عربي أصيل ..يبدو أنها أصدرت قرارها في الخرافة العربية ؛واتهمتها بتصوير المحسوس فقط..وقد تأثّر بعض الباحثين؛فـكانت بحوثهم ظلالا للتحقيقات الوهمية الغربية:
//فـإذا أردنا أن نبحث أسطورة عربية فـعلينا أن نراها في خيال تصوري أكثر مما نراها في خيال اختراعي//2..
والحقيقة التي تثبت من خلال الأحاجي ؛والخرافات ؛والأساطير؛والنوادر العربية ؛جسّدت حتى الغائب مثل حكايات الغول ؛والجان..ليستقر العكس؛إن الخيال العربي مبدع خلاّق؛لكنه متأثر بواقعه المحسوس؛فـكل حكاية شكّلت عمل فني شعبي لها صداها الواقعي الذي ينعكس شعاعه على النفس..مهما أغرقت في الخيال..وهذه الحكاية خير شاهد.. ؛ولاتخلو مضامينها من منطق؛ولامن حقائق..إن هذه الميثولوجيا لم تنصف الخيال العربي؛بل أغرقت في اتهامه بالسذاجة ؛والبساطة رغم تركيبته البنيوية ..بل الخيال العربي ـ عبر التاريخ ـ فتح آفاقا للخيال الغربي؛ووسّع رؤيته للوجود..ومن الأدلّة الثّابتة هو تأثّر إيميل دانتي ألجييري الإيطالي في رحلته الخيالية عبر كتابه / الكوميديا الإلهية/ بأبي العلاء المعري في /رسالة الغفران/.
حول المنهجية المُعتمدة:في إطار علمنة النّقد..واعتماد المناهج النسقية الحديثة ؛ولاسيما البنيوية الشّكلانية ؛المُنغلقة على النص؛المُكتفية به؛والتي تقف عند الكيفية التي نُسِج بها النص..اعتبر/ فلاديمير بروب/أن الحكاية الخرافية هي بناء بنيوي مركّب3..وهي منهجية تعتمد أدوات إجرائية محكمة في تقسيم الحكاية إلى مقاطع..واستخلاص وظائف كل مقطع..للوصول إلى تركيبة الحكاية ؛وعناصرها المساعدة ؛وتتابعها ؛وكشف علائقها ..ثم استخلاص المغزى التربوي خاصة..
من المقاطع إلى المشهدانية:
/استوعب غريماس المنهج البروبي؛معيدا النظر في بعض المفاهيم الوظيفية وصياغتها./صياغة جديدة موسومة بالاختزال والتجريد الرياضيين/منتهجا المنهج البنيوي الذي يرى من خلال مفهومه العام؛وما يبقى أصليا فهو النواة أو الشكل الثابت.أوأيضا البنية الشكلية للتحويلات//5
لكننا نحن هنا أمام نص امتزج فيه جنسان؛قصّة قصيرة كاملة المقوِّمات ؛كست حكاية خرافية..أي أن حكاية /القط ـ الفأر/صيغت في ثوب قصّة..وتداخل الأجناس الأدبية أضحى ظاهرة مُعاصرة؛في إطار الإبداع الجديد؛عبر حركة أدبية متغيِّرة باستمرار؛تنسلُّ من التّقليد ؛وتبحث عن ثوب جديد..حتى صارت فنونا نثرية ..وسردية..
// ولمّا غدت الفنون تتثاقف؛وتنفتح على بعضها بعض؛وتتداخل ؛وتستعير تقنيات بعضها بعض؛أضحى أمر الشّكل المشحون بالدّلالة أمرا خطيرالايستهان بقيمته كآلية من آليات إنتاج المعنى//6
ونحن هنا أمام مقاطع شكلت مشاهد..ومُصوِّغ تناول الخرافة عبر مشاهد؛هو أن اللغة عموما مهما تجرّدت من المحسوس؛فـهي تحمل صورة مشهدية للذهن..ولن يفلح قارئ في فهم النص ما لم ينعكس في شعوره الباطن صدى المشهد في موقف أو حالة أو فكرة..هنا تبرز ضرورة امتلاك مشهد ذهني أوّلا..والمشهدية منهج قرآني7..إن فضاء المشهد ومساحته ؛ومحيطه..تشكله صورة المخيال..عبر اللغة الإيحائية والصريحة..وما الصور البيانية من تشبيه؛واستعارة ؛وكناية ؛ومجازـ إن وُجِدت ـ إلاّ صور جزئية للصورة الكلية التي تشكل المشهد..ولذا فإن اللغة المنتقاة في ملفوظ المتن السردي الحكائي الخرافي..عبر استقلالية المقطع النسبي بأحداثه؛في مكان معين..تشكل صورة شاملة كاملة للمقطع..ومن عناصر الترتيب المتتابع للأحداث؛نستخلص العلائق..
وتلك الصورة المشهدية للمقطع التي نسجتها لغة النص بإيحاءاتها وشحناتها المحسوسة في الخيال؛واستقرّت في الوعي؛وتردد صداها في الشعور الباطن؛وتماهى في الوجدان..حتى شكّلت مَلَكة ذهنية..فانتقلت من النص إلى ملكية المتلقي..نطعمها بالمنهج البنيوي والسيمائي الذي يعتمد كلاهما على تفكيك الخطاب؛في إطار التنقيب عن البنية الأولية الجوهرية ؛والإفصاح عن تلاحمها مع جزئياتها بغية الكشف عن علائقها..
/مكما عمل غريماس على توسيع شكلنة الأجهزة النظرية؛بإدماج النص السّردي/ الذي مازال يستقطب المنهج الشكلاني في حقل مشروع السيميائية العامة والبحث عن العلاقة التي تربط النص القصصي بالنظرية//8
إن القارئ إن استوعب كامل الصورة المشهدية الكلية النصية في مخيلته؛يكون قد امتلك النص..وبعدها يستطيع إسقاطه على الواقع المعيش؛أو تصوّر بيئة الماضي؛فيُحيلُه إلى التاريخ؛أو إمكانية استشراف حدوثه في المستقبل..
كما يمكنه أن يتناوله من وجهة علم النفس التربوي..وكذا الاجتماعي..لتبقى عملية امتلاك الصورة الكلية المشهدية للنص حتمية ..لتتأكد ضرورات الفهم الجيد للخطاب أولا..
//فإذا سألنا عبد الملك مرتاض:هل هناك قراءة سيميائية محضة؟أجاب: إننا من السذاجة أن نزعم أن نبلغ من النص الذي نقرؤه منتهاه؛إذا وقفنا من حوله مسعانا على منظور نفساني فقط؛ومنظور اجتماعي فقط؛أو بنيوي فقط مثلا..من أجل ذلك تميل الاتجاهات المعاصرة إلى التركيب المنهجي لدى قراءة نصها//9.
مشاهد الخرافة:دعــوة .. شــك ..استجابة..
يمكن تقطيع هذه الخرافة إلى ست مشاهد ..
المشهد الأول:
يمكنك هنا أن ترسم في ذهنك صورة الفأر وهو يستلم دعوة القط للوليمة ..وأجواء الرعب التي سادته ممزوجة بالدّهشة والحيرة..محاولا إيجاد التبريرات الكافية للتلبية أو الرفض كرد فعل لفعل..وكذا المكان الذي يجالس فيه زوجه..وهو يحدّثها..فـالحكاية ـ إذا ـ تنطلق مباشرة من استغراب شيخ القبيلةـ الفأرـ محاولا تبرير موقفه لزوجته من دعوة القط الحاج للفئران وحدهم..دون سواهم من فصا ئل الحيوانات لوليمة..فـالقط في وعي الفأر ؛مفترس ؛وجرائمه موغِلة ؛وهي طبيعته المُتأصِّلة فيه..غريزة قططية أبدية..ولكنه اعتمر ؛وربما طهّره ماء زمزم؛ويريد أن يكفِّر عن سيئاته..ويُحتمل أن يكون سرّ دعوة الفئران وحدهم..وإبقاء الفأر للاحتمالات الأخرى قائمة ؛يزيد إثارة ؛ويضاعف الشّوق للمتبقّي..
احتمال توبة القط يرجّح عند المُتكلّم ؛الحيرة والتّردّد ؛في قرار تلبية الدّعوة..ويوفّر تواصل الخيط المتين في التّرابط المنطقي للأحداث..وتتنامى العقدة تدريجيا ؛بتواتر الأحداث؛وتصاعد إيقاعاتها..
المشهد الثاني:هدايا ..اقتداء..ذهاب..
يبدو كبيرهم قدوة..وهي طبيعة عربية بشرية أسقطت في السردية على الخرافة..وتبدو التربية جلية في ترسيخ عنصر الطاعة للكبير..فـهو الآمر ؛النّاهي..يقلّده الفئران في اقتناء هديّة من لحم/بنكهة الفئران/..والعبارة كافية للدلالة على تواصل الشّك؛والتّوجّس من عجز القط على تغيير طبعه..والحذر مستمر رغم قرار الحضور والتلبية الصّعب..ويمكنك تصور طريقة التنقل ؛والوصول ؛ومراسيم الاستقبال..
المشهد الثالث:حضور..تفاعل..حذر..
الإيجاز بالحذف الذي اختزل وصف المكان؛تركه لخبرتك ؛وذائقتك؛وحرّيتك في تصوّر موقع الحفل..مما يوسّع مجال الخيال فسيحا في رصد الصورة..إن بصرك هنا يتوزّع على وسائل الوليمة وأدواتها..ترى ببصيرتك أنواع الأشربة الموزّعة ؛والمأكولات المفضّلة..وكيفيات تحقيق متعة السهر على العادة..رقص..أغاني..عناق..بين عائلتي الفأر والقط..
وإذا بالعمرة مجرّد /مُكاء وتصدية/..سياحة وانتهت..واستؤنفت حياة الجاهلية على عادتها..حيث الغناء ..والاختلاط والرقص..والعناق..ليست من صفة المسلم..وإذا بالمناسك لاتنتج أي آثار سلوكيّ؛يطبع الإيمان؛ويجسّد التّقوى ؛ويقف دون حدود الله..
وتحيلنا هنا الخرافة الشعبية إلى التّفسّخ الخلقي الذي بلغته العامة في عهد التّردّي؛والتّحلّل من صلب الدين..هكذا تبدو البيئة..تناقض بين العادة والعبادة ..عبادة تنسفها البدع..ويتواصل المشهد البصري..في تصوير غرّة صغار الفأر ؛وهم يرتمون في أحضان القط..إذْ سرعان ما ينقلبون؛ويشهدون بحنانه ؛ورأفته ؛ وصدقه..وكذب آبائهم في تصوير خصال القط السيّئة ..يعلنون تكرار الزيارات..وقد كان /يهدهدهم ؛ويشمشمهم /وهو يرتعش والعرق يتصبب ؛مُغالبا غريزة الانقضاض..لنسجّل الاغترار..وآثار الذوبان والانسلاخ..
المشهد الرابع:ترقب..متابعة..كشف..
كبير الفئران ..هو الحكيم ؛المُتصدي؛المُقاوم..الذي بقي الشّكّ يُساوِره..خبير ؛يترقّب عن بُعد؛يرصد لهاث القط ولعابه؛وبروز أظافره..ويلتفت إلى حيث القطة تسحب ما يشبه شباك الصيد..وينتبه إلى حفداء القط؛وهم موزّعون على المخارج والمداخل..فـهو الرّقيب الحارس الأمين الذي لا تنطلي عليه خدعة..
لنقف هنا عند الغاية التربوية المستوحاة من الخرافة ؛وهي الحفاظ على الأصول والهُوِيّة؛وطاعة الكبير لحكمته وعلمه بصروف الزمن ؛ونكبات الدّهر..وكيفيات الحفاظ على استمرارية الأمن والاستقرار في الحياة..وإذا بالعبرة تقول أنه لايمكن أن يصير العدوّ صديقا أبدا..
المشهد الخامس:يقين.. تواصل..تحذير..
نتصوّر هنا يقين الكبير بفعل المكيدة المدبّرة ؛وردّة فعله..إذ تراه يقفز محاولا انقاذ ما يمكن انقاذه ؛ينفرد بكل فأر يراقصه؛يخبره بلغتهم الخاصة بهم رمزا؛بالخطر المُحْدِق..
المشهد السادس:فرار..هلاك..نجاة..
تتصوّر هنا طريقة الاستنفار الكبرى التي عمّت مجمع الفئران
في خضمّ الحفل..والكيفية التي فرّ بها كبيرهم ؛بعد إبلاغ رسالته الممثّلة في الإخبار بالخطر الحقيقي الواقع بهم جميعا..والكيفية التي انهال بها القطط على الفئران بالمكانس والشباك؛وهم يتسلّلون عبر الأبواب؛ووضعية سقوط بعضهم ؛أشلاء..لحم مفروم..وكذا الطريقة التي أصيب بها بعضهم ؛وما لحقهم من إعاقات؛وما يترتب عنها من دمار نفسي..والحل النهائي للعقدة ..والوصايا الحكيمة التي كان يهذي بها كبيرهم وهو يحتضر..فـ يهلك بطريقة مأساوية..
سياسة توم ـ جيري:إن تحريف الأشياء عن طبائعها الخاصة التي جُبِلت عليها بالغريزة هو عمل خيالي فني؛لايؤسسه منطق..وتحويل القط إلى شخصية ـ في الرسوم المتحرّكة ـ تنافس الفأر أحيانا ؛وتُداعِبه أخرى ؛وتُصاحبه في حالات..وإبقائه على قيد الحياة ليس حبا فيه ؛ولكنه النقيض الذي به تطيب الحياة بممارسة الحكم عليه..وشعور الغالب بالرفعة والقوّة والسياسة الغربية عموما تبنى على الصراع الطبقي..ثم توجيه كل هذا إلى أطفال العالم ..وهم مولودون على الفطرة ..هي سياسة تربوية مُغرضة ؛تهدف على ترويض الجيل على الاستئناس بالقوّة ؛والتّعامل معها ؛والتّعايش معها؛بل تعاطي الحياة معها..والرضى بالبقاء تحت سلطتها ..بل طلب حمايتها ؛والثّقة بها..
إن هذا العمل المثير ؛والمؤثّر الذي يرتدي ثوب التّسلية ؛باطنه ترويض النّفس البشرية على قبول القوّة ؛والرّذوخ لها..ليسهُل في النّهاية قبول مشاريع الاستبداد والاستعمار؛وتجسيد رغبة القوي..والخضوع لمخططاته التي تخدم مصالحه؛بل العمل على تنفيذها..
إن جدلية القوّة والضعف؛تنزاح هنا عن مرتبة الصّراع الحادبين اختلال موازين ..إلى حوار وهمي يقبل فيه الضّعيف كلّ شروط القوي..وتحتل القوّة مساحة واسعة في حياة البشر ؛من الفرد إلى الأفراد ؛إلى الجماعات..محليا ؛وإقليميا ؛ وعالميا..من صراع النفس مع العقل حول القيادة الشّخصية إلى سيطرة الأخ على أخيه ..المسؤول على مُستخدمه ؛إلى سلطة على الشعب..إلى دولة على عالم بأسره..إلى مذهب فلسفي على آخرين..
حينما تسود الحياة فكرة جاهلية ؛ويغيب العدل العالمي ؛ويصير مجرّد شعارات..ينتشر الباطل في الأرض؛ولاتعيش الأمم القويّة إلا على عرق ودماء الضعيف واستعباده..لو انسحبت هذه الدول النّامية الفقيرة من الحضيرة العالمية ؛وقاطعت بضع دول غنية قوية لتآكلت هذه الدول ؛ولَعمل الأقوى فيها على إخضاع القوي..
وهذا يدلنا على أن متناقضي القوة والضعف؛حتمية وجودية في ظل الباطل؛تؤسس الصراع الطبقي الماركسي..ولمّا كانت هذه الخرافة العربية حول القط ـ الفأرتنظر إلى الطبائع على حقائقها ؛وتجعل الفأر أينما وجد ه القط فـهو وجبته اللذيذة المفضّلة..فقد نسفت /توم ـ جيري/ في نفسية القارئ؛وغيّرت له المفاهيم..وصححتها ..حينما قام حوار بين هذا النص ونصوص / توم ـ جيري/ السابقة وهنا قيمة النّصّ واهميّته..
// والمهمّة التي يُنيطها /ياوس/بالقارئ تنشأ من طبيعة النص أولا ؛ومن طبيعة ما أسماه بأفق الانتظار ثانيا.إذ لايمكن تصورهذا القارئ إلا بين أفقين ؛أفق أسّسته النصوص السابقة وركَزَت فيه جملة من القيم والمعطيات الجماليةو ؛وهو الأفق الذي يحاوره النص الجديدويُقيم معه لعبته ؛فيُعرِّضُهُ إلى زعزعة وتحوير وتبديل وإثراء؛فتنتقل الذات القارئة من حال إلى أخرى....10
تلاحظ هنا رغم توفّر اللحم المفروم للقط بنكهة الفأر إلا أن القط ظل مجبولا على قبض روح الفأر قبل لحمه..الفطرة على إفنائه ؛وما أكله إلا لذّة إبادة متى سنحت الفرصة ..هنا العبرة العامة المركزية..
إننا حينما ننتقل خارج النص ؛ونقارن بين تناول أدبين مختلفين في الرؤية والاتجاه..وفي النظر إلى الوجود والحياة والإنسان..نقف عند مدى شحن الفن الخرافي للقيم الإنسانية ..والفارق الجوهري بين /توم ـ جيري/ الغربي..وعلاماتها السيمائية كرسوم متحركة ..والقط ـ الفأر العربي كخرافة محكية ..لنقف عند التوجيه التربوي النفسي الخطير ؛وتوظيفه السياسي..ولئن كنا نتعاطى يوميا سلسلة لامتناهية حول القصة الكبرى القائمة بين/ توم ـ جيري/ ..عبر الفضائيات..فإن الأدب العربي نادرا جدا ما تناول الحادثة..وهنا ندرك الدواعي الحقيقية الباعثة على الدراسة والتّمحيص..
الحُبْكة الفنية :إن هذه الحُبْكة الفنية التقليدية التي بدأ استهلالها باستلام الفأر الدعوة ..تبدأ سردية أحداثها من جحر الفأر مصاحبة لوصف الحالة النفسية .ثم تنتقل إلى مكان الحفل ؛والصراع النفسي متواصل بدافع الشك؛والبحث عن اليقين متتابع حثيثا ؛والأحداث تتصاعد ؛والعقدة تتشكل تدريجيا ؛والإثارة متواصلة ؛حتى يكتشف الفأر اللعبة ؛؛؛وهنا ينطلق بصيص لحظة التنوير ؛ويزيد فيه الصراع بين العقدة والحل توترا وحدة حتى يبلغ قمته؛مع الشعور بأوج الخطر ؛ويشرع الفأر في تحذير الصغار ؛واستعداد القطط..ونقف هنا عند قمة العقدة في الحكاية ؛وهي بؤرة التأزم ؛والنقطة الأرجوانية المركزية التي تفاجئنا الأحداث اللاحقة بحل ربطها مباشرة ..بل تنزاح متدحرجة في هبوط توترها ؛كلما انقشعت لحظة التنوير مع انطلاقة عين كبير الفئران في ملاحظة الأفعال ..وتزيد اضمحلالا وتلاشيا كلما ارتقت حدة الترقب..ويتبدد الشك مع اليقين مع أول حركة قفز للفأر بين صغاره يخبرهم رمزا..وكلما تجلى الحل ؛كلما بلغت العقدة قمة توترها ؛وبالفرار الذي يلونه الهلع ؛تضع العقدة أو زارها ؛وينتهي الحل إلى قتل وأكل ؛وجروح وإعاقات ؛واحتضار.. فـموت..
ولكن الخرافة تطرح نهاية ؛تشكل علامة استفهام دائمة في ذهن المتلقي ..هذيان كبير الفئران بتمتمات غير مفهومة ..وهي البعد الماورائي للنص..نهاية مفتوحة رغم حل الحادثة ..تُرى بِمَ أوصى صغاره؟؟
أوصى بالتوصيات التالية:
ـ يمكن أن تمدد هذه القصة الخرافية بالاسترسال في ملء فراغات الإيجاز بالحذف؛وذلك بسرد جزئيات الأحداث ووصف مواقفها ؛وهيئة شخصياتها الفاعلة ..ثم طبعها في كتيب مستقل ..بالخصائص التشكيلية لفئة المراهقين وما دونهم ؛وما فوقهم ..والفوائد كبيرة..
ـ رد الفعل على سلسلة/ توم ـ جيري/؛يكون باشتراك أقلام عربية تتناول الحكايات لتشكل سلسلة ؛تحق الحق؛بالفصحى وتحفظ المخلوقات على طبائعها وخصائصها في إطار:
//تأصيل الأصيل ؛واستحداث الجديد//11
ـ واجب الوسائل السمعية البصرية ترجمة هذه الأعمال في سلسلة رسوم متحركة/قط ـ فأر / عربية.
هوامش:1ـالمثيولوجيا:علم الأساطير.
2ـ الأساطير والخرافات عند العرب:د/محمد
3ـ مورفولوجيا الحكاية الخرافية:فلاديمير بروب.
4ـ في الخطاب السردي.نظرية غريماس.محمد الناصر العجيمي.الدارالعربية للكتاب.تونس 1991ص8.
5ـ البنيوية .جان بياجيه ترجمة عارف منيمينة وبشير أوبري..منشورات عويدات بيروت ط31982ص73
6ـ ـنظريات القراءة في النقد المعاصر:أ/د/ حبيب مونسي .منشورات دار الأديب2007ص100
7ـ سيد قطب أشار إلى المشهدية ..في ظلال القرآن..التصوير الفني في القرآن الكريم..
8ـ المنهج السيميائي.من النظرية إلى التطبيق.د/ أحمد طالب.دار الغربص21.
9ـ نظريات القراءة في النقد المعاصر ص73.
10ـ نظريات القراءة في النقد المعاصر..ص114.
11ـ نقد النقد..المنجز العربي في النقد الأدبي.دراسة في المناهج..ا/د/حبيب مونسي ..منشورات دار الأديب2007ص142.