رويَ أن ابن خلدون لما قدم من المغرب الي مصر غرقت به السفينة علي شاطئ الإسكندرية ففقد كل ما يملك من مال و كتب و خرج من البحر عريان و نجا بنفسه علي الشاطئ فعزي نفسه قائلا
[blink]و رأس مالك و هي الروح قد سلمت ****** لا تحزنن لشيء بعدها ذهب[/blink]
و عاش ابن خلدون و ألف و انتشرت مؤلفاته في الشرق و الغرب ..
الأفراد يعتريهم من النوبْ ما يتغلبون عليه بالصبر و اليقين و طول العمل و الأمل فيما عند الله , و كذلك الدول فإن الدول قد يصيبها من الهزائم أو الكوارث ما تفقد به مالاً لها, أو ارض لها , أو كرامه لها و مع ذلك فهي تتحامل علي نفسها و تصبر علي جراحتها و تواجه الأيام بمنطق اليقين و الكدح لنفسها و يومها و غدها فإذا الايام تواتيها و يجيئها مثل ما فقدت , ما دامت قد بقيت هي هي وثيقة الايمان , عميقه الاخلاص , تسلم و جهها لله و تنتظر ما عنده بثقة ..
أنهزم المسلمون قديما في اولي الحملات الصليبية علي بلادهم و لكنهم بقوا مثابرين علي رسالتهم و دعوتهم و شاء الله أن يعود لهم ما فقدوا و ان طال المدي بعد تسعين سنه استعادوا بيت المقدس مرة أخري ..
و سقطت بغداد في أيدي التتار , و ثابر المسلمون الليالي الكالحة و بقوا علي دينهم و شريعتهم يغيرون ما نزل بهم من متاعب ماديه و أدبية حتي نجحوا أخر الامر في ترويض الأزٍمة الجامحة و ما لبثت أن عادت تلك الأزٍمة الي أيديهم يقودون بها دولتهم و جماعتهم ,
لما علم أعداؤنا أن امورنا كذلك فكروا في أمر أهم قالوا ما دام الرجل العاقل تصيبه النكبة فيتغلب عليها و ما دامت الدولة الراشدة تصيبها الهزيمة فتتجاوزها و ما دام منطق الايمان يفرض نفسه علي أصحابه فإذا هم يجتازون العقبات و يستطيعون اخذ ثأرهم و استرجاع خسائرهم ما دام الامر كذلك فلا بد من عمل اخر , ما هو تغيير العقل الإسلامي , تغيير الثقافه الإسلامية , تغيير التراث الذي آل إلينا , أثاره البلبله و الفوضي في الطريقة الأدبية و الروحية و العقلية التي نعيش بها , أي بالتعبير الصحيح " عملية توسيخ الفكر " لا غسل المخ هي في الاساس توسيخ للمخ و هي عمليه يشترك فيها قوي ظاهره و باطنه و فتن مدبرة و مرتجله و مأسي فكريه و خلقيه تبتلي بها الامه و بذلك لا تستطيع الأمة إذا وقعت علي الأرض أن تنهض من كبوتها بل لعلها تستمرئ السقوط و تحب ان تتقلب في الوحل هذا هو جهد الغزو الثقافي الذي تعرضت له الأمة الإسلامية في نكبتها الأخيرة ..
إن سقوط بغداد لا قيمة له في تاريخنا لأننا سنسترجع العاصمة التي فقدناها إنما المخوف ان تسقط من شعب الإيمان السبعين عشرون أو ثلاثون شعبه , فيبتر الإيمان و ينشطر شطرين يبقي بعضه و يلقي بالبعض الأخر في البحر المخوف ان تفقد الأمة ضميرها و تفكيرها فتنظر إلي كتابها و سنتها بغير العقل الطبيعي و بغير الفكر الطبيعي فإذا الكلم يحرف عن موضعه و إذا الغايات الشريفه تحول إلي غايات خسيسة و إذا الفقه يتحول الي غباء