|
عيونُ المها غابتْ عن النهْرِ و الجسْرِ |
|
|
فما عادَتِ الأجواءُ خلْواً من الغدرِ |
و لا عادت الشطآنُ ورداً لظامئٍ |
|
|
و لا عادت الساحاتُ أمناً لذي وِطْر |
صواريخ أمريكا و غاراتُ قصفها |
|
|
(جَلَبْنَ الردى من حيث ندري ولا ندري) |
و روَّعَتِ الغاراتُ حبلى فأجهضتْ |
|
|
و قدْ أحرقتْ أرضَ العراقِ بلا عُذر |
و قد أرعبَ القصفُ الصغارَ و راعَهم |
|
|
كثيرٌ من الأطفالِ يبكي من الذُعرِ |
يلوذُ بمن ترعاه مرتبكا كما |
|
|
تلوذ بغاثُ الطير من هجمة الصقر |
و يقفز مفزوعا من النوم صارخا |
|
|
سيذبحني المحتلُّ ذبحا من النحر |
و تنهض أمٌّ لا تزال دموعُها |
|
|
تبدِّدُ أستارَ الظلامِ من القهر |
و قد حاولت إخفاءَ آثارِ خوفها |
|
|
و قد ضمَّتِ المسكينَ ضماً إلى الصدر |
و قد راعَها ما كان روّعَ طفْلَها |
|
|
و لكنّها أبدت جبالا من الصبر |
إذا حاول المحتلُّ تحطيم عزمِها |
|
|
أرتْهُ ثباتاً لا يلين مع النقر |
و قد جفت الآمال و هي عريضة |
|
|
و أورق يأس في مرابعِنا الخضر |
فثارت قوافي الشعر و هي عنيفة |
|
|
تذيقهُمُ الويلاتِ من لعنةِ الشعر |
إذا الشعر يوما شاء شيئا فإنه |
|
|
يقيم له الدنيا و يحييه كالقطر |
فينهض ثوار و يرجز فارس |
|
|
و تنتفض الأرجاء كالموج في البحر |
و قد سقطت بغداد وهي عزيزة |
|
|
و قد كان أبناء العروبة في سكر |
و قد أصبحت بغداد رغم عراقة |
|
|
خرائبَ فيها البومُ ينعب للفجر |
و قد حام في بغداد غولٌ من الخنا |
|
|
و قد عاثَتِ الأشرارُ في ربعِها الطهر |
و سارع فيها من تأبط شره |
|
|
و أثبتَ في إيمانِها خنجرَ الكفر |
و لم تنفع الأعذار من هد مجدها |
|
|
فقد أُخُذِتْ بغدادُ جوراً على جور |
و ما زالت البلواء تطحن أهلها |
|
|
كما تطحن الطاحونة الصخر بالصخر |
غرائبُ لم تسمع شعوب بمثلها |
|
|
و لا خطرت يوما ببال ولا فكر |
قد امتلأت خوفا وكانت أمينة |
|
|
تسير بها الركبان في النهر و البر |
و تدخل ما قد شئت منها مُكرَّما |
|
|
و تفرح فيك الأرض قبل الذي يقري |
تنام قرير العين في جنباتها |
|
|
و تنعم مسرورا بآلائها الكثر |
تمر بك الأيام فيها سريعة |
|
|
و لم تدرِ كم يومٍ قضيت من الشهر |
تطوف بها سكران من فرط حسنها |
|
|
و تسعد فيها لا تمل من السير |
فلا الأنس يحلو في مرير احتلالها |
|
|
و قد حالت الأحوال طورا على طور |
و لا الود يصفو للذي خان أهله |
|
|
و من عاون الأعداء ليس بذي عذر |
جراح العراق لا يزال نزيفها |
|
|
-وقد اتعب الآسين- مندفعا يجري |
و قد جرب الغازي وسائل خبثه |
|
|
ليثنِيَ عزمَ الثائرين عن الوطر |
فخاب و لم تفلح حبائل مكره |
|
|
و كيف يهون الاحتلال على الحر |
ستبقى ليوث الرافدين تذيقهم |
|
|
من الحرب ألوانا من الكر و الفر |
و قد مرت الخمس العجاف ولم تزل |
|
|
ثقالاً و مازالت تعضُّ على الجمر |
تتابعت الأحلامُ فيها كريهةً |
|
|
ببغداد روح للتحدي و للنشر |
و كم حاول العدوان فكّ أواصرٍ |
|
|
تشدُّ زمامَ الشعب في السرِّ و الجهر |
و قد قسّموا شعب العراق طوائفا |
|
|
ليزرعَ في تفريقِهم بذرة الشر |
فقد أفشل الأبطال مفعول سحره |
|
|
و راح هباءً ما أحاكوا من المكر |
ستلفظ هذي الأرض من خان أهله |
|
|
و يطعمه التاريخُ مزبلة الدهر |
و بغداد كالعنقاء تبعث نفسها |
|
|
و تنهض من بين الرماد على الفور |
متى تقلبين الأرض فوق رؤوسهم |
|
|
و نرفع أعلام التحرر و النصر |