فتحت أجفانها ملء صحوهما,تحس بأنها استغرقت في النوم حد الترف, ومع ذلك فلا رغبة لها بالنهوض من الفراش دقات الساعة الخبيثة
تحس مرارتها تحت لسانها.
كيف نهرمُ في غفلة عن أنفسنا, لا بدَّ من النهوض,تعطشت
لكوبٍ من شاي ساخن هكذا...يمكن للنهوض ما يبرره,حملت جثتها
وسارت بها نحو المطبخ..أكوام من الأطباق المتسخة في انتظارها
كيف غفلت عنها ليلة البارحة....وضعت الإبريق,شردت في مائه
وهو يغلي..ياه أخذت نفسا عميقا لا بد من الإعتراف بانها حزينة... الماء يغلي بقوة..حزينة حزنا مشروعا..بسيطا وربما ساذجا,كذلك الذي يصيب
الناس..كل الناس..تحاول جاهدة قمع هذا الإحساس, ودفنه بعيدا في كهف مظلم في غابة الروح.. من فقاعات الماء أطل وجهه,بدا هادئا وطيبا
صوته ينسرب في خلاياها
_ ما الذي يحزنك؟
تحدق في عينيه, تدرك أنه أزاء صمتها ستتشكل زوبعة في عينيه
تقذفها برملها وهوجها.
_ هيا..قولي, ما بك؟
" ألا يدرك أن من حقي أن أكون حزينة دون أي سبب" ملامحه الهادئة
تذوب في أخاديد وجهه,تحل محلها ملامح تشي بالتوتر والعصبية.
_ هل تريدين الخروج؟
_لا
_ هل تريدين شراء شيء؟
_ لا
يرمي قبضته في الهواء,يخبط بقدمه,تدرك أن عليها أن تكف عن ممارسة
حزنها, لا تهم الوسيلة المهم أن تزرع ابتسامة ولو في رحم عاقر.
حفنة من الشاي تلقيها في الإبريق,تتركه قليلا قبل أن تصبه خمريا
رائقا شهوة الحديث مع إحدى الصديقات تتملكها,تهرع إلى الهاتف
يأتيها صوت دافئ ممرغ بالحنو, مما يزيد شهوتها للبكاء, تندفع بالحديث معهاعلى غير عادتها, رغبة البوح تجرحها تلعنها ولكنها تتمسك بها, ثرثرت
طويلا إلى أن أحست بالخدر في أحاسيسها فأغلقت السماعة.
..هي الآن تبكي, تنساب الدموع بهدوء على الوجه الملائكي, تبكي
بل وتنشج, وعند نقطة معينة تصل إليها في شرودها, ترمي بقبضتها
على يد المقعد بعنف, وأحيانا تقذف بشتائم قاسية.. تروق لها حالتها
هذه,فتمعن بالبكاء بصوت مرتفع,حاولت أن تتذكر آخر مرة بكت فيها بحرية
فلم تستطع..ياه..أحست بمذاق غريب على شفتيها وأن دواخلها الآن
أكثر صفاءً ونقاءً..وأنها سعيدة, ولا تدري بأي مفهوم هي سعيدة- بدموعها وعصبيتها..أحست أنها تتحرر وأن أحاسيسها تركض بحرية في غابة روحها
فكرت وشعرت بنفسها تعود إلى طفولتها..لن أرتب أي شيء في البيت
لتعمه الفوضى,لا بأس هو يوم لا يكون ككل الأيام السابقة المارقة
في الشهور والسنين,مسحت أخر دمعاتها,وابتسمت بهدوء يليق بالأطفال
نظرت إلى وجهها في المرآة ..وأدركت الآن أنها امرأة حقيقة,تبكي كما تشتهي وتبتسم كذلك كما تشتهي.. تنزل بنظراتها إلى مستحضرات التجميل, إنها تماما كورق الجدران ورفعت نظرها إلى الجدر متفقدة,,كانت عارية, وتذكرت كم باتت تكره أن تغطيها بالورق المزركش الملون.
في المساء كان الحزن في داخلها يتمدد ويأخذ شكل عين جامدة
موج من الدموع تدافعإلى عينيها, حنَّت إلى صدر دافئ..تدرك أنه يمعن
في غيابه المر جرس الباب يرن, إنها الساعة مساءً هرعت إلى المرآة
مسحت بضع دمعات نفذت دون إرادتها,وضعت أحمر الشفاه وشيئا من الكحل, فتحت الباب لزوجها بينما ابتسامة عريضة شقت وجودها
بين شفتيها الشاحبتين.