الطائشة
حاولت مرارا أن أميت تلك اللحظة من ذاكرتي ، ولكن عبثا ، تجيئني الذكريات على غير رغبة مني ، لم اذنب في حياتي ، ولم أسبب الأذى لاحد ، وحاولت ان اكون مهذبا ، ولقد نشأت في اسرة علمتني احترام الناس ، وتقدير الكبير والعطف على الصغير ، واعطاء كل ذي حق حقه ، ولقد بذلت جهدي كي انال حب اهلي وعشيرتي ، ولكن ذكراها ما تزال عالقة في ذهني ، وأتساءل بيني وبين نفسي
- هل أذنبت بحقها بلا قصد ؟
غلام صغير يشب على حين غرة ، ويرى نفسه اسيرة للكثير من الحاجات ، التي لم تكن تخطر على باله ، وهي بقامتها الطويلة وقدها الأهيف ، وصدرها الناهد وعينيها الواسعتين ، وشعرها الكستنائي الطويل ، المنسدل على كتفيها ، قد ألهبت الرغبة في قلبي الصغير ، حاولت ان اتبعها ، دون ان اتفوه بكلمة ، موصلا اياها الى منزلها ، وهي تسير امامي محاولة الا تظهر انها على علم بمتابعتي لها
يسعدني انها تسكن قريبا من منزلي ، لعلها من الساكنين الجدد في المنطقة ، ولم اعلم عنهم عن طريق افراد اسرتي ،الذين اعتادوا على الترحيب بالسكان الجدد.
تطول متابعتي لها
- مساء الخير
يثيرني انها لاترد على تحيتي ، احاول ان اقترب منها ، عيناها ترحبان بحذر ، ألقي تحيتي مرات أخر ، يصفعني بقوة أنها تصر ألا تجيب ، أمد يدي إليها ممسدا خدها ، وكأن شعورا من مس الكهرباء يوقفني ، تسكت هي ، وكانت شديدة الحياء ، اكرر المحاولة ، ترغب بابعادي ، ولكني كنت اقوى منها بكثير ، كنت أشعر ببعض الحرية كوني بعيدا عن منزلي ، أدرك ان عيونا كثيرة تترصدني ، وتنقل ما أقوم به إلى أناس أحبهم كثيرا في عائلتي ، فجأة أجد نفسي محاطا بعدد كبير من الناس ، كيف وصلوا هنا ، وقبل قليل كان الشارع يخلو منهم ، افواه كثيرة تتحدث متهمة الفتاة باقسى النعوت ، وأبشعها
- انها مخلوقة حقيرة ، لم يؤدبها ذووها
- انظروا اليها كيف زججت حاجبيها ولونت وجنتيها ؟
- شعرها منسدل ، ولم تبذل جهدا في ربطه
- عليها اللعنة ، تتحرش بأولاد الناس ، والرجال الصالحين
يرانا ابن عمها ، فيسارع الى الوشاية بي والإيقاع بها
أتفاجأ بأبي
- ماذا فعلت لابنة الجيران ؟ لقد جاء ابوها شاكيا
- لم افعل شيئا
- لقد شاهدك الكثيرون تتحرش بها ، الا تستحي ؟
ابي رغم طيبته وسماحته ،إلا انه شديد الغضب في مثل هذه الامور
امسك عصا غليظة:
- سأؤدبك الآن يا ابن الكلب ، يبدو أنني لم أحسن تربيتك ، وتركتك حرا ، تتعدى على أعراض الناس ، ينقصني أن تتحرش بالجيران .
تتوالى علي صربات موجعات ، مما جعلني اصرخ
- مهلا ابي ، سوف اخبرك الحقيقة
يتوقف ابي ، انتهز الفرصة لايقاف عمليات التأديب
-انها السبب ابي ، كانت طائشة وخفيفة ، تضحك في الشارع
- تأدب ايها العاق ، كيف ايقنت انها طائشة ؟
- لبست تنورة مكشوفة ووضعت الأصباغ
اجد ان الضربات تضعف قوتها
- ومالك وما ترتدي ؟
يقف ابي ليسترد قوته ، يبدو ان كلماتي قد أتت اكلها
- انها قليلة الادب
عرفت بعد ذلك ان افراد الاسرة الجارة ، قد غادروا المحلة تحت جنح الظلام ، خوفا من معاكسات الشباب
كنت ذلك الحين حدثا صغيرا ، لاأفقه من أمور الحياة شيئا ، ثم كبرت وعرفت ان الكلمة قد تودي بصاحبها ، أو تسبب اندلاع حريق ، لايذر شيئا ، ويأكل المذنب والبريء ورغم توالي الأعوام، فما زال ذلك الحدث ماثلا في ذهني ، سألت عنها وعن أحوالها ، فلم يجبني احد
صبيحة شبر