أدب المعصية
أبو أحمد ( مهذب )
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد ..
فإن الله خلق الخلق وقال : " أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " فخلقهم جل وتعالى على حال ووصف وهيئة يعلمها جلّ وتعالى وركّب فيهم ما شاء من الأوصاف والأخلاق ، وجبلهم جل وتعالى على الضعف والنقص والخطأ ، وهو مع هذا " لطيف بهم " بما جبلهم عليه . " خبير بهم " وبما يعملون .
ومن هذا فقد كتب عليهم الخطأ والذنب والمعصية .
ولمّا كانت المعاصي أمر حتم لابد منه وليس إنسان يُعصم منها - أيّا كان جنسه ووصفه وهيئته ومكانته - إلا الأنبياء ، بل لقد ثبت في حديث الشفاعة أن الناس لما يأتون آدم يستشفعون به يردهم بقوله : " ربي غضب غضبا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، ونهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي، " فلمّا كان هذا الأمر أمرحتم ، كان لابد من معرفة الأدب فيه على الهيئة التي وصفها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم
وإني قد كنت متردداً في أن أسم الموضوع بـ " أدب المعصية " خشية أن يُفهم من العنوان التهوين من شأن المعصية والتسويغ والتبرير لها على عظم شأنها وفداحة جرمها !
فاستخرت واستشرت فوجدتني أكتب هذا المسطور :
إبرازاً لأدب الإسلام في مراعاته لجبلّة البشرية في تشريعاته وتكاليفه وأوامره ونواهيه .
وأدب الإسلام وحرصه على تطهير أفراده وتهذيبهم وتزكيتهم من رجس الشيطان .
هذا من جانب ، ومن جانب آخر فإن في بيان هذه الآداب إظهار وبيان لسعة رحمة الله جل وتعالى وسعة علمه وحلمه وعفوه ، وكيف أنه جلّ وتعالى تعرّف إلى عباده بجميع أنواع التعرّفات .
ثم إنه قد حلّ في المسلمين قوم يهوّلون المعصية ويعيّرون العاصي حتى لا يكاد يجد باباً مفتوحاً إلى رحمة الله من التأييس والقنوط !
والله الرحمن الرحيم قد خاطب عباده بقوله : " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ "
فتأمل كيف ناداهم الرحمن المتفرّد بالعزة والجلال بأحب المقامات إليه - مقام العبودية - وكيف أكّد سعة رحمته في ختام الآية الكريمة .
فما هي وربي سطور التبرير والتسويغ بقدر ما هي نصيحة محب مشفق
" وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ "