المقامة الانتخابية
حدثنا عدنان ابن يوسف قال :
توفي رئيس لجنة الأدباء , وأقمنا له بيت كبيرا للعزاء , تواجد فيه كل ذو قلم , مبينا ما في النفوس من ألم , على فراق الملهم الفقيد صاحب الخلق والرأي السديد , لكن هناك من في نفسه سرور , وراء دمعه ولطمه مستور , لأن منصب الفقيد أصبح شاغرا ,وأنه إلى احدنا يأتي صاغرا .
وبعد انقضاء فترة الحداد , صاح في الأدباء صوت ومنادي , آن اجتمعوا يا رفاق على عجل , فهناك أمر كبير وعظيم وجلل , يجب مناقشته دون تعب أو كلل ،وهو انتقاء رئيس اللجنة الجديد ، يدير شؤون مجلسها العتيد ، فتداعى إلى المجلس الأدباء مرسومة على وجوههم ابتسامة صفراء ، كل يظن انه للجنة رئيس ، متخيلا نفسه على العرش جليس.
فوقفت على المنصة ملقيا خطاب ، مذكرا أني من صفوة الكتّاب ، وأنني المرشح الوحيد , وأنا النادر منهم والفريد ، فقد صعدت من الآداب القمم ، وداعبت أناملي القرطاس والقلم ، فمنذ نعومة إظفاري انتشرت كتاباتي وإشعاري ،فقرأها الكبير وتغنى بها الصغير، فمدحني الصادقون، وسخر مني المارقون، فلا يهمني المارق القادح ،لأنه لايشعر كان لي مادح، وهذا فضل كبير، لايستحقه إلا كل جدير ، فلا بد أن أكون لهذه اللجنة رئيس، لأنني قدمت لها الغالي والنفيس، وأفنيت جل عمري، في كتابة القصة ويظم الشعر، فلا تبخسوا حقي الجلي، فأنا اعرف ما هو علي وما هو لي .
وبعدها حصل هرج ومرج واختلاف، وابتعدوا كثيرا عن اتفاق وإتلاف، حتى تعالت الأصوات باللعن والسب، وارتفعت الأيدي مهددة بالصفع والضرب ، إلى أن وصل الأمر إلى صاحب الزمان، وهو كبير الأدباء عظيم ذو شأن، فبعث على عجل وكيله، نظنه منصفا متمما جميله، فجاء وقال وسأل هذا السؤال : ماذا تريدون يا أصحاب ، قال قائل نريد رئيس اللجنة بانتخاب، وأثنى على ذلك جميع الكتاب، فوقف وكيل صاحب الزمان وألقى هذا الخطاب بصوته رنان : اصمتوا يا إمعات، فلا ديمقراطية هنا ولا انتخابات، وانتظروا صدور أمر التعيينات، فلرئيس لجنتكم مواصفات، لاتنطبق إلا على كبار الشخصيات، يجب أن يكون له كرش عملاقة، وصلعه لماعة، ورداءه جميل ورقيق، وحذاءه ملمع وأنيق ، لايؤخذ تاريخه بالحسبان، ولا نتاجه الأدبي مهما كان، فمنذ هذه الساعة، ومغادرتكم هذه القاعة، ما عليكم إلا السمع والطاعة، وإلا عوقبتم بكل فظاعة .
فخرجنا من القاعة كلنا عبوس، وألم كبير وحرقة في النفوس، لأن هناك من يكسر الرؤوس.
وذهبت إلى البيت وأمام المرآة، أعاين جسدي بكل دقة وأناة، فوجدت أن ليس لي للعنق ربطة، وساقاي كسوق نبات الحنطة، وجلد بطني مقعر وطري، يكاد يلتصق بالعمود الفقري، وردائي رث ومرقع، وحذائي بالمسامير مرصع ، فأيقنت ان ليس لي نصيب بالطيبات، لأنني عينت ساعيا للبريد والدعوات، وربما أوزع المراثي والنعوات، لم أنل في الصيف إلا الحر، وفي الشتاء برودة القر، ولهم الحلوى ولي الحنظل المر، وفي ذلك أنشدت أقول :
كل يداوي رأسه من صلعة ......... وأنا المع صلعتي وحذائي
فعسى تكون للزمان وسيلة......... أكلي وشربي أنها ودوائي
والكرش ليس لي عليها سطوة....... يارب كورها عساها نمائي