اشعر بغرابة الكون حولي ....
بغرابة الأشياء...
بغرابة المكان، و الزمان، و الهواء...
يستقر في ذهني أحياناً لونٌ من الألوان ..
الأبدي منها الذي يطغى على ضياء الشمس فيحيل نورها سواداً أبدياً
و قد تتسع مساحات حزننا لتصبح بحاراً من الهموم و الأشواق
و يغبر أحياناً أخرى، فأراه بارداً .. (عادياً) جداً، بل حتى لا جميل و لا قبيح ...
يلذ لي أنْ اكتب بالأحمر .. لون الدم المسفوح .. من جرح بريء !
أعادوا إليها كهف الحنان كومة من اللحم المعجون بالدماء ... بَحَثت عن ذراعيه و صدره لتحتمي به من هول المصاب .. لم تجد سوى الصمت .. لم يعرها اهتمامه .. تنكر لها (بعد الحب و العشرة) ..! أُجبر أن يتنكر لها .. فهو ما عاد سوى صمتٍ ينزف...!
توفي والدها صغيرةً ... و احبها هو بعد يُتم قصير ، فعوضها عن أبيها ... و قف إلى جانب والدتها المريضة .. أنجبت منه ولد وبنت و ثالث مازال منطوياً على نفسه في ظلماته الثلاث ..
كيف ستعتاد فراغ السرير بعده ...؟ وكم مرة ستسأل ولدها : أين بابا ..؟ ...
أي لون سيصبغ بفيضه حياتها .. الصارخ القاني المتوهج ...؟ ام المرمّد الفاتح المترب...، و هل ستتيه في ازدحام الصور و الذكريات...؟!
كل شيء حولها يحمل لونه ورائحته، فنجان الشاي بعد الفطور، قدح الماء ،
الله كيف اصطفيت من كل شيء أحلاه ، ثم ختمت على عينيها و سمعها و بصرها غشاوة لا تتبين بعدها إلا لون عينيك، تمد يدها... أين ذراعك و قد قلتَ لن تتركها لأنياب الذئاب
أي شعرٍ بعد عينيك سيُكتبْ
أي عذب سيُشرب
أي واحة سيلوذ بها متعب
أي سماء ...
و صدرك ارحب
و أي صوتٍ سيطرب
انفصلت كل القصائد عن ذاتها ... آلهة الشعر غاضبة ...
أي صوت بعدك سيهدهدني حتى أغفو
طالما حسدتها النساء .. تزوجت الحبيب الذي أمضَّها انتظاره ثمانية أعوام طوال .. ضابط في الجيش ... اهدوه قبل اشهر سيارة حديثة .. وفوق هذا يحبها ..
لله در الأمهات ...
بدأ كانت (حواء) حين فجعت ولدها و ختاماً كانت سمراء من البصرة ، هي المرأة ، من حواء التي رافقت وحدة آدم في ارضٍ واسعة لا مؤنس فيها ، مروراً بخديجة التي واست جراح الرسالة الإلهية في مهدها الأول، و آسية بنت مزاحم، و فاطمة بنت محمد .... وغيرها
فتحية للأمهات..
كيف اعتدن موت الأبناء منذ ثلاثة وعشرين عاماً ... كيف اعتدن خروجهم من وسط حياتهم قسراً .. مخلفين وراءهم أحلام الشباب و طموحاته .. وحبيبة في كل مرةٍ يكون لعينيها لونٌ جديد...!
في ذلك اليوم هل كان يدرك أنه لن يعود ....؟ ألم يقبل جبينها ..؟ شأن الذين يموتون في سبيل الله...؟ و أتساءل ... في سبيل من قُتل ؟ الله ؟ المال ؟ الوطن ؟ الأهل؟
هل يدرك قاتلوه سواء الذين هنا أو الذين هناك كم قصة حب انطفأت بأيديهم؟ كم من شريفةٍ ذلّت لشموخ أنوفهم...؟ لا ... وربي..!
أيُّ دعاءٍ منا يُستجاب ..؟ نحن الذين ننضوي جميعاً تحت شمس العذاب .. راضين، خانعين .. بل و مجيبين كلَّ نداءٍٍ من العلاءِ ... و الجبروت الآدمي البغيض .. نعرف الباطل و نتبعه .. و نعرف الحقَّ و نمنعه ...! يدنا بيد القاتل .. خدم مأجورون ... و زبانية نوقع ببعضنا البعض.