محاولة لهز العقل العربي
أعزائي
فى القرآن الكريم وصف المولى سبحانة وتعالى المسلمين بأنهم أمة ولم يصفهم بأنهم دولة
وهناك فرق كبير بين الوصفين
فالدولة مجموعة من البشر يعيشون فوق مساحة واحدة من الأرض تجمعهم مصالح مشتركة ولهم قيادة واحدة اى أن الدولة كيان سياسى له تواجد مادى ملموس مثل كل دول العالم حولنا
بينما الأمة مجموعة من البشر يجمعهم شئ مشترك كالدين أو اللغة أو التاريخ ولا يشترط أن يعيشوا معا ولا أن تضمهم دولة واحدة فالأمة مجموعة من البشر يربطهم شيء معنوى
ورغم ذلك يعيش فى وجداننا جميعا حلم غريب
حلم الدولة الإسلامية التى تجمع المسلمين جميعا فى دولة واحدة تضم جميع الدول الإسلامية ولو أمكن تضم جميع مسلمى العالم
وفى وجداننا دولة الإسلام الأولي فى المدينة المنورة بقيادة سيدنا رسول الله وصحبه كمثل أعلى لهذه الدولة الحلم ونموذج نبحث عنه رغم الخصوصية الشديدة لهذه الدولة والتى تجعل تكرارها أمرا مستحيلا
ولنحاول أن نلقى نظرة عن قرب على هذه الدولة لنرى هل يمكن أن نعيد إحيائها
أولا
كان كل شعب هذه الدولة من قبائل عرب الجزيرة العربية أي تاريخهم واحد وثقافتهم واحدة وكانوا جميعا متمسكين بمثاليات الإسلام كما جاء به سيدنا رسول الله
ثانيا
كان يقودهم سيدنا رسول الله وتبعه أربعة من اجل الصحابة أرسلوا جيوشهم لتهز أركان أقوى دولتين معاصرتين وتقضى عليهم
ثالثا
كانت رقعة هذه الدولة محدودة ومحصورة داخل الجزيرة العربية ثم امتدت فى آخر أيامها لتصل إلى العراق والشام ومصر كدول تم فتحها حديثا
أي أننا نتكلم على دولة تضم مجموعة متجانسة من البشر تعيش فى مساحة محدودة يحكمها اشرف وأنبل خلق الله وسيد المرسلين يتبعه أربعة من اشرف واجل أصحابه بكل مثالياتهم
وبعدها مباشرة نجد الدولة الأموية بكل جبروتها وقوتها وأيضا بكل عيوبها وقسوتها
هى إمبراطورية ورثت الفرس والروم كدولة سياسية حتى أننا نجد من المسلمين اليوم من يلعنها ويلعن حكامها رغم أن الدولة الإسلامية توسعت فى عهدها حتى وصلت حدود الصين شرقا وأسبانيا غربا
ومع ذلك لا نستطيع أن نقول أنها كانت دولة الإسلام أو أنها امتداد لدولة الإسلام الأولى التى نحلم بها
ففرق كبير بين معاوية وأبناؤه ودولتهم بكل بذخها وجبروتها ونظامها فى توريث الملك وتوزيع الثروات وبين سيدنا أبو بكر وتواضعه وزهده وتقواه وبين سيدنا عمر ابن الخطاب وعدله وبين سيدنا على وإخلاصه للإسلام وبين سيدنا عثمان وورعه
أي أن الحلم الذى نتمناه جميعا هو دولة الإسلام الأولى فى عهد سيدنا رسول الله وصحابته الاكرمين
والآن لننظر إلى واقعنا المعاصر لنرى إمكانية إحياء هذا الحلم
أولا
اختلفت ثقافات المسلمين وانتشر الإسلام حتى أن اكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان وهى إندونيسيا ليست دولة عربية أي اختلفت ثقافات المسلمين واختلف تاريخهم واختلفت عاداتهم ومجتمعاتهم واختلفت مصالحهم فأصبح هناك المسلم الصينى الذى يتمسك بالنظام الاشتراكي وهناك المسلم الأمريكي الذى يتمسك بالنظام الرأس مالى
ترى كيف يمكن تجميع كل هؤلاء فى وحدة واحدة رغم اختلاف مصالحهم وثقافاتهم وتاريخهم ؟؟
ثانيا
انقسم الإسلام إلى مذاهب واتسعت شقة الخلاف بينها حتى كفر بعضهم البعض فكيف سيمكن جمع كل هذه المذاهب فى وحدة واحدة ولأي مذهب ستكون الغلبة
ترى هل يقبل أيا من هذه المذاهب الإسلامية أن يخضع للآخر باختياره ورغبته وحر إرادته ؟؟
ترى هل تقبل إيران الدولة الشيعية القوية أن تتنازل بإرادتها وتدخل فى وحدة مع السعودية أو مصر السنية أو مع باكستان ؟؟
وهل يقبل الشعب السعودي أو الكويتي أن تضمهم وحدة مع أبناء الصومال أو السودان بكل فقرهم ؟؟
وحتى داخل المذهب نفسه اختلف المسلمون
فمذهب أهل السنة فى مصر الذى يتقبل القبطي ويجعله أخا له فى الوطن وهو حال غالبية الشعب فى مصر غير مذهب السنة فى المشرق العربى الذى يخاطب المسيحى بكلمة كافر ( أنا لا أناقش هنا كفر المسيحيين أنا أقرر واقع موجود سواء قبلناه أو اختلفنا معه)
ترى كيف يمكن أن تقوم وحدة بين كل هذه التناقضات ؟؟
اعتقد انه لتحقيق هذه الوحدة لابد لن تسيل انهار من دماء المسلمين أولا
ترى هل هذا احد أهداف إثارة مثل هذه الأوهام الآن ؟؟
ثالثا
انتشر الإسلام وانتشر المسلمون فى جميع بقاع الأرض وأصبحت هناك جاليات إسلامية كبيرة فى دول لا تدين بالإسلام فما هو موقفهم إذا أرادوا الالتحاق بدولة الإسلام؟؟
وهناك دول تدين بالإسلام وفيها جاليات غير مسلمة كبيرة فما هو موقفها إذا رفضت الدخول فى الدولة المسلمة ؟؟
والآن لمن سيكون حكم هذه الدولة المسلمة (هل يمكن أن نجد أبو بكر جديد أو عمر جديد أو على جديد أو عثمان جديد ) وعلى أي أساس سيتم اختيار حاكمها ومن أي مذهب إسلامي سيتم اختياره وأي مذهب اقتصادي سيتبعه ومن أي جنس سيكون ؟؟
كلمة أخيرة
إذا كنا كعرب قد قتلنا حلم الوحدة العربية رغم اتحادنا فى الدين و فى اللغة والثقافة والتاريخ والعادات والتقاليد
ورغم كل ذلك فشلنا فى تحقيق الوحدة العربية
ترى كيف يمكن تحقيق هذه الوحدة الإسلامية المستحيلة ؟؟؟؟
ترى هل طرح حلم الوحدة الإسلامية محاولة لتخدير العقل العربى وإغراقه فى الأحلام المستحيلة حتى ينصرف عن مواجهة العدو الأمريكي الإسرائيلي ؟؟
وقد رأينا من يعلن انه ينتظر أبو بكر أو عمر ليبايع ومن يعلن انه ينتظر دولة الخلافة وعندها فقط سيكون النصر
ترى هل سيتركنا احد لنقيم هذه الدولة الحلم ؟؟
هل سنجد الوقت الكافي لنحقق ذلك الحلم وبعدها يمكن أن نتصدى لأمريكا وإسرائيل ؟؟
أم أننا سنجد أنفسنا تحت أحذية جيش الدفاع الاسرائيلى وجنود المارينز الأمريكان ونحن ننتظر خيول أبو بكر
يا امة العرب
لن يكون هناك أبو بكر
ولن يكون هناك عمر
ولا حل أمامكم إلا مواجهة الهجمة الأمريكية الإسرائيلية بما هو متاح بين أيديكم وبما انتم عليه
لن تغنيكم تلك الأحلام ولن تنفعكم بشيء
فلن يرسل الله ملائكته لتدافع عنكم
انتبهوا..أو موتوا
هى محاولة لهز العقل العربى لنفكر إذا كان قد بقى منه شيء
جمال النجار