قالوا عن الأدب الكثير وعن قلة الأدب وفي شتى المجالات لم يتركوا شيئًا لم يخوضوا فيه ولم يتعرضوا له ، وكان أكثرها وضوحًا وتشويها هو في الأدب نفسه شعره ونثره ، فمن السهل أنْ تكتب أيها الإنسان ولكن من الصعب أنْ تخفي نواياك في أمور تفتقر إلى بعض الأدب .
وقالوا من قبلنا أيضًا كلمة مشهورة ومعروفة للجميع " سبق السيف العذل " والكلمة رصاصة إنْ خرجت فلا عودة وتلتصق بصاحبها فلا تغادره حتى الممات ولا ينفعها جميل الكلام لأنها تترك بصمات لا تمحَ ، ولو يعرف الأدب من ألصق بنفسه تهمة الأدب لما لبس ثوبًا مصطنعًا مزركشًا بحرف الضاد ولما ادّعى العلم والأدب ، لأنّه سيعلم حتمًا أنّه لو كان من أهل العلم و الأدب لعرف أنّ الأدب لا يحتاج لقارئ يعرف الأدب شعره ونثره ، بل يحتاج إلى قارئ تربى تربية صالحة فأدّبه أهله أو زمانه ، وعلم بفطرته أنّ بعض الشعر فيه فجور و سمته الفسوق ، وصنعته الانحلال وأنّ بعض النثر فيه أكثر من ذلك وحدث ولا حرج ، ولقاس على نفسه كل ما قيل وقال ولسأل نفسه سؤاًل يقول : هل يقبل لأخته أو ابنته أو أمه كل ذلك ، لكن قلة الأدب في هذا الزمان تجعل من معتنقها أديبًا ألمعيًا لا يشق له غبار وهو لا يعرف من حرف الضاد إلا رسمه ومن معناه إلا ما صوّره له شيطانه أنّ فعله صواب وهو في ميزان الأدب الحقيقي ليس له وزن أو أي اعتبار.
أعجبتني قصة قصيرة كتبتها أخت فاضلة تقول فيها :
" قرأ ردها الجميل على نصّه ، فطار فرحًا وأيقن انه شغفها حبا!
وبعث رسالة عشق إليها ، فجاءه ردَّها : رفقًا بنفسك يا بنيّ . ***
هذا هو الأدب المفقود والذي يجب أنْ ننتبه له وأنْ نهتم به ، فالقلم له حدوده وخطوطه الحمراء والتي يجب عليه أن لا يتجاوزها .
وكم أعجبني من قال " أحبها وتحبني وتحب ناقتها بعيري " فما بال من يكتب وهو يصوّر لنفسه أنّ قلمه يحب ليلي وليلى لا تدرِ ، و المخزي أكثر أنْ نرى قلمًا يتجرأ ويقول أحبّها ويكاد أنْ يضع اسمها أيضًا في نصوصه وليلى في عالم آخر ويمنعها أدبها أنْ تقول له : لا محل لك من الإعراب يا مجهول الهوية " وفي آخر قصة سمعتها أقسمت لي صاحبتها أنّها تودّ لو تقول له ذلك ، فقلت لها أنا سأقول له ولعلّه يقرأها ويتحرك دمه ويتقي الله في نفسه وقلمه .
الموضوع كبير ويحتاج إلى تفصيل أكثر ، ولكي لا يتصور أحد أنّنا نتجنّى على الآخرين ونتدخل في خصوصياتهم نقول : لو كان هناك قبول من الطرف الآخر لما يكتبه هذا القلم أو ذاك لقلنا هذه أمور شخصية ليس من حقنا أنْ نتدخل فيها ، لكن عندما نرى الطرف الآخر غير معنى بكل ذلك فهذا يضعه في موقف محرج جدًا إذ كيف سيتدخل ليقول كلمته ونحن في مجتمع شرقي له ضوابطه التي تحكمه ؟
قرأت كثيرًا في بعض المنتديات لأقلام تدّعي الأدب وتمارس كل ما قيل آنفا ، صدقًا أكاد أقسم أنّ هذا ما يحصل وأنّهم ليسوا بحاجة إلى أدب فقط بل ومصحة نفسية أيضا .
يا لهذا العالم العنكبوتي كم فيه وفيه مما يقال ومما لا يقال ويخجل المرء أحيانًا من قوله .
ولله في خلقه شؤون ، نسأل الله العفو والعافية .
*** رابط القصة القصيرة https://www.rabitat-alwaha.net/molta...ad.php?t=36335