بسم الله الرحمن الرحيم
وليست كل شؤون الناس فيما يتخيلونه من هذه المثالية التي يزعمونها زعما ، ويتلبسونها تلبسا ،
فهو خليق بأن يستثير سخريتك ، وأن يستدعي سخطك ، ويجتر ضحكاتك ..
لكن العدل الذي يتطلب من كل هذه الأشياء ونقائضها دليلا منطقيا منصفا ،
يحتم على المرء أن يأخذ نفسه بألوان من الشدة والتأمل ، يضفيها على نفسه لتكون أرحب
، وقلبه ليكون أكبر ، ولعقله ليكون أقرب إلى الوسطية والتريث منه إلى التزمت والتسرع ..
ومهما يكن من شيء ، فإن زماننا هذا الذي وجدنا أنفسنا فيه قد أخرجنا من أطوارنا الصحيحة التي خلقنا الله عليها أو كاد فلا يزمع الإنسان بالاحتكام إلى نفسه أو إلى قلبه أو إلى عقله حتى يجد من الانقباض والقلق والتقلب ما يعييه أن يخرج من أيها برأي يعينه على شؤون زمنه وما يعرض له فيه من الحوادث والخطوب ..
فكل ما نرى اليوم ، وكل ما قد رأيناه سابقا منذ أخذنا نعرف الحياة يجعلنا أمام صورتين اثنتين مختلفتين أشد الاختلاف
، متباينتين عظم التباين ، وهما صورة الماضي والحاضر ..
وقد يجدر بنا حين نحددهما في هذا العصر وحين نحاول أن نضع لكل خصائصه ومميزاته
_لاسيما نحن العرب_ أن نتبع في ذلك طرقا من العلم الصحيح الدقيق ، وأن نستخدم أدوات من الفهم والإدراك
تحمينا بإذن الله من الخطأ ما استطعنا أن نتجنب الخطأ .. وتعيننا على العدل ما استطعنا توخي العدل وتجنب الظلم والإسراف حتى لا نسرف على حاضرنا وماضينا معا .. وحتى نهيأ لأنفسنا هذا المنهاج الصحيح الذي يكفل لنا الفهم لحاجات المستقبل مستعينين فيه بالماضي وبالحاضر معا ..
وحديث الساعة أختاره في عادات الناس و تقاليدهم .. وما أحب أن يظن أحد من الناس أني أحدث به على نحو
من العلم أو البحث أو الفلسفه ,, فأنا لست عالما أو باحثا أو فيلسوفا ، ولا أعلم كيف يكون العالم أو الباحث أو الفيلسوف حقا
وأغلب الظن أني لن أقدر على إجابة أحد منكم إن هو سألني عن المنهاج العلمي أو البحثي أو الفلسفي الذي اتخذته
في هذه المقالة البسيطة التي لا تتعدى في نظر كاتبها _قبل قارئها_ منزلة الحديث الذي يملى ، أو الكلام الذي يلقى ، يريد ممليه أن يستعين به على فراغه الطويل ، ونفسه الغضة وعقله الناشئ ، وقد عاهدهما منذ شبا قليلا وأخذا يعرفان الحياة
وقسطا من أطوارها أن يأخذهما بألوان من الشدة والتفكير والتأمل في كل هذه الأطوار التي قدر الله تعالى له أن يلقاها ويبلوها من قريب وأتاح له أن يضطرب في كل منها شيئا من حياته ..
والحق أني إنما ابتغيت بهذا الحديث حين أمليته أن أشرك فيه القراء الأعزاء ، فهو موضوع يخصهم جميعا دون استثناء
وهو يلتقي بالناس جميعا حين ينال منهم العربي والعربية ، من المحيط إلى الخليج ..
فالكلام عن العادات القديمة والحديثة عند العرب ، وصراع الماضي والحاضر ، وحديث القديم والجديد لهو حديث معتاد
سمعناه ولا نزال نسمعه ونعيده ، وما زلنا وما نزال منقسمين حوله انقساما يتضح أو لا يتضح إلى قسمين اثنين :
قسم يناصر العاداتِ والتراث وكل ما هو قديم ، وقسم يناصر التغيير والتجديد وكل ما هو حديث
في هذا العالم .. وقد يسري ذلك على ألوان الحياة العقلية والثقافية كلها .. من عادات الناس اليومية إلى آدابهم
وثقافاتهم ودياناتهم واعتقاداتهم أيضا .. ولذلك نشأ الأمر العظيم الذي يتفق الفريقان على الاعتقاد به
وهو أن كل ما يدعو الفريق الآخر من نبذ مناهج خصمه واعتقاداته وسبله في الفهم والتفكير هو الخطر الذي
يلقي بالأمة في مسالك الشر ، ويهوي بها في طرق الظلام ..
وليس علي من بأس إن أنا استدعيت كل هذه المعاني ومعاني أخرى كثيرة لأبتدئ هذا الحديث على النحو الذي
وجدتني أبتدئ به ، وأن أستدعي الأعضاء جميعا إلى النقاش حول هذه المعاني ، وحول حديث الجديد والقديم
والحاضر والماضي ، والعادات والتقاليد وما طالها من التبدل وما نالها من التغيير طوال هذه السنين ، ولعلنا في خلال ذلك ن
نعرض لبعض منها ، فنرى كيف كانت ، وإلام صارت ، وكيف يوافق بعضنا على تحولها هذا ، إذ يرى فيها التحول لما فيه خير للناس وصلاح لهم ، وكيف يعارض بعضنا على تحولها ، لأنه يرى في هذا التحول شرا للناس وفسادا لهم ..
ولكني أرى البأس كل البأس في أن يكون حديثي هذا ، مقتصرا على نفسي ، لا أوثر به أحدا غيرها ، ولا أرى لغيري الحق في الحديث وإبداء الآراء والأفكار ..
فها أنتم ترون أني أوثركم ولا أوثر عليكم ، وأقدمكم ولا أقدم نفسي من دونكم .. فأنا أرجو أن يكون هذا الموضوع على نحو المواضيع العامة التي يكتب فيها الكل ، ويشارك في الجميع ..
وألا يقتصر الأمر على أولئك الذين تعمقوا في العلم وأمعنوا في الثقافة ، إذ أن صاحبكم قصير اليد فيها أصلا ..
فليكن هذا الأمر على ما نرجوه لهذا المنتدى من الثقافة الحقة والرقي المطلوب ، وليكن الأعضاء على عطفهم المعهود وسخائهم المعروف ليشاركوا فيه ..
ولكل أن يتكلم بما شاء ، لا نأخذ على أحد فسحته من الرأي والتفكير ، ولا نجد على أي بأسا في الإفصاح والتعبير ..
وشكرا ..